تحول ملف اجتثاث البعث خلال السنوات الماضية من ملف قضائي بحت الى ملف سياسي أفقد القانون محتواه, وفتح الباب على مصراعيه لعودة البعثيين للحكم, و بتولي أعوان النظام السابق للعديد من المناصب في الدولة العراقية, وخاصة في المؤسسة العسكرية والأمنية.
فلقد أفرغت الحكومات السابقة القانون من محتواه, وحولته الى وسيلة للتجاذب السياسي ولأبتزاز الخصوم تارة, وتارة الى سلاح لكسب الأعوان وتعزيز السلطة . وقد ظهر ذلك جليا خلال السنوات الثمانية المنصرمة, التي شهدت تجميدا للقانون أدى الى عودة البعثيين زرافاتا ووحدانا الى مؤسسات الدولة.
كانت باكورة ذلك الغاء إجتثاث صالح المطلك وإعادته من الأردن الى العراق ليتولى نيابة رئاسة الوزراء خلال الحكومة السابقة, بعد ان منعته هيئة اجتثاث البعث من المشاركة في انتخابات عام 2010. وقد تحول بعد عودته الى بوق لرئيس الوزراء وحليف استراتيجي له لضرب خصومه السياسيين وإن كانوا أعضاء في التحالف الوطني, كما فعل عند تهجمه على القيادي في المجلس الأعلى بيان جبر وبالتزامن مع الإنتخابات النيابية الأخيرة.
فيما كانت قضية الغاء الأحكام الصادرة بحق مشعان الجبوري والغاء اجتثاثه والسماح له بالترشح الى انتخابات مجلس النواب, دليلا آخر على تسيسس هذا الملف والتعامل مع مصاديقه بروح انتقائية وخدمة لأهداف سياسية.
واما على صعيد تعزيز النفوذ في المؤسسة العسكرية فقد جرى تقريب العديد من البعثيين السابقين المتهمين بقمع الإنتفاضة الشعبية, وتوليتهم لمناصب قيادية في المؤسسة العسكرية, وفي طليعتهم عبود قنبر والغراوي وغيدان والفتلاوي وغيرهم من الذين فشلوا في اعداد جيش عراقي قادر على الوقوف بوجه بضع مئات من الإرهابيين, حتى سقط ثلث العراق بيد تنظيم داعش تحت إمرتهم.
إن تجربة السنوات الثمان الماضية أثبتت وبما لا يدع مجالا للشك ان تسييس ملف إجتثاث جر الويلات على العراق وعلى العملية السياسية وقد آن الأوان لوضع هذا الملف في مكانه الطبيعي ألا وهو القضاء , فهو ملف قضائي بحت لا يخضع الى التجاذبات السياسية.
الا ان هذا يستدعي إجراء تغييرات في السلطة القضائية التي أصبحت محل شك من قبل العديد من القوى السياسية, بعد ان تحولت الى اداة بيد السلطة التنفيذية طوال السنوات الماضية وبشكل وجه ضربة لسمعة القضاء العراقي المعروف باستقلاليته ومهنيته.
ولذا فإن أي اقرار لقانون المسائلة والعدالة بصيغته الجديده والقضائية البحتة, يستدعي تعيين رئيس جديد للسلطة القضائية وأعضاء جدد لمجلس القضاء الأعلى.
https://telegram.me/buratha