اعترف رئيس الوزراء السابق ونائب رئيس الجمهورية الحالي نوري المالكي بفشله في ادارة شؤون البلاد, وذلك للمرّة الأولى بعد أن استفرد بحكم العراق طوال ثمان سنوات عجاف. شهد العراق خلالها تردّيا وعلى مختلف الصعد من امنية وخدمية واعمارية واجتماعية واقتصادية.
فيما توّج سنوات حكمه بتمسكه بمنصبه ورفضه التخلي عنه لسلفه الدكتور حيدر العبادي, حتى أجبر على ذلك من قبل المرجعية الدينية والقوى الوطنية العراقية. لكن سلفه ورث تركة ثقيلة, ابرز معالمها خزينة خاوية وعراق ممزق يقع ثلثه تحت احتلال تنظيم داعش الإرهابي, وخلافات سياسية شديدة تعصف بين مكوناته الإساسية, وفساد أطبق الآفاق.
لقد فاجأ هذا الإعتراف العديد من المراقبين, وخاصة انه جاء بعد ان أدلى المالكي قبل ايام بتصريحات نشرتها صحيفة الشرق الأوسط , لم يخف فيها احلامه في العودة الى رئاسة الوزراء فيما لو انتخبه الشعب في انتخابات عام 2018 على حد زعمه.
الا أنه وعبر المقابلة التلفزيونية مع قناة آفاق التي يملكها حزب الدعوة الذي يتزعمه, أطلق رصاصة الرحمة على طموحاته واحلامه, فهل هي صحوة ضمير واعتراف بالخطأ كما فسّره البعض؟ أم انه تعبير عن حالة من اليأس إعترت المالكي؟
لايمكن وصف هذا الإعتراف بالفشل بصحوة ضمير, أو أنه فضيلة, لأن المالكي رفض طوال سنوات حكمه الثمان ان يعترف بفشل واحد له ولو على صعيد الخدمات, بل كان دوما يبرر فشله بتحميل الإرهاب والقوى السياسية الأخرى مسؤولية ذلك , بالرغم من ان دورها كان هامشيا بعد ان هيمن المالكي على مؤسسات الدولة وأشرف ائتلافه على قرابة العشرين وزارة ومنصبا سياديا. فضلا عن هيمنته على الهيئات المستقلة, وتسخيره للسلطة القضائية لضرب خصومه السياسيين ومنتقديه.
ويكفي المالكي دليلا على فشله هو قيادته للقوات المسلحة واشرافه على وزارتي الداخلية والدفاع وجهاز المخابرات , وكانت النتيجة سقوط أربع محافظات عراقية بيد حفنة من الإرهابيين الضالّين. لكنه لم يعترف يوما بفشله, بل ظل متمسكا بمنصبه وحتى الإطاحة به بذلك الشكل المذل والمهين. فتمسكه بالمنصب وحتى الرمق الأخير يدل على عدم قناعته بأنه فاشل. ولذا فإن اعترافه بالفشل ليس فضيلة ولا صحوة ضمير.
بل إنه نتاج يأس أصابه بعد النجاحات التي حققها الدكتور حيدر العبادي وخاصة بعد تحرير مدينة تكريت. فلقد أيقن المالكي بان لا مستقبل له في عراق اليوم وبان عجلة التاريخ لا يمكن ايقافها, فالمالكي أصبح رمزا للهزيمة والفساد وأما العبادي فهو رمز للنصر والنزاهة اليوم.
الا ان المالكي آثر ان يشرك جميع الطبقة السياسية في فشله. وفي ذلك تجن وخلط للأوراق. إذ ليس جميع الطبقة السياسية فاشلة. وكيف يمكن الحكم بالفشل على العديد من السياسيين والقوى السياسية التي همّشها المالكي طوال سنوات حكمه؟
ولنأخذ المجلس الأعلى على سبيل المثال الذي لم يكن له أي تمثيل في وزارات الدولة طوال سنوات ولاية المالكي الثانية. وحتى بالنسبة للقوى السياسية الأخرى التي شاركت معه في الحكم فقد همّشها المالكي وتصرف بدكتاتورية مقيتة بعد ان سيطر على اهم المناصب السيادية في البلاد فكيف يمكن الحكم عليها بالفشل؟ لقد كان المالكي اللاعب الأكبرطوال سنوات حكمه, ولذا فإنه الفاشل الأكبر من بين كل السياسيين.
ولقد ثبت فشل المالكي بالدليل القاطع الا وهو اعترافه والإعتراف سيد الأدلة, الا ان الآخرين لم يثبت فشلهم لا باعترافهم ولا بأخذهم فرصتهم في الحكم ليتم الحكم عليهم بالفشل, ولذا فإن اتهام المالكي لهم بالفشل هو تجنًّي ومحاولة لإغراق الجميع معه في سفينته المتهالكة.
وأخيرا فإن من يعترف في الفشل فعليه ان يحترم نفسه وشعبه وجمهوره وذلك بان ينسحب من الحياة السياسية. وإلا فكيف يرتضي لنفسه وهو السياسي الفاشل ان يرهق ميزانية الدولة بمخصصات خرافية وبقصر رئاسي وحماية هي الأكبر في العراق؟ فإن كان المالكي صادقا في اعترافه ولديه القليل من المصداقية , فليبادر الى تقديم استقالته وترشيح شخص آخر مناسب بديلا عنه ومن الطبقة السياسية الجديدة التي أشار لها في حديثه.
ولكن هيهات هيهات فهذا المغمور الذي جاءت به الأقدار ليحكم بلاد الرافدين, لن يتخلى عن أحلامه وأوهامه بالعودة لسدة الحكم, ولا سبيل لقطع دابره الا عبر تقديمه لمحكمة الشعب لينال جزاء أفعاله.
https://telegram.me/buratha