( بقلم : الدكتور جمال العلي )
اصدر اجتماع دمشق الامني لدول الجوار العراقي عدة توصيات اكدت ضرورة استمرار الجهود الرامية الى وقف جميع انواع الدعم للجماعات الارهابية المسلحة الى جانب تفعيل وتطبيق الاتفاقات الامنية الثنائية والاتفاقات العربية بين العراق ودول الجوار وكذلك التاكيد علي الاسراع في تبادل المعلومات الامنية والاستخبارية في شأن المجموعات الارهابية والتنسيق بين الاجهزة الامنية العربية والعراقية . كما اكدت التوصيات على ان ضبط الحدود مسؤولية مشتركة بين العراق و دول الجوار وان مكافحة الارهاب ومنع المتسللين وتهريب الاسلحة وغيرها تتطلب جهدا جماعيا، لذا لابد من تفعيل التعاون الامني بين الجهات المعنية وكذلك اقامة خطوط ساخنة وضباط ارتباط ونقاط مشتركة بين الاجهزة المختصة في هذه الدول خاصة العربية منها .
وتضمنت التوصيات ايضا العمل على منع التحريض على العنف وتكفير الآخرين وضرورة عدم الانحياز الى فئة على حساب فئة اخرى وتشجيع الانخراط بالعملية السلمية واللجوء الى الوسائل السياسية ، مشيرة بذلك بصورة واضحة الى الفتاوى التكفيرية النفاقية التي يصدرها اشباه علماء الدين السعوديين بدعم من السلطات السعودية رغبة منها في ابقاء الوضع العراقي مضطربا وبالغ الخطورة و اذكاء العنف الدموي .
وقد حضر الاجتماع المذكور ممثلون عن الاجهزة السياسية والامنية لكافة دول الجوار العراقي باستثناء السعودية التي تقود العنف والتكفير وترعى الارهاب في العراق حسبما اعترفت به اجهزتها الامنية والاعلامية وبكل وقاحة واشارت اليه وسائل الاعلام الغربية وكذلك اجهزة الاستخبارات الغربية خاصة الاميركية منها بوقوف السلطات السعودية ومجلسها للامن القومي وراء كل مايدور من عنف وارهاب وقتل ودمار واراقة دماء في العراق ومساعيها لاشعال نار حرب طائفية أو قومية هناك تلك التي أخذ ذوو النفوس الضعيفة من أمثال المجرم "عدنان الدليمي" التحريض لها عبر تصريحاتهم الكاذبة الاخيرة .وقد جاءت تصريحات الرئيس الاميركي "بوش" الأخيرة التي حذر فيها رئيس الوزراء العراقي المنتخب السيد نوري المالكي من زيارته لايران دعما وسندا لغياب السعودية من الاجتماع المذكور وتبريرا له باعتبار أن الرياض هي الحليف الستراتيجي لواشنطن رغم انها قد عبرت اعلاميا عن استغرابها من التغيب السعودي عن الاجتماع الامني لدول جوار العراق، حيث جاء علي لسان "شون ماكورماك" المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية ، انه "من الغريب ان يغيب وفد السعودية عن مثل هذا الاجتماع"!!.
فلا يخفى على أحد بأن أهم عامل في الغياب هو موقف السعودية من الحكومة العراقية المنتخبة والشرعية والذي ينبع من منظور طائفي حاقد تكفيري وقد ظهر جليا عبر تصريحات المسوءولين السعوديين الذين لم يتوانوا عن كيل التهم الواهية ضد حكومة المالكي بانها "حكومة شيعية تعمل علي تهميش الطائفة السنية في العراق" وهو ما انعكس ايضا عبر رفض السعودية استقباله قبل فترة .وقد جاء الرفض السعودي لاستقبال المالكي بعد أن هدد الاخير باعادة النظر في علاقات بغداد مع الدول العربية التي تقف من وراء الارهاب والعنف في العراق وبعد ان وجه هو ومسؤولون عراقيون آخرون اصابع الاتهام وبوضوح الى السعودية والتي تعززت بعد ما نشرت صحيفه "نيويورك تايمز" الاميركية في تموز - يوليو الماضي ونقلا عن مسوءولين في الجيش الاميركي والمخابرات، تقريرا يشير الى ان "اكثر المقاتلين الاجانب الذين يدخلون العراق كل شهر ويتراوح عددهم ما بين 70و 80يأتون من السعودية وان الرياض لم تفعل ما فيه الكفاية لمنع تدفقهم"!.
