( بقلم : حسين المياحي )
ثلاثون عاماً تمر على هزيمة حزيران عام 1967 ونحن نعيش النكسة تلو النكسة، والخيبة إثر الخيبة، فلم نعد ننشد قصيدة الشاعر المرحوم السيد مصطفى جمال الدين التي يقول في مطلعها:لَمْلِم جراحَك واعصِفْ أيها الثارُ ما بعد عار حزيران لنا عارُفما أكثر الهزائم والنكسات التي عصفت بالأمة بعد تلك الأيام المشؤومة، التي أسمتها العرب حرب الأيام الستة، وأسمتها إسرائيل: حرب الساعات الثلاث!.والسؤال المطروح: أننا كنا ولا زلنا نسمع عن أرقام هائلة في تسليح الدول العربية ومنها دول الخليج العربية، ولا تكاد تجد رقماً منها إلا وهو بالمليارات، ولم يستثن هذا التسليح صنفاً من الأسلحة الأمريكية أو البريطانية أو حتى الصينية منها أو الروسية. فأين ومتى استخدمت كل هذه الترسانة الهