بقلم: حسن الهاشمي
أنفاس عمر المرء خطاه إلى أجله، فإذا كانت هذه المعادلة القهرية تحكمنا رغماً عنّا- شئنا أم أبينا- فيا حبذا أن يتجلبب الإنسان جلباب المفاهيم الجلية الواضحة التي تأخذ بأيدينا إلى سفن النجاة، خصوصاً إذا أذعنّا بأن الأجل هو البوابة المشرفة على حياة جديدة، لا يدركها إلاّ من اختمر قلبه بالإيمان، واختزل أساطين الشهوة والسطوة، وعبّأ أجندة طاقاته باتجاه الصحوة والعطوة، ولا يستطيع المرء كبح جماح أواره الملتهب إلاّ بعد أن يطوي صفحات عمره ويجتازها بكل ثقة وجدارة، لاسيما إذا استيقن أن صفحات عمره قد تنطوي في أية لحظة من لحظات حياته!ربما يشعر المرء بأن ثمة تواطئاً خفيّاً ضده، من غريمه أو زميله أو نظيره أو حتى نفسه التي هي بين جنبيه، ولكن الرغبة العارمة التي تنتابه بالانتقام من عوالم الضباب والأقبية المنسابة من تلك العوامل، هي الكفيلة بإشاعة ياسمين المحبة والإيمان، وبالتالي القفز بنجاح، والعبور من خلال الترع العكرة إلى مضان صفاء النفس، ليحيى بأجوائها كل نظير أو زميل أو غريم، قد يجد فيها ضالته المنشودة التي كان يبحث عنها.
ويمكن رؤية تلك المضان جلية واضحة في أصحاب الإمام الحسين عليه السلام ومن التحق في ركبه- إزاء المعطيات التي تمخضت عن حركته الثورية، نعم أن هذه الصفوة قد وجدت ضالتها في قناديل الإمام والعقيلة زينب المتوهجة في صحراء كربلاء وما بعدها في قافلة النور والهداية والرشاد. بينما أصرّ يزيد وأعوانه البقاء في تلك الترع العكرة العفنة، وبقيت قلوبهم منكوسة مظلمة لا يجد الضوء إليها مدخلاً وسبيلاً، بل أنها تبتعد عنه كابتعاد الخفاش، إذ أن ديدنه العمل في الظلام.
وليس الذي ينهل من الشمس ويعمل في النهار كمن يقبع في ظلمات نفسه ويرتكس في وحل الجريمة والآثام، فالذي يغتال وديعة الرسول وينتهك حرمه ويبيد أتباعه، لايلومنّ إلاّ نفسه إذا بشر بالخزي والندامة غداً أثناء جمع الناس ليوم القيامة، ذلك اليوم الفصل الذي كل امرئ فيه بما كسب رهين، وهو مرآة عاكسة لأنفاس عمر الإنسان في الدنيا.
هذا هو الخط البياني الفاصل بين من يعمل من أجل مصلحة الشعب ويحرص على تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص لجميع أبناءه، وبين من يحاول جاهدا أن يستحوذ على مقدرات الوطن خدمة لأقلية تستقوي بالأجنبي وتحوك المؤامرات للوصول إلى مآربها الخبيثة والدنيئة، فالقوى الوطنية تدافع عن جميع شرائح المجتمع بغض النظر عن انتماءه العرقي والطائفي والإثني، وتدين الإرهاب الأعمى الذي يضرب بأطنابه الإنسان العراقي والبنى التحتية للإقتصاد الوطني، في حين نرى أن جبهة التوافق السنية ومن يسير في فلكها تدافع عن الطائفة التي تنتمي إليها وتدعي زورا وبهتانا أنها قد همشت وهي بعيدة عن القرارات المصيرية التي تهم البلاد، والحال أنها قد حصلت على ثلث المناصب السيادية التي هي من حصة الإئتلاف العراقي الموحد حسب ما تمليه الإستحقاقات الإنتخابية المعمول بها في جميع الأنظمة الديمقراطية في العالم.
والمتابع لسير الأحداث وما تضعه التوافق من عصي لعرقلة المسيرة الديمقراطية في العراق يصل إلى نتيجة مفادها أن الأجندات التي تسير بموجبها هي اسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة نوري المالكي، وأن بعض جهات التوافق وكما أكد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان في لقاءه الأخير بفضائية الحرة - لايؤمنون بالشراكة وإنما يحاولون بأساليبهم الماكرة والملتوية والدنيئة أن يستحوذوا على الحكم ويعاملوا الشيعة والأكراد معاملة المواطنين من الدرجة الثانية والثالثة، وهذا ما لا يتحقق في العراق الديمقراطي الجديد أبدا، عليهم أن يراجعوا حساباتهم ويقبلوا بالمعادلة الجديدة ويوقفوا تآمرهم على الشعب والوطن وأن يبتعدوا عن سياسة الدسائس والمؤامرات الخارجية لتأجيج الإحتراب الطائفي، والتي فشلت جميع تلك المؤامرات وتحطمت على صخرة الصمود الجماهيري، ويقظة المرجعيات الدينية والوطنية المخلصة في رص الصفوف لتفويت الفرصة على أعداء الشعب والوطن من التكفيريين والبعثيين والإنتهازيين الذين يتصيدون بالماء العكر لتمرير ما يعتمل صدورهم من حقد وإحن على عراقنا الجريح النازف.
كل من يطالع بيان جبهة التوافق السنية الأخير والذي على أساسه انسحبت من الحكومة، يقف على حقيقة ما يسعون لتنفيذه فأنهم وبدلا من شجبهم واستنكارهم لعمليات القتل والإبادة التي يتعرض لها الشعب الصابر، فأن الكثير من نقاط البيان تدافع عن المجرمين الملطخة أياديهم حتى المرفق بدماء الأبرياء من نساء وأطفال العراق، وتطالب الحكومة باطلاق سراحهم واشراكهم في العملية السياسية!! فهم بذلك قد اصطفوا مع أعداء الشعب وكشفوا عن أنيابهم كيف أنهم ينتشون بإراقة دماء الأبرياء لإرجاع العراق إلى المربع الأول حيث النظام الشمولي الذي كانوا يحظون بظله كل الرعاية والإهتمام.
فهم يتخبطون ويهيمون في كل حدب وصوب لبلوغ مآربهم ويساعدهم في ذلك أنظمة ديكتاتورية شمولية طائفية كالسعودية والأردن ومصر والإمارات، غير عابئين بحكم التاريخ وتطلعات الشعب إزاء كل ما يصب في بناءه وتطوره وتخلصه من كافة أشكال الوصاية والعبودية، وهم بذلك يثبتون للعالم أنهم يلهثون وراء مصالحهم وأهوائهم ومنافعهم الفئوية الضيقة، ولسان حالهم أنا وقومي وبعدي الطوفان، فليعلم كل من يعتقد بالنظام الشمولي أن العاقبة لإرادة الجماهير وأنهم أقوى من الطغاة مهما تفرعنوا كما قال ذلك شهيدنا الصدر الأول فليعتبر أولي الألباب وأهل الحكمة والدراية والحجى، وليضعوا أيديهم بأيد المخلصين من أبناء الشعب العراقي ولا يكون ذلك إلا بالعمل وضح النهار بعيدا عن الدهاليز والأقبية الدامسة.
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)