( بقلم : اسعد راشد )
لعل من اكبر الاخطاء التي ارتكبها باتريوس بعد ان تم تنصيبه قائدا لقوات المتعددة الجنسيات في العراق هو اقدامه على تسليح الميليشيات السنية واغراق مناطقهم باالاسلحة والاعتدة التي لا يملكها حتى الجيش العراقي بحجة محاربة "القاعدة" وقد حاول باتريوس خلال قيادته اعطاء صورة ناجحة عن خطوته تلك وارسال تقارير الى الادارة الامريكية يتحدث فيها عن النجاحات التي حققها قراره بتسليح الميليشيات السنية والتي كانت في يوم من الايام تحارب الامريكان وتوقع الاصابات البليغة في صفوف قواتهم كما انها كانت ـ تلك الميليشيات ـ ومازالت تحارب الشيعة وترسل بمفخخاتها الى مناطقهم لقتل اكبر عدد منهم وتدمير كل شيئ قائم على الارض التي يتواجد فيها الشيعة من حجر وبشر ودواب ولم يضع باتريوس في حسابه انه عندما قرر تسليح الميليشيات بانه قد يتخلص مؤقتا من عدوا لا يرحم الا انه سوف يخلق لنفسه وللجيش الذي يقوده اعداء كثيرين ذو بأس شديد ولكن في اطار اللعبة التي ارادها باتريوس لنفسه ولقواته !
ولعل من اهم الانجازات والنجاحات التي سوف يفاخر بها باتريوس في تقريره في الشهر القادم للكونغرس الامريكي هو استطاعته احتواء" التمرد السني" وسوف يقدم مثلا على ذلك النجاح وهو ما احرز من تقدم في محافظة الانبار ويعطي شرحا وافيا حول اداء قواته في تلك المحافظة في تصفية القاعدة بمشاركة العشائر ومن خلال التسليح الامريكي لها وهو امر قد لا يختلف عليه الاثنان خاصة وان تلك العشائر لم تكن في اغلبها متورطة في الارهاب ولا في قتل المدنيين بينما التسليح الذي جرى في مناطق من بغداد وديالي للميليشيات السنية خلق واقعا جديدا يختلف عن ذلك الذي حدث في الانبار ذي الغالبية السنية المطلقة التي انتفضت ضد القاعدة والبعث معا فيما المناطق الاخرى الخليطة والمتوازنة لم يكن الامر كذلك لان الذين تم ويتم تسليحهم هناك قد مارسوا الاجرام والقتل والارهاب بحق المدنيين و ان ايديهم ملطخة بدماء العشرات الالاف من الابرياء فهم والقاعدة في ميزان واحد ولم يكن في تصور باتريوس ان قرار التسليح والنظر الى المناطق التي تم تسليحها بنظرة واحدة سوف ينقلب عليه و انه سوف يفاجأ بان هذا الانجاز لم يكن الا مصيدة وفخ قد يقع به ويطيح به وان الاطراف التي اوحت اليه الاقدام على هذا الامر كانت لديه اجندة اكبر من باتريوس واوسع حتى من اجندة البيت الابيض وان تلك الاطراف تهدف توريط الامريكيين اكثر في مستنقع العنف والعنف المضاد وتوفير قاعدة مشتركة لها مع الامريكيين في محاربة "الشيعة" ونسيان العدوا الحقيقي الذي يتمثل في القاعدة والوهابية خاصة وان الاخيرة ـ اي الوهابية ـ اثبتت الاحداث الكارثية انها الاخطر على البشرية جمعاء وان نظام ال سعود يعتمد عليها بالدرجة الاولى لتحقيق اجندته ونفوذه في العالم كما ان الوهابية تجد في ال سعود معين ومعيل لنشر الارهاب والفكر التكفيري المدمر ..
فاذا كانت ما تسمى "المقاومة السنية" قابلة للترويض والاحتواء عبر شراء قادتها بالمال واغراء اتباعها بالمناصب وبالتالي انهاءها بسيل من الوعود البراقة فان غلطة باتريوس الاستراتيجية والقاتلة تمثلت في انه تناسى المعادلة الاخرى اي "المقاومة الشيعية" ولم يضع في اعتباره ان تسليح اعداء "حلفاء الامس" سوف يخلق واقعا مختلفا كليا عن الاول يقود الى كارثة جديدة لوضع القوات الامريكية في العراق .