حيث يعد هذا التقرير اعترافا صريحا من الحليف الاميركي للسعودية ، بان الاخيرة لا تقوم بدور بناء لاستتباب الوضع في العراق . بالاضافة الى التقارير الاخرى التي نشرتها وسائل الاعلام الغربية والاميركية وكشفت النقاب عن اصدار فتاوى نفاقية من قبل علماء سعوديين معروفين مثل "عبد الله بن عبد الرحمن آل جبرين" والتي تكفر الشيعة وتدعو لهدم مراقد الائمة وهو ما يتم اليوم في العراق حيث يتم تفجير المراقد وقتل الشيعة لا لذنب سوي انهم من اتباع اهل البيت ( ع ).
ويرى الكثير ممن يقف على مايدور في العراق ان غياب السعودية عن اجتماع دمشق الامني جاء كي لا تكون الرياض في مواجهة الاتهامات الدامغة والموثقة الموجهة لها بخصوص الملف العراقي ودورها الريادي في زعزعة استقرار العراق ودعم الارهاب التكفيري هناك . حيث ان الكثير من الذين يشاركون سواء في اعمال العنف في العراق او في لبنان ، هم من السعوديين الذين هم حصيلة سنوات طويلة من ثقافة غير مسؤولة تسببت في وجود هذا اللون من العنف.
اما الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى ايران والتي واجهت اصداء واسعة لدى الاوساط والمحافل السياسية الغربية ، خصوصا وانها اثارت حنق الرئيس الاميركي "جورج بوش" وعدد آخر من المسؤولين الاميركيين ، حيث وصفها المالكي بأنها كانت تاريخية وتكللت بالنجاح الكبير ورفض تحذيرات "بوش" وقال للصحفيين مساء الاحد في بغداد .. ان المعارضين للتقارب يحاولون عادة في مثل هذه الزيارات ممارسة التشويش والضغوطات التي ليس لها ادنى اثر على سياسة الحكومة العراقية المستقلة" .
ومن هنا اعطت واشنطن الضوء الاخضر لعملائها ممن ظهروا كقيادات سنية في العراق بعد الاطاحة بالنظام الدموي اولئك الذين كان لهم باع طويل في الحكم ابان العهد البائد من امثال "عدنان الدليمي" ذلك الذي لايرى العراق الاستقرار لطالما رأسه يهتز وكذلك "طارق الهاشمي" و"اياد علاوي" و"صالح المطلك" وظافر العاني" وغيرهم من خبائث الزمان وضحالته للتحرك على صعيد الداخل العراقي والتلويح باستخدام خيار المواجهة الساخنة والتهديد بحمل السلاح والاطاحة بالحكومة العراقية المنتخبة.وفي هذا الاطار كشفت مصادر اوروبية رفيعة ومطلعة عن وجود " مشروع عربي" يعد للعراق منذ امد غير بعيد تشكل "السعودية والاردن ومصر والامارات"اركانه وتدعمه بعض الانظمة العربية الاقليمية الاخرى بالاضافة الى الاحتلال الانكلو اميركي يهدف الى "تشكيل قوة عسكرية ضاربة للسنة" في بغداد والمحافظات الغربية للعراق في وقت قياسي يشكل النواة الاولى لجيش عراقي آخر يضم الفصائل البعثية والتكفيرية السنية التي تنشط حاليا في مجال العمليات الارهابية لمساعدة الفرقاء السياسيين السنة لضرب الحكومة العراقية المنتخبة واسقاطها .
لكن حنكة وفطنة رئيس الوزراء نوري المالكي حالت دون ذلك خاصة بعد ان دعى الى عقد قمة للقادة السياسيين في العراق لاتخاذ القرار المناسب وهدد بتشكيل حكومته بعيدا عن المحاصصة ، الامر الذي اربك المعادلات السياسية والمخططات السعودية – العربية – الاميركية الخبيثة للاطاحة بالحكومة العراقية المنتخبة والسعي لعودة النظام الدكتاتوري المجرم وازلامه الى السلطة في العراق مما دفع بالمجرمين ذوي النفوس الشيطانية والارهابية الضعيفة الى التهريج كذبا وزورا سعيا منهم الى كسب الدعم العربي والسعودي اكثر فاكثر للتمادي في ذبح الابرياء من ابناء العراق وهو ما فعلوه على مدى اكثر من أربعة أعوام من بعد السقوط وقبل ذلك ابان حكم الطاغية المعدوم وعلى مدى أربعة عقود تقريبا ضد شيعة العراق واكراده .
الدكتور جمال العلي
https://telegram.me/buratha