تمر المملكة العربية السعودية اليوم, في واحدة من أسوأ الفترات ومنذ تأسيسها, على صعيد علاقاتها مع محيطها الإقليمي. فعلاقات المملكة متدهورة مع معظم دول المنطقة وخاصة جيرانها, حتى باتت تعاني من عزلة اقليمية اليوم ستكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل نظام الحكم فيها.
فعلاقاتها متوترة وليست على مايرام مع معظم دول الخليج العربية, وعلى خلفية ملفات شتى, منها حدودية ومنها تدخلها في شؤون بعض تلك الدول الداخلية, ومنها مخالفة تلك الدول لسياساتها الإقليمية والدولية. وخير مثال على ذلك علاقاتها المتوترة مع قطر ودعمها للجماعات السلفية في الكويت وخلافها مع عمان بل وحتى مع دولة الإمارات العربية المتحدة.
الا ان علاقاتها توثقت بصورة كبيرة مؤخرا مع كل من البحرين والإمارات اللتان لا تعتبران حليفتان للسعودية, بقدر ماهما محميتان سعودتيان. فسلطات البحرين استنجدت بالجيش السعودي عام 2011 ,الذي احتل البلاد في مارس منذ ذلك العام ولازالت قواته متواجدة فيها. هذا الإحتلال اطاح بسيادة البحرين وحولها الى محمية سعودية وتبع لآل سعود.
واما الإمارات وهي التي كانت تحظى بمكانة اقليمية كبيرة, فإنها وللأسف خسرت تلك المكانة بعد أن دخلت في تحالف مع السعودية لإسقاط حكم الإخوان في مصر معتبرة اياهم خطرا كبيرا عليها, وهكذا تحولت الأمارات الى صدى للسياسات السعودية وخاضع لها.
وأما من ناحية الشمال, فعلاقاتها متوترة مع العراق ومنذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003. حيث ناصبت السعودية العملية السياسية الجارية في العراق العداء, وسعت وبكل ما اوتيت من قوة لإسقاطها وارجاع عقارب الساعة الى الوزراء في بلاد ما بين النهرين.
لقد كلف الدعم السعودي للجماعات الإرهابية واذكائها لنار الفتنة الطائفية في العراق , كلف العراق ثمنا باهضا على صعيد الأرواح والبنى التحتية والأمن والإستقرار, وخلف أحقادا لن تمحى من نفوس العراقيون حيال الدور السلبي السعودي. واما تدخلها في سوريا واذكائها لنار الحرب الأهلية هناك عبر دعمها للجماعات المسلحة, فهو الآخر كلفها كثيرا على صعيد علاقاتها مع سوريا والأمر ينطبق على لبنان. واما على صعيد فلسطين فلايخفى العداء السعودي لحركة حماس والإستياء الفلسطيني من السياسات السعودية.
واما العلاقة مع الأردن فهي الأخرى ليست بجيدة ولأسباب تاريخية, وان كانت المشاكل بين الطرفين لم تطفو على السطح, فلايمكن القول ان الأردن حليف للسعودية. واما العلاقة مع السودان فمتوترة على خلفية دعمها للإنفصاليين في جنوب السودان ولمعارضتها لحكومة البشير. وأما في الجنوب فجاء التقدم الحوثي ليعمق جراحات السعودية وليشدد من عزلتها الإقليمية.
واما على الجهة الغربية وخاصة مصر , فبالرغم من الدعم السعودي للسيسي والذي مكنه من الإطاحة بحكم الأخوان, فإن مصر لا يمكن ان تشكل حليفا للسعودية. فمصر اكبر من أن تنساق لسياسات آل سعود الذين تنظر لهم مصر, ككيس من المال ,كما كشفت عن ذلك التسجيلات المسربة لبعض تصريحات السيسي. وهكذا فإن مصر حليف لا يمكن الوثوق به.
وهكذا يبدو المشهد الإقليمي حصار خانق للنظام السعودي الذي يفتقد لوجود حليف استراتيجي يمكنه الوثوق به والإعتماد عليه بعد أن استعدى معظم حكومات وشعوب المنطقة. ولم يبقى له من حليف يمكنه الوثوق به سوى اسرائيل, التي وصلت علاقاتها به الى عصرها الذهبي في عهد الملك الراحل عبدالله, حيث شاطر اسرائيل عدائها لأيران ولحزب الله ولحماس.
هذه العزلة المدمرة يشعر فيها آل سعود وخاصة طاقم الحكم الجديد الذي تولى المقاليد خلفا للملك الراحل, والذي يسعى اليوم الى البحث عن حلفاء أو انصاف حلفاء في المنطقة. وهو ما يفسر توجه السعودية صوب تركيا باعتبارها الحل الأمثل لكسر طوق العزلة الإقليمية والعثور على حلفاء أو انصاف حلفاء.
الا ان هذه المساعي تصدم بعقبات كبيرة واولها انها ستكون على حساب العلاقة مع مصر. فتركيا تعتبر اكبر داعم لحكم الأخوان في المصر , وهي ايضا من أكثر منتقدي النظام الجديد هناك, ولذا فإن علاقاتها بمصر متوترة ومن الصعب دخولهما في تحالف مع السعودية. كما وان التحالفات الثنائية ستكون على حساب احدهما الأخر.
الا ان السعودية يبدو انها تتجه نحو اعادة العلاقات مع تركيا واحياء حلفهما الذي توثقت عراه في سوريا قبل ان تنفصم في مصر. فالدور التركي اهم في المنطقة من الدور المصر, نظرا لإنخراطها في النزاعات الدائرة في المنطقة وخاصة في العراق وسوريا. ومن ناحية اخرى فإن تركيا اكثر استقرارا من مصر ووضعها الإقتصادي متين, ولذا فهي لا تشكل عبئا على السعودية, على العكس مما هي عليه مصر.
و السعودية لم تعد بحاجة ماسة الى مصر بعد ان نجحت في اجهاض ثورتها واسقاط حكم الأخوان, ولذا فإن حكم السيسي لا يشكل خطرا عليها وسيتم ارضاؤه عبر المعونات الإقتصادية بين الفينة والأخرى. وهكذا يبدو ان السعودية عقدت العزم على التحالف مع تركيا لمواجهة ايران, ومع علم اردوغان بالحرج السعودي والحاجة اليه فهل سيلقي اردوغان طوق النجاة لآل سعود وبلا مقابل؟ ام أن الثمن سيكون منافع اقتصادية واسعة وفي طليعتها شراء النفط باسعار تشجيعية وتبادل تجاري؟ لا شك ان اردوغان لن يتخلى عن تلك الإمتيازات ولكنه سيسعى الى تخفيف الضغط على الأخوان في المنطقة مع ابقائهم تحت السيطرة, ولعل في توجهات الملك السعودي الجديد خير عون له على تحقيق ذلك!
الا أن تركيا لن تفلح في فك عزلة السعودية الإقليمية, فقد استعدت معظم شعوب المنطقة, وتسببت بوقوع حروب وكوارث سيصعب محو آثارها, واتبعت سياسات اقتصادية مدمرة للمنطقة عبر تخفيضها لأسعار النفط. ولذا فإنه يصعب استعادة السعودية لموقعها في المنطقة, فهي بحاجة الى اصلاح ما أفسدته, عبر وقف تدخلها في شؤون دول المنطقة وفي طليعتها البحرين واليمن والعراق وسوريا ولبنان, وبغير ذلك فإن تركيا أو غيرها من الدول لن تتمكن من إعادة تأهيل النظام السعودي ولن تنجح في اعطائه مقبولية بين شعوب المنطقة.
https://telegram.me/buratha