الى الغائب عنا أشهراً وسنين الى من تجمعنا به قرابة وحنين الى اخي العزيز
في ليلة كهذه الليلة ، ليلة ولادة ساقي عطاشى كربلاء وكافل الضعينة العباس عليه السلام ، اكتب لك يا اخي في يوم اعدته يوماً للاخوة فمن غير أبا الفضل ارتقى بكلمة الاخوة الى حيث ثريا الاخلاص والوفاء والنبل والشهامة حتى نجعل يوماً اخر يتشرف بان يكون يوماً للاخوة . ها هي الاعياد المحمدية تطرق ابواب قلوبنا الحزينة لتطبع الفرحة وتخفف عنا مرارة الايام ، لكني لا اخفي عليك يا أخي ان هذه الفرحة لم تستطع اختراق حصن الحزن الذي يكبر بداخلي ليترجم الفرحة والحزن دموعاً على حد سواء !!
تفاجئت صديقة زارتني صباحاً وهي تسمع قصيدة حزينة في يوم فرح كهذا ولامتني بشدة فاخبرتها باني سمعت مواليد لبرهة ثم انتقلت الى القصائد الحزينة !! اخي العزيز اعلم جيداً انك لو كنت هنا لسألتني مثلها لماذا؟!! لانها ليلة ولادة العباس ع يا اخي لانها ليلة الاخوة لانها ليلة تذكرني بكلمة حـًرمت منها من قول اخي بكل احساسها .
عشر سنوات مضت على خروجك من العراق بعد ان ضاقت عليك الدنيا ، عشر سنوات لم ارى لك صورة ولم اسمع لك صوتاً ، عشر سنوات كنت لا اصدق ان تتبع السنة الاخرى لتتم العشرة ! . ها انت تزورنا بعد هذه الفترة بعد ان ردتك الغربة الى حيث الاهل والمقدسات ها هي اللحظات تعلن قدومك الينا لحظات طوال مرت ارتقبت بها رؤيتك واولادك الذين لم نراهم وقد اقسمت اني لن اراهم في الصور التي تبعثها حتى اراهم بأم عيني فليس لي قلب يتحمل صور لا تتحرك دون احتضانهم !! . مر شهر على تلك الزيارة التي ارتسم عليها القلق والتكتم حرصاً عليكم دخلت الدار مقلياً التحية ولتغرورق عيناك بالدموع وقد غطتها نظارة طبية فلقد نالت منك السنين بعض الشيء !! لم تدمع عيني كما البقية فلم ارد ان يشغلني الدمع عن رؤيتك واسرتك الصغيرة وعندما التفت الينا اختلطت بفاك الاسماء حين حاولت ربطها بالوجوه وعندما اصيب قلبي بسهم طيب ممن انتظرناه طويلاً ، جلست واطفالك ملتصقين بجانبك مستغربين اهلهم !! ليجاور السهم الاول سهماً ثاني اشد ايلاماً وعندها قلت اه انها عشر سنوات !! عشر سنوات ولتتم جملتك بسهم جارح عندما اخبرتنا انك لا تستطيع البقاء لاكثر من خمس ساعات!!!!!فسفرتك محدودة جداً لتضم زيارة كل الاقارب والمقدسات !!!.
اه يا اخي ننتظر عشر سنوات لنحصد خمس ساعات !! كان المطلوب منك ان تتكلم عن ما جرى لك منذ خروجك من العراق ولحين العودة وكان لنا ان نخبرك بما جرى وكيف مرت الايام وكانت حصتي من تلك الفترة نصف ساعة تكلمت فيها عن دراستي وامالي وطموحي ومشاريعي المستقبلية ومخاوفي واحاسيسي وكان علي القاء الكثير من الاسئلة لك والتي استشفيت منها نية مني في الرحيل والغربة ولتحذرني بشدة وحسبتها خطوة تحتاج الكثير من التفكير وبدات تخبرني كيف ان الغربة الم وجاذبية فمن الصعب على من اعتاد نمطاً من الحياة ان يتنازل عنها للرجوع الى بلد أمن فما بالكِ ببلد كالعراق !!
مضت الساعات الخمس وكنت اتمنى ان تتوقف كل ساعات الدنيا تلك اللحظة ، غادرت وانت تكمل كلامك معي ماشياً ولتنصحني بما أكسبتك الحياة من خبرة ولاتذكر الايام الماضية عندما كنت استشيرك بالكثير من اموري وما كان موضوع الغربة وطرحه الا لتشاركني التفكير بمسالة ما كما اعتدت دائما !!. ودعتك واهلي وكانت هذه المرة الاولى التي لم افعل ما اعتدت فعله في كل لحظة وداع بان اودع باسمة الثغر لانهال بالبكاء بعد غلق الباب والجلوس بعيداً عن الناظرين وكان السبب جملة قلتها اثناء حديثك فلقد قلت لي انك لن تتألم وتفكر كثيراً لانه لا جدوى من الالام ولابد لكل شخص ان يستمر في حياته ولايوهم نفسه بان الايام ستعود بل لابد ان ينتظر ايام جديدة باناس جدد وربما بامكنة أخر ويحتفظ بالذكريات ويملىء قلبه بالامنيات لكل عزيز بالتوفيق ونصحتني بذات الشيء .
