تمر علينا هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى لسقوط مدينة الموصل واجزاء كبيرة من محافظات صلاح الدين والأنبار وديالى بأيدي تنظيم داعش الإرهابي, وهو السقوط الذي تسبّب بصدمة لا في العراق فحسب بل في عموم المنطقة والعالم. إذ لم يتنبأ أحد بانهيار الدفاعات العراقية في تلك المحافظات وبتلك السرعة المذهلة التي سمحت للتنظيم بالسيطرة على حوالي ثلث مساحة العراق, ووقوف قواته على مشارف العاصمة بغداد التي كادت تسقط في يديه, لولا فتوى الجهاد التي أصدرها المرجع السيستاني حفظه الله والتي حافظ عبرها على ما تبقى من عراق, بعد ان فرّط به القادة السياسيون وضحوا به قربانا على مذبح مصالحهم وامتيازاتهم.
وقعت النكسة او الهزيمة او الإنهيار بعد مرور أحد عشر عاما على سقوط النظام الصدامي وبعد مرور عشر سنوات على تولي حزب الدعوة الإسلامية لأعلى منصب قيادي في البلاد, الا وهي رئاسة الوزراء التي تتمتع بصلاحيات واسعة لا يحظى بها اي مسؤول في الدولة العراقية. وقد أحكم حزب الدعوة خلال الحكومة السابقة قبضته ليس على رئاسة الوزراء والمؤسسات التابعة لها من الأمانة العامة لمجلس الوزراء ومكتب القائد العام للقوات المسلحة فحسب, بل وعلى وزارتي الدفاع والداخية اللتان ادارهما المالكي ورفض تولية وزيرين من كتل اخرى عليهما , وبالتالي انفرد بادارة الملف الأمني في البلاد وبلا منازع او مدافع وبلا إشراك من القوى السياسية الأخرى وحتى من قوى التحالف الوطني.
ولذا فإن المالكي يتحمل بالأساس تلك النكبة التي حصلت, لأن القوات العسكرية التي يقودها هو وضباطه الذين عينهم وجميعهم من اتباعه, امثال قنبر وغيدان والغراوي والفتلاوي ومن لف لفهم, انهزمت في أرض المعركة وتركت أسلحة لا تعد ولا تحصى للتنظيم الإرهابي. ووفقا لتصريحات رئيس الوزراء العراقي الحالي الدكتور حيدر العبادي, فإن قرابة 2500 مدرعة همر استولى عليها التنظيم, مع مئات المدافع وآلاف الأسلحة والسيارات العسكرية.
هذا الإنهيار كشف هشاشة المؤسسة العسكرية والأمنية العراقية, اذ تبين ألا وجود للجيش العراقي او الشرطة الإتحادية او الاجهزة الإستخباراتية, وإن وجدت فإنها مؤسسات تفتقد الى العقيدة القتالية وإرادة الدفاع عن البلد. فالجيش المليوني الذي كان يتبجح بإنشائه نوري المالكي لم يكن له وجود الا على الورق, فهو جيش وهمي يتقاضى رواتبه القادة العسكريون الذي أثروا ثراءا فاحشا داخل وخارج العراق حيث المولات في اربيل والعمارات في دبي والحسابات المصرفية العامرة في بيروت.
المالكي ورهطه وفضائية نفاق التابعة له ألقت باللائمة على الخونة من الكرد والسنة الذين تواطؤوا على المالكي من اجل اسقاطه على حد زعمه. ولو سلمنا جدلا بوقوع تلك الخيانة , فإن سؤالا مشروعا يطرح نفسه وهو أين القطعات العسكرية الشيعية أو الموالية للمالكي في منظومة الجيش العراقي؟ فهل أن الجيش العراقي جميعه سني وكردي خائن؟ وأين تمثيل المحافظات الشيعية العشر في الجيش؟ فهل كان المالكي يقود جيشا لاوجود للشيعة فيه؟ لا شك إن ذلك مستحيل لأن غالبية الجيش العراقي من الشيعة نظرا لأنهم الأغلبية السكانية.
