( بقلم : علي حسين علي )
لعل المراقب السياسي قادر على اكتشاف من كان وراء الذين تحركوا في الرابع عشر والخامس عشر من شهر شعبان الجاري، فشعارات العصابات التي زعزعت الأمن في كربلاء المقدسة والصور التي يرفعونها والسلوك الفوضوي المعتاد والمعروف عن طرف معين قد دلت على المجرمين والخارجين على القانون في أحداث كربلاء، فضلاً عن ذلك فإن الفوضى التي أرادوها لتخريب احتفالية الجماهير المؤمنة في الزيارة الشعبانية المباركة، لم تكن تلك الفوضى محصورة في حدود كربلاء الجغرافية فحسب، بل ان لها امتداداتها في مناطق اخرى حيث وصلت الحرائق واعمال القتل الى بغداد بكرخها ورصافتها والى بعض مناطق النجف والحلة، ثم تلت ذلك عمليات لاغتيال شخصيات دينية وتحديداً من ممثلي الإمام السيستاني في بعض المناطق الجنوبية وقتل شخصيات سياسية في مناطق اخرى.
إذن الأمر لم يكن احجية او عسير الفهم، فالفاعل معروف ومشخص من الاجهزة الحكومية في كربلاء قبل اندلاع الفوضى واثناء وبعدها، للمميزات التي ذكرناها. وإذا أردنا ان نستدعي الذاكرة الى ايام قليلة قبل الزيارة الشعبانية فإن العصابات البعثية المقنعة كانت قد خلقت مناخاً لارتكاب مجزرة كبرى في كربلاء كان ضحاياها من زوار الإمام الحسين(عليه السلام) وحتى المحتفلين بمولد الإمام الحجة(عجل الله فرجه الشريف).. فقبل اليومين الكربلائيين الفاجعين، استهدفت نفس العصابات حياة العديد من الرموز الوطنية والسياسية في مناطق الوسط والجنوب بالاغتيال، وكان الهدف من ذلك خلق حالة من الاضطراب في مناطق عديدة وأشغال الأجهزة الأمنية ومؤسسات الحكومة عما يخططون ويعملون له في كربلاء لاحقاً.
لقد لاحظ الكثير من العراقيين ان سيارات النقل الكبيرة التي تحمل (الزوار) الى كربلاء كانت تحمل بنفس الوقت اسلحة ومعدات عسكرية، ولعل الغرابة في ذلك هو ما حاجة الزوار الى السلاح؟ فالأمن كان من مهمة اجهزة الدولة والمحافظة بكل مؤسساتها مسؤولة عن توفيره.
ولعل منع دخول الاسلحة الى منطقة ما بين الحرمين الشريفين هو من دفع العصاب البعثية المقنعة الى استعجال الكشف عن مخططها، فباشرت بالاندفاع نحو المرقدين المقدسين وما بينهما مستعملة العصي وقضبان الحديد، وعند مقاومة العصابات السائبة والمسعورة بدأت زخات الرصاص تستهدف الزائرين ولا تفرق بين رجل وامرأة او شيخ طاعن في السن.. وكان هدف القتلة والمجرمين الارهابيين هو تصعيد القتل العشوائي الى أعلى الارقام وتحميل القوات الحكومية مسؤولية ذلك.. ولعل ما افشل هذا المخطط.
ومن الجانب الخاص بالقوات الحكومية وتحميلها المسؤولية هو ان تلك القوات قد تخاذلت وهرب العديد من افرادها، وامتنع الكثير من منتسبيها الالتحاق بوحداتهم في ساعة الشدة، فضلاً عن ذلك فإن غرفة العمليات والمسؤولين الاداريين في المحافظة كانوا قد تواروا فخلت الساحة للقتلة المسعورين ولم يكن احد غيرهم يقتل الناس عشوائياً قد يقول قائل ان الكثير من الاجهزة الامنية لا تمتلك السلاح الكافي لمواجهة عصابات منظمة وعمل اجرامي مخطط له.. ولكن هذا القول مردود، فهزيمة القوات الامنية كانت فضيحة لن تسترها الاجراءات التي تلت الاحداث او في اثنائها.. فمعظم قادة الاجهزة الامنية لم يكونوا كفوئين وكان اغلبهم منشغلين في التجارة وتأسيس الشركات او هم حماة للشركات التجارية.. ولعل الاسوأ في ذلك ان بعض القادة الامنيين في كربلاء كانوا من العناصر المندسة والتي لا تخدم الوطن والمواطن، بل هم طرف غير مباشر في التخريب الذي حدث في كربلاء المقدسة خلال الزيارة الشعبانية.
ان احداث الايام الثلاثة من الاسبوع الماضي لا يمكن ان تمر من دون ان يتم درسها ووضع خطط لملاقاة مثيلاتها في كربلاء او غيرها من المحافظات، ولعل اول ما يجب الاهتمام به هو اجراء تحقيق في كل ما حصل واعلان نتائجه على الملأ، لان من حق الناس ان يعرفوا ماذا حصل، وكيف حصل، وما دور الاجهزة الامنية الحكومية في مواجهته، ومن هو الطرف الذي خطط ونفذ الخطط الاجرامية.
فمن حق المواطن العراقي والكربلائي على وجه التحديد ان يعرف كل تفاصيل ونتائج التحقيق، وما يتخوف منه الناس في كربلاء ان (تلفلف) القضية ويتحول التحقيق الى منحى آخر او يكون مصيره كمصير سابقاته من الجرائم الكبرى ومن بينها جريمة جسر الأئمة التي لم يعرف شيئا عنها رغم مرور اكثر من عام على وقوعها. فالحكومة حكومة الوحدة الوطنية مطالبة قبل كل شيء ببناء جهاز أمني في كربلاء بعيد عن الاختراق والفساد معاً.. ثم على الحكومة ان تكشف لمواطنيها هوية العصابات التي قامت بالعمل الاجرامي وصلات هذه العصابات بالأجهزة المخابراتية.. ولا يكفي ان نعرف القتلة، بل الأهم من ذلك ان نعرف من ورائهم في داخل البلاد وخارجها.
https://telegram.me/buratha