لم اشعر بالراحة في وداع شخص كما احسست بها عندما ودعتك وزوجتك واولادك رغم تعلقي بهم في خمس ساعات فقط غير انني في هذه الليلة تحديداً قد الم بي حزن كبير تذكرت به كل غريب وكل اخ بعيد عن اخوته واهله كذا مكان كل غريب في داره وحزن اهله وهم يتأملون مكانه وحزني الاكبر انني لم اخبرك عن الغربة كما اخبرتني !! وربما ما كنت لتسمح لي بوصف ما تظن انني لم اشعر به يوماً او لربما خشية مني ان قلتها ان تخنقني عبرة ترتجف عندها الحروف بالدموع واتسبب لك بالالم واليك لحظات احسست بها بشيء ولك ان تقول هل هو غربة ام لا ؟
ان اعيش بزمن أمامي فيه غائب ومذهبي فيه مضطهد ، اليست هذه غربة ؟ان أفرح بنجاحي وسط كم المهنئيين ولست فيهم ، اليست هذه غربة ؟ان القي التحية كل يوم على من لا يخشى الله في عملي مجبرة ولا القيها عليك لسنوات ، اليست هذه غربة ؟ان ارقب جاري البعثي وداره تغص بالاخوة والاقارب يوم العيد دون منزلي ، اليست هذه غربة ؟ان اذهب لكربلاء واخرج من الصحن الشريف ولااجدك واقفاً عاقداً الحاجبين ناظراً للساعة ، اليست هذه غربة ؟ان اتامل اسمك ورقم هاتفك عندما يجرحني احد بكلمة واتمنى ان اتصل شاكية ولا استطيع ، اليست هذه غربة ؟ان احضر حفل زفافك الذي غبت انت عنه دون باقي المدعويين ، اليست هذه غربة ؟ان تطفىء فاطمة ابنتك شموع ميلادها الخمسة ولم نراها يوماً ولم نرى لها عيداً ، اليست هذه غربة ؟ان اصمت طويلا في زمن طاغية ولاتكلم الان باسم اخر ، اليست هذه غربة ؟
بعد كل هذا أتلومني لمجرد ان فكرة الرحيل تلوح في مخيلتي وانت تعرف انها محاولة لافهام بلدي باني مستاءة جدا ذلك الحبيب الذي لم يسعدني يوماً رغم انني قضيت عمراً ابحث له في كل صفحات الاعذار كي لا ينقص من حبه شيء غير انني احتاج من وقت لاخر ان الومه واغضب منه ومن ثم ارجع معتذرة نادمة على كل كلمة قاسية وجهتها له !! اليس من حقي ان اغضب واهدد بلدي باني سأذهب للابد !! وهو الذي دفن لي من اهلي من دفن بدون قبور ممكن ان ابكي عندها واجبر الباقي على الرحيل وليتفرقوا في كل القارات ولولا قباب ال محمد لما كنت استطعت الاستمرار في الحياة وها هي القباب تنسف وتهدد لينهار صرح الصبر في داخلي ولاهيم تائهة في ارض الحيرة والخوف .
غربتي كبيرة فلا تكن مطمئنناً من ان هذه الكلمة لا مكان لها في قاموس اختك ، سررت بتلك الساعات الخمس بعد غيبة العشر سنوات وسألت الله ان يصبرنا ان كان هذا الامر ابتلاء وسالته المغفرة لو كان هذا الامر عقاب لذنوب ارتكبناها . اعتذر لاني لم ارسل هذه الرسالة بخط يدي فلقد اختلطت الكلمات بالدموع لتذوب اغلب الحروف ولكني ساحتفظ بها لعقد من السنوات عسى ان تاتي خمس ساعات نراك فيها لتراها !!! اعتذر منك يا سيدي ومولاي العباس عليك سلام الله ، اعتذر لانني ذرفت الدموع في ليلة مولدك وربما سيكون العذر مقبولاً عندما تعلم ان من ذرفت عليهم تلك الدموع هم ذاتهم الذين كنت افرح عندما يقررون مغادرة البلاد ايام الطاغية ومن ثم أأتيك باكية لاشهد لك بأنك ما تركت الحوراء زينب عليها السلام الا بعد ان قطعت الكمفين واطفىء السهم الغادر عينك الشريفة ونزل العمود اللئيم على راسك الشريف وفاضت روحك الى بارئها مظلومة ذائدة عن حمى رسول الله صلى الله عليه واله ولا اعلم سر التأرجح بين ملامة من يرتضي الظلم والخضوع ويقبل بذل صدام دون محاولة المغادرة وبين ملامة من يغيب عن اهله وناسه والله المستعان على هذا الاحساس القاسي .
السلام عليك يا ابا عبدالله الحسين يوم مولدك وانت المودع لكل الاحبة الواحد بعد الاخر ولعمري يا سيدي كم اتفكر بهذه اللحظات فلحظات وداع لاهلينا وهم اصحاء تحفر في قلوبنا اخاديد من الحزن والالم فكيف بك يا سيدي وانت تراهم عطاشى مقطعين ارباً ارباً واه من لحظات وداع المخدرات كم كانت صعبة مولاي ، السلام عليك يا ابا الفضل العباس في ليلة مولدك سيدي وما هي الا ليلة الاخوة بأنبل اشكالها ، السلام عليك يا سيدي يا زين العابدين وانت الصابر على المرض والفراق والالم والصابر المحتسب لاكبر جريمة سجلها الطغاة على رمال كربلاء .
اللهم اثلج قلوبنا بظهور الامام الحجة عليه السلام ليملأ الارض عدلاً بعد ان ملئت ظلماً وجوراً
اختكم المهندسة بغداد
https://telegram.me/buratha
