( بقلم : د. فراس الدجيلي )
في خضم تلاطم أمواج بحر الظلم والعبودية لغير الله وفي غمرة النشوة العارمة بالسلطة ولذاتها يصبح الإنسان وحقوقه والقيم وضرورتها ابعد ما يكون عن الإدراك والشعور لذلك ينتج في مثل هذه الظروف أفظع الماسي وأقسى المعاناة...ومن تلك الحقب والظروف تخرج لنا سيدة ثكلت بوليدها الرضيع وبدموع حسرتها التي تحرق الوجدان الحي تتوسل بكل من يقدر ان يوصل له رسالة ... رسالة إلى وليدها الذي لم تره طرفة عين لان هؤلاء الملتذين بالسلطة أخذوه منها ولم يسمحوا لها حتى بالبكاء لفقده...
فها هي تقول له "ولدي..حبيبي...يا لوعة عمري...يا حرقة فؤادي التي لم ولن تنطفئ..ولدي سامحني ..اغفر لي خطيئتي التي لم ارتكب...اغفر لي لأني قتلتك ولم أهبك الحياة كما وهبتها لإخوانك ..تلك التي تمنيت إن تكون مديدة مملؤة بالأمل ..سامحني لأني كنت السوط الذي جلدوك به..فهم حكموا عليك بالاعدام شنقا...ويالشقائي وبؤسي كنت انا الحبل الذي لف حول رقبتك الناعمة ليسلبك اول نسمة هواء تشمها من هذه الدنيا بعد ان حملتك تسعة اشهر حلمت خلالها وتمنيت ان تكون قرة العين التي تمشي وتلعب ،تبكي وتضحك مع اخوتك الصغار غير اني لم يدر في ذهني ان الاشرار سيأتون في منتصف الليل ليسرقو منا الحرية ويودعوننا السجن مرحلين من زنزانة الى اخرى يسوموننا سوء العذاب والعقاب ... نجوع ونعرى ... نخاف ونبرد... نمرض فلا طبييب ونشكي فلا من مجيب وكل ذلك بعين الله ..حملتك باصعب محمل وكنت اتلقى الضربات والسقطات ولا يهمني من ذلك الا كيف اجنبك الاذى والالم وحين اردت الخروج الى هذه الدنيا البائسة القاسية كنت استعجل الام الطلق لكي ارى وجهك البرئ ليخفف عني هذه المحن وانتشي بشعور الام التي ترضع وليدها وتلاعبه وماكنت ادري اني سابتلى بحرملة زماننا الذي يحرمني من ضمك ومناغاتك ويذبحك بسهم كان يجب ان يكون ارأف الموجودات عليك.. نعم كنت انا السهم..
فيا ليت موتي حينئذ يمنحك الحياة لكن ما الحيلة اذا كانت حياتي هي حياتك وموتي هو موتك فما اصعب تلك اللحظات وانا ارى رأسك الصغير يخرج ليطل على هذا الوجود فلا يجد احدا يرحب به ويساعده على الخروج ليبقى جسدك في احشائي وعينيك ترى وحشية الظالم وهو يرفض ان تقوم النساء التي برفقتي بواجبهن في توليدي فقد حكم عليك بالاعدام شنقا لتبقى الحسرة واللوعة تعيش معي مادمت في هذه الدنيا التي تمنيت ان تفارقها روحي مع روحك الطاهرة لتشكي الى بارئها ظلم الظلمة الذين لم يكتفون بذلك امعانا في القسوة والجبروت فاخذوك مني قبل ان ارى وجهك الذي حلمت به تسعة اشهر ... فهل ستسامحني وتعذرني يا من سابقى اذكره واشتاق له الى ان يأتي يوم اللقاء عند مليك مقتدر ان شاء الله.
د.فراس الدجيلي
https://telegram.me/buratha