تأسست قوات الحشد الشعبي في العراق , بعد أن أصدر المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيستاني فتواه الشهيرة بالجهاد الكفائي في 13 حزيران من العام الماضي. وذلك بعد ان انهيار القوات العراقية في العاشر من ذلك الشهر, وسيطرة تنظيم داعش الإرهابي على عدد من المدن العراقية وفي طليعتها مدينة الموصل.
أصدر المرجع تلك الفتوى بعد وصول عناصر التنظيم الى مشارف العاصمة بغداد, في وقت كانت فيه الحكومة العراقية السابقة التي يرأسها نوري المالكي في حالة من الصدمة والذهول التي افقدتها زمام المبادرة وخاصة بعد هروب قادة الجيش العراقي من ارض المعركة الى اقليم كردستان.
وقد لبّت الجماهير العراقية نداء المرجعية الدينية وسارعت للتطوع وحمل السلاح لمقاتلة الإرهابيين التكفيريين ,ودرء خطرهم عن العاصمة وعن المدن المقدسة. وأعقب تلك الفتوى , انضمام فصائل سياسية وأخرى عسكرية غير رسمية الى قوات الحشد الشعبي. وفي طليعة تلك الفصائل مجموعة عصائب أهل الحق التي يتزعمها الشيخ قيس الخزعلي الذي انشق عن جيش المهدي الذي يتزعمه السيد مقتدى الصدر.
كما وان فيلق بدر الذي تحول في وقت سابق الى فصيل سياسي تحت مسمى منظمة بدر, استنفر اعضائه استجابة لنداء المرجعية وحمل السلاح لمقاتلة قوى الظلام والتكفير. وكذلك فعلت سرايا السلام التابعة للسيد مقتدى الصدر. والأمر ينطبق على المجلس الإسلامي الإعلى الذي يقوده السيد عمار الحكيم. فكانت تلك القوى نواة للحشد الشعبي. وقد ابلت قوات الحشد بلاءا حسنا بعد تشكيلها ونجحت في تطهير العديد من المناطق العراقي وبالتعاون مع قوات الجيش العراقي والشرطة الإتحادية, كمناطق جرف الصخر المحيطة ببغداد, وقرية إمرلي وأجزاء واسعة من محافظتي ديالى والأنبار, وأخيرا شاركت وبفاعلية في تحرير مدينة تكريت.
ومع تحقق هذه النجاحات بدأت بعض القوى السياسية السعي لتجيير قوات الحشد وانتصاراتها لصالح فريق سياسي معين, وحرص قادة عدد من فصائل الحشد على زيارة بعض المسؤولين وفي طليعتهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي, فيما ارتفعت أصوات تدعو الى تسميته زعيما لقوى الحشد. ولعل أبرز تلك الفصائل هي منظمة بدر وعصائب الحق.
فأما الأولى فكانت حليفة للمالكي طوال سنوات ولايته الثانية وكانت من أشد الداعمين لبقائه في منصبه ,وقد حاول زعيمها هادي العامري تولي منصب وزير الداخلية في الحكومة الحالية الا انه لم ينجح في مساعيه. واما عصائب أهل الحق فقد ترعرت ونمت خلال ولاية المالكي الثانية, وهو الذي موّلها عسكريا وماديا ولا يخفي زعيمها الشيخ قيس الخزعلي دعمه للمالكي, اذ انضمت كتلة صادقون التي تمثل العصائب في البرلمان الى ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي, وأما بدر فهي عضو في الإئتلاف منذ العام 2010.
لقد ووجهت تلك المحاولات بمعارضة شديدة من باقي فصائل الحشد التي ترفض تسييسها والحاقها بفصيل سياسي محدد. فالحشد مؤلف من عدة قوى كما اسلفنا, وان محاولة الحاق الحشد بالمالكي تعني تفككه وتفتيته, وهو أمر لن يسرّ سوى أعداء العراق من أرهابيين ومن قوى اقليمية معادية للعراق. هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فإن قوى الحشد الشعبي تأسست كقوات عسكرية تدافع عن العراق وضمن المنظومة الأمنية والعسكريةالعراقية, ولذا فهي تخضع ووفقا للدستور للقائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي.
ولذا فإن تعيين بعض الفصائل قائدا للحشد لها مخالف للدستور وانقلاب على الهدف الذي تشكل من أجله الحشد, الا وهو الدفاع عن العراق وليس الدخول في معترك السياسة وتحويل الحشد الشعبي الى فصيل سياسي. كما وأن القوى العسكرية في جميع دول العالم الديمقراطية , هي قوى محايدة لا دخل لها في السياسة ولاتتبع حزبا معينا او تيارا سياسيا, ومهمتها الدفاع عن الوطن وحماية المواطنين. ولاشك بأن أعضاء منظمة بدر وقادتها يتذكرون الفتوى التي صدرت في ايران ايام المعارضة والتي تمنع الإنتماء السياسي للقوات الأمنية , حيث تم منع الجريدة السياسية من دخول معسكرات بدر في ايران حينها.
إن الوضع الحساس الذي يمر به العراق اليوم يستدعي تضافر الجهود وترك الخلافات السياسية جانبا والكف عن محاولة تجيير الحشد الشعبي وانجازاته لصالح طرف سياسي معين, في الوقت الذي يضم الحشد مختلف الفصائل التي لبّت نداء المرجعية الدينية ولم تلبي نداء السياسيين. فالعراق لن يتحرر من دنس الإرهابيين الا عبر تكاتف جهود حميع القوات العسكرية والأمنية العراقية وخضوعها للقائد العام للقوات المسلحة.
وأما محاولات تسييس الحشد الشعبي فهي جريمة بحق العراق وخدمة لقوى الإرهاب لإن مثل هذه المحاولات ستؤدي الى ادخاله في اتون صراع سياسي سينتهي بتفتيته او لاسمح الله باقتتال بين فصائله. فعلى السياسيين الذين يتحملون مسؤولية احتلال العراق لضعفهم وفشلهم
https://telegram.me/buratha