بقلم: حسن الهاشمي
على مدى أربع سنوات ومنذ سقوط الصنم فان رئيس جبهة التوافق العراقية السنية عدنان الدليمي ما برح إلا وكان يدق على وتر الطائفية المقيت، وكان يبث سمومه التي ساهمت بشكل وبآخر في تأجيج الإحتراب الطائفي، وكان يستغل وجوده في كافة المحافل الإقليمية والمؤتمرات الدولية للدفاع عن أهل السنة والجماعة في العراق، وظل على هذا المنوال ولم يغير سمفونيته بالرغم من اعتراضات ألمح بها أعضاء من نفس جبهته المعروف عنهم بخطابهم الطائفي، وآخر من اعترض عليه ظافر العاني في فضائية الحرة.
يبدو أن الطائفي بامتياز عدنان الدليمي عندما كان يصرخ ويعربد في المحافل الدولية وغيرها من أنه طائفي ويفتخر بطائفيته كان مذهولا كيف أن الحكم في العراق فلت منهم وأنه لا يفقه الأكثرية والإستحقاق الإنتخابي وإرادة الشعب كل هذه المفردات لا يعترف بها، ولا يعترف سوى أنهم يمثلون الأكثرية في العمق العربي والإسلامي لذلك كان يستنجدهم دائما ويستدر عواطفهم ويخاطبهم بترهاته باستنقاذ العراق عامة وبغداد خاصة من النفوذ الصفوي!!! وخلصوا بغداد عاصمة الرشيد من الهيمنة الشيعية وكأنما الملايين يخرجون سنويا للإحتفاء بذكرى الرشيد وليس بذكرى الإمام موسى بن جعفر، وكأنما هذه الأمواج البشرية كلها جاءت من الحدود الشرقية وليسوا بعراقيين حسب منطق الدليمي القومجي جدا والمنغمس بالوطنية والعروبية التي أثبتها على أرض الواقع من خلال تهجيره وتقتيله وإبادته لعوائل أتباع أهل البيت في حي العدل والجامعة وأبي غريب في بغداد.
وطالما أن هذا المنطق المعوج ليس له آذان صاغية في العالم المتحضر سوى من البدو والعربان في صحراء السعودية وليبيا وأولئك المتطفلين على بقايا الموائد من بعض علماء مصر والأردن واليمن والجماهير التابعة لهم، ويبدو أن صاحبنا المسكين وصل بعنترياته إلى طريق مسدود، وأخذ يعدل من خطاباته في الآونة الأخيرة بعدما أيقن أن الشعب العراقي لم ولن ينجر إلى الحرب الطائفية التي كان يأمل أن يتصيد من خلالها بما يصبو إليه من إحياء مجده الطائفي المقبور، وكذلك صمود الساسة من أتباع أهل البيت والأكراد بوجه هذه التيارات التي تسعى إلى ارجاع العراق إلى المربع الأول واصطدام تلك الدعوات الشوفينية بصخرة الوعي من المتعقلين في العالم العربي ناهيك عن العالم المتحضر الذي نعيش في كنفه والذي يؤكد على ضرورة التعامل مع الحقائق بمسمياتها بعيدا عن التأليب والتهريج والتخريب، والأهم من ذلك كله أخذه صك الغفران من القادة العسكريين الأمريكان وتكللت بالزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي بوش لمعسكر "الأسد" بالأنبار والتي تؤكد جميعها على زرق الجيش العراقي وبقية القوى الأمنية المزيد من السنة البعثيين، وليس بعيدا عن هذه المساعي ما أكده أحمد الجلبي في لندن أن القوات الأمريكية جندت إثني عشر ألف مقاتل من العشائر السنية في المناطق الغربية المحيطة بالعاصمة بغداد بإمرة ضباط من الحرس الجمهوري السابق.
