يدور صراع حاليا بين كل من الإئتلاف الوطني العراق وبقايا إئتلاف دولة القانون, حول هوية المرشح لرئاسة التحالف الوطني العراقي, كبرى التحالفات السياسية الذي شكل الحكومة العراقية الجديدة بعد الإنتخابات البرلمانية الأخيرة. فمع تولي الرئيس السابق للتحالف الدكتور ابراهيم الجعفري لأدارة وزراة الخارجية, طرح المجلس الأعلى الإسلامي اسم زعيمه السيد عمار الحكيم لقيادة التحالف, وسط معارضة من قبل بقايا إئتلاف دولة القانون, الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق ونائب رئيس الجمهورية الحالي نوري المالكي.
وتسوق بقايا إئتلاف دولة القانون جملة من الأسباب لتبرير أحقيتها برئاسة التحالف, ولرفضها للسيد الحكيم. وأول تلك المبررات هي عدم عضوية السيد الحكيم في البرلمان فكيف يمكنه ان يرأس التحالف؟ وفي الواقع فإن هذا التبرير واهٍ ولأسباب عدة, ومنها عدم وجود نظام داخلي للتحالف ينص على ضرورة ذلك, ولقد جرت العادة خلال السنوات الماضية من عمر هذا التحالف على ضمه لشخصيات ليست عضو في البرلمان, إلا أنها لعبت دورا قياديا و أساسيا فيه, وفي طليعة تلك الشخصيات القيادي في حزب الدعوة الشيخ عبدالحليم الزهيري الذي لم يكن عضوا في البرلمان.
وأما إن كان الهدف من وضع هذا الشرط هو لتبيان تمتع المرشح بالمقبولية الشعبية, فإن عدم ترشح شخص للبرلمان لا يعني عدم مقبوليته وضعف رصيده الشعبي, ولو اراد السيد الحكيم الترشح للبرلمان لكان في طليعة الشخصيات التي تحظى بثقة الناخبين, والأمر ينطبق الى حد ما على الشيخ الزهيري. ولذا فإن هذا الإدعاء يفتقد للمصداقية.
وأما السبب الآخر لرفض دولة القانون والقائم على أن المجلس الإسلامي الأعلى قد استنفد نقاطه فهو الآخر مردود ولأسباب عدة. أولها ان رئاسة التحالف ليست منصبا سياديا او وزرايا في الدولة العراقية كي يتم احتسابه ضمن نقاط كل فصيل سياسي, بل هو شان داخلي لكل تحالف سياسي والأمر ينطبق على التحالف الكردستاني وتحالف القوى الوطنية. ولو افترضنا ان المنصب يخضع لحسابات النقاط المتعلقة بالمناصب, فإن حزب الدعوة حاز على رئاسة الوزراء وعلى نيابة رئاسة الجمهورية فكيف يحق له تولية علي الأديب مسؤولية قيادة التحالف؟
ولذا فإن جميع تبريرات بقايا إئتلاف دولة القانون واهية ومردودة, وان الدافع الأساسي لتمسك دولة القانون بالمنصب هو خوفها من المستقبل! إذ ان تولي أي شخص لرئاسة التحالف من خارج دولة القانون سواء من المجلس الأعلى او تيار الأحرار بل وحتى من تيار الأصلاح او مستقلون أو من حزب الدعوة جناح العبادي, سوف يضع مستقبل بقايا دولة القانون على المحك خاصة وهم يمرون بحالة شديدة من القلق خوفا من رفع الغطاء عنهم تمهيدا لتقديمهم للمحاكمة بتهم كثيرة من الفساد لتورطهم في هدر قرابة ألف مليار دولار طوال سنوات حكم المالكي الثمانية.
هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فإن التحالف الوطني باعتباره أكبر القوى السياسية في البلاد وهو الذي شكل حكومة إئتلافية مع القوى العراقية الأخرى, لابد لمن يتصدى لرئاسته من التمتع بمواصفات خاصة تمكنه من التعامل مع جميع القوى السياسية الأخرى, وقد أثبتت تجربة السنوات الماضية فشل التحالف في ذلك, نظرا لهيمنة طرف واحد عليه همش التحالف وأضعف دور رئيسه الذي فشل ليس على صعيد حل الخلافات مع الكتل الأخرى, بل وفشل في توحيد صفوفه حتى تحول الى تحالف شكلي لا قيمة له.
وأما اليوم ومع وجود رغبة حقيقية لمعظم قوى التحالف لتحويله الى مؤسسة فاعلة تضبط ايقاع رئيس الوزراء وأعضاء التحالف في الحكومة ومؤسسات الدولة كما هو عليه الحال في جميع دول العالم الديمقراطية, فلابد من تولي شخصية تتمتع بالحد الأدنى من الحيادية والحرص والشعور بالمسؤولية وكذلك في القدرة على التواصل مع القوى السياسية الأخرى خارج التحالف. ولاتبدو اليوم هناك شخصية تتمتع بمثل هذه المواصفات سوى السيد عمار الحكيم الذي اثبت طوال السنوات الماضية حكمته وشعوره العالي بالمسؤولية وعدم هرولته نحو المناصب كما يفعل الآخرون وهو الذي لم يكن لللمجلس الأعلى الذي يرأسه أي تمثيل في الحكومة السابقة, وخاصة بعد استقالة نائب رئيس الجمهورية السابق الدكتور عادل عبدالمهدي.
ولذا فإن الحاجة تبدو ملحة اليوم لتولي السيد الحكيم قيادة التحالف الوطني فهو يمتلك القدرة على إحداث نقلة نوعية في مسيرة العملية السياسية في العراق, وفي إصلاح بعض مما أفسده السابقون وفي إعادة بعض من المصداقية والإعتبار للقوى السياسية الشيعية التي قدمت نموذجا سيئا في الحكم لأتباع مدرسة طالما دافعت عن قيم العدل والإصلاح.
https://telegram.me/buratha