واذا كان باتريوس يجد في الوسط العشائري السني وفي جماعات الارهاب الميليشاوية السنية من يقف معه ويضم سلاحه مع السلاح الامريكي لمحاربة القاعدة او المسلحين من اي طرف كان واذا كان هذا القائد العسكري الامريكي قد نجح في جعل الميليشيات السنية والارهابية "كتائب" حرب يمكن تحريكها كقطعات حربية على مختلف الجبهات فان الامر بالنسبة للمقاومة الشيعة سوف يكون مختلفا وبعيد المنال وهو ما لم يضع السيد باتريوس في حسابه ولم يقرأ الواقع العراقي الجريح بشكل جيد بل قرأه من خلال تجاربه في مارواء البحار ومن خلال همس بعض امراء وملوك وشيوخ المنطقة !
ومن هنا فان الغلطة القاتلة التي ارتكبها باتريوس هي في اقدامه على تسليح الميليشيات الارهابية والمجرمة وعقد صفقات مع جماعات تعتبر في نظر اكبر شريحة شعبية في العراق بانها قاتلة ومجرمة وهو ما دفع ببعض المراقبين بالقول ان القوات الامريكية امام معادلة جدا صعبة بعد تسليح تلك الميليشيات الارهابية وان معظم العراقيين سوف يدخلون في "مقاومة" من نوع اخر ضد الامريكيين قد يخسرون اخر موطئ لهم في المنطقة وهي العراق وهذه المرة الامر يختلف وليس كسابق العهد ايام الاستعمار البريطاني حيث الشيعة اليوم قد وعوا ويعرفون من اين تؤكل الكتف وان هناك امور جديدة وكثيرة لم تكن في عهد الاحتلال البريطاني للعراق وان تهميش الشيعة ونهويله هو حديث الفاشلين . طبعا هناك من يتسائل هل فعلا بدأت المقاومة الشيعية وهل حقا هناك تحالف "سني امريكي" في مواجهة الشيعة ؟!
الجواب نعم هناك مقاومة شيعية ولكن في حدود اللعبة والشاطر يدرك ما هي اللعبة ! فليس الشيعة اغبياء ولا ان الامريكيين في هذا الخصوص غافلين او انهم يجهلون ما يجري حولهم ‘ الشيعة لم يكونوا ايام الاستعمار البريطاني في الحكم ولم تكن ايران بدولة الشيعة اما اليوم فان الشيعة في الحكم رغم كل الاخطاء ورغم التواطؤ الاقليمي ضدهم الا انهم يعرفون كيف يمسكون العصى من الوسط ولكن "هل هناك تحالف سني امريكي"؟ بالطبع ليس كما يتصور وليس كما يريد الاعلام الايحاء به فالامريكيون بدأو يصحون وان جاء متأخرا كما عبر عنه احد السياسيين وهو الاستاذ نزار حيدر الا انهم مازالوا امام شوط بعيد خاصة وان اللجنة الثلاثية الامنية "الامريكية الايرانية العراقية" هي التي سوف تحدد مستقبلا نوع التحالفات واهدافها ! وهذا هو السر وراء تصريح احد قيادات الجيش الامريكي في العراق بان "70%من عمليات الاستهداف للقوات الامريكية اليوم تنفذها الجماعات المسلحة الشيعية" !
بالطبع تلك الجماعات ليست في السلطة وان الشيعة الذين يحكمون سيطرتهم على الحكم في العراق قد لا تكون لهم صلة بتلك العمليات الا انها بلاشك سوف تمثل لهم ورقة رابحة في اي محاولة لاعادة البعث والطائفيين الى السلطة فهم اي الشيعة ليس كغيرهم في ان تكون لهم رجل في الارهاب ورجل في العملية السياسية فهم جميعا في العملية السياسية وجميعا ايضا في المقاومة اذا قررت لهم المرجعية بذلك !
اسعد راشد
https://telegram.me/buratha