لأي من الأسباب والمسببات التي ذكرنا المهم أن صاحبنا قد غير من موقفه المتشنج الذي ظل طيلة الفترة السابقة يعزف على وتره، بعد أن حصل على ضالته في الدعم الأمريكي، فأنه يعد نفسه ليطرحها على الصعيد الوطني وتخليصها من الأدران الطائفية، فقد أطل علينا موقع المرصد العراقي أن الدليمي قد " دعا السنة والشيعة في العراق للتكاتف فيما بينهم لانقاذ بلادهم وإيقاف إراقة الدماء وتحقيق الأمن والاستقرار في العراق حتى تتم إعادة إعماره ويعود كما كان " هذا جيد وكان معظم الساسة المخلصون ينادون بالوحدة الوطنية، وإنما أنت وأمثالك كنتم تعارضون اللحمة وتغذون الفتنة الطائفية بمعونة السعودية والإمارات وقطر بهدف اجهاض التجربة الديمقراطية وارجاعكم إلى حلمكم القديم المتجدد، وهذا واضح في عبارة "ويعود كما كان" أي كما كان عليه الوضع في النظام السابق من تحكم الأقلية في مصير العباد والبلاد.
وقال الدليمي في نفس المصدر وعقب مباحثاته مع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ''إن الجميع في العراق سنة وشيعة إخوة ويجب أن نجتمع سويا على العدل والانصاف ونعمل سويا من أجل تخليص العراق من هذه المأساة التى وصل إليها''. ما عدى مما بدى فهذا الكلام ما كان يخرج من هذا الطائفي لولا حصول السنة العرب في العراق على المزيد من الصلاحيات من الجانب الأمريكي، خصوصا أنهم كانوا في السابق بالرغم من أنهم يمثلون 13% من نسبة السكان قد استحوذوا على ثلث المناصب السيادية وضباطهم يشكلون 42% من تشكيلة الجيش العراقي حسبما أورده الرئيس جلال الطالباني في لقاءه مع إحدى الفضائيات، وقد ماثلوا بهذه النسب الشيعة العرب في العراق بالرغم من أنهم يشكلون أكثر من 70% من نسبة السكان، هل هذا التقسيم لا يشكل عدلا وانصافا في قاموس الدليمي، ماذا يريد من النسب حتى يتحقق العدل وتنزاح المأساة التي تجثم على صدر العراقيين ليتنفسوا الصعداء وتنقشع تلك الغمامة الدليمية عن سماءهم!!!
وقال الدليمي إنه "جاء إلى الجامعة العربية للتباحث مع موسى في إيجاد السبل لتحقيق المصالحة الحقيقية وإيقاف إراقة الدماء العراقية والعمل على إنقاذ العراق من المأساة التي وقع فيها". المصالحة الحقيقية يقصد بها المصالحة مع أركان النظام السابق من ضباط ومخابرات ورجال أمن ممن تلطخت أياديهم حتى المرفق بدماء الأبرياء من الشعب العراقي المسكين طيلة ثلاثة عقود ونصف من تحكم البعث الفاشستي على رقاب العراقيين، أما المصالحة التي تحققت مع عشائر الأنبار وصلاح الدين وديالى وبقية الرتب والرجالات من النظام السابق المعتدلين، فالمصالحة مع هؤلاء ليست بمصالحة حقيقية في النظرة الدليمية الثاقبة.
وناشد الدليمي جميع العراقيين ''العمل على التصالح فيما بينهم وأن يعملوا بكل قوة وشجاعة لحل المشكلة لأن العراقيين أولى بأنفسهم من غيرهم'' وهذا جيد وكنا دائما وأبدا نؤكد عليه ونسعى لتحقيقه، وهو موقف غريب من هذا الرجل الذي يبدو أنه وبما حتمت عليه المعطيات الداخلية والإقليمية والدولية الجديدة من تعزيز لموقف السنة وإعطاءهم المزيد من الصلاحيات تفوق بكثير تمثيلهم السكاني والإنتخابي، فأنه قرر أخيرا الخروج من شرنقة الطائفية التي شربك نفسه بها، وما كان يطرأ هذا الموقف على طائفية الدليمي المعهودة لولا ضمانات بوش في زيارته الأخيرة إلى العراق بإعطاء السنة العرب المزيد من الحكم واشراكهم بشكل جدي وفعال في اتخاذ القرارات المصيرية في البلاد ومن ضمنها الأمنية والسياسية والإقتصادية، وبات واضحا أن شيئا غير التعايش السلمي العادل بين الشعوب هو الحاكم في العالم المتحضر ألا وهو العمالة المقنعة والجريمة المنظمة والعبرة لأولي الأبصار والنهى.
https://telegram.me/buratha