ولوفرضنا ان الجيش يخضع للمحاصصة وليس طبقا للتعداد السكاني بل بنسبة ثلث للكرد وثلث للشيعة وثلث للسنة وهي نسبة محال, ولكن اقول لو فرضنا ذلك , فهذا يعني وجود 300 الف مقاتل شيعي في المؤسسة العسكرية والأمنية. ولو تنزلنا وقلنا ان الشيعة يشكلون نسبة 10% فهذا يعني وجود 100 الف منتسب شيعي. الا ان الهزيمة التي وقعت امام بضعة آلاف من الدواعش تثبت عدم وجود ذلك العدد من المنتسبين الشيعة او انهم موجودون ولكن يفتقدون للعقيدة القتالية. ولو كان لهم وجود لما تصدى الحشد الشعبي للإرهاب برغم قلة عدده التي لا تتجاوز 50 الف مقاتل على أفضل التقديرات.
وفي كلا الحالتين فإن هذا الوافع يعكس فشل المالكي الذريع في بناء جيش حقيقي وعقائدي. ويعود السبب في ذلك الى تفشي الفساد في المؤسسة العسكرية وفي مكتب القائد العام للقوات المسلحة, ونظرا لإنه لم يكن بصدد اعداد جيش للدفاع عن العراق , بل بصدد اعداد قوات عسكرية تدافع عنه وترهب خصومه السياسيين. ولم يعد لقادة الجيش مكانة سوى تقديم فروض الطاعة والولاء للمالكي ولنجله أحمد الذي تخطى كافة القيادات اتلعسكرية والأمنية عبر العملية التي نفذها في المنطقة الخضراء والتي تباهى بها المالكي.
قدمت الولايات المتحدة الأمريكية الحكم في العراق على طبق من ذهب لحزب الدعوة ولأمينه العام السابق الدكتور ابراهيم الجعفري ولخلفه نوري المالكي, وضحت بقرابة 5000 جندي في حربها ضد تنظيم القاعدة الذي قضت عليه في العراق بحلول العام 2010 , وحظي المالكي بعد ذلك بدعم ايراني كبير الا انه فشل في اعداد جيش عراقي او على الأقل قطعات تدافع عن المدن الجنوبية التي يبلغ تعداد سكانها أكثر من 20 مليون نسمة, الا انها لا تمتلك قوات عسكرية يعتد بها, لولا الحشد الشعبي الذي قلب جزءا من المعادلة.
تعرضت العملية السياسية الى ضرية كبيرة وبعد 11 عاما على انطلاقها وبعد تضحيات جسام قدمها العراقيون بلغت مئات الآلاف من الضحايا وبعد دمار كبير اصاب العراق وبعد انفاق 1000 مليار دولار, الا أن حزب الدعوة وأمينه العام نوري المالكي ضحوا بكل ذلك من اجل ديمومة سلطانهم وامتيازاتهم. فكانت النتيجة خسارة ثلث العراق وارتكاب مجازر يقل نظيرها في التاريخ, وسبي واغتصاب لآلاف العراقيين , وتهجير للملايين منهم, وفوق كل ذلك تحويل مايسمى بالدولة الإسلامية الى امر واقع يمتد من أدلب في سوريا الى تخوم بغداد.
إنها خيانة للأمانة وجريمة كبرى بحق العراق وبحق الإنسانية وبحق شعوب المنطقة المظلومة ارتكبها حزب الدعوة وزعيمه المالكي الذي خانوا الأمانة من اجل ديمومة كراسي حكمهم وامتيازات أبنائهم وعصاباتهم المنعمة والتي لا تعرف معنى التضحية ومنذ ايام المعارضة, عندما سرقت العراق ايام الإنتفاضة الشعبانية, واليوم تسرق العراق وتضحي بأبنائه وبترابه وسيادته واستقلاله.
عصابة هي أسوأ ما شهده العراق عبر التاريخ لأنها تاجرت بالدين وبسيرة أهل البيت عليهم السلام وبدماء وتضحيات العراقيين, ولا سبيل للنهوض بالعراق والحاق هزيمة بداعش الا عبر اقصائها من الحكم وتقديمها أمام محكمة الشعب لتلقى جزاءها العادل, ولا فعلى العراق السلام.
https://telegram.me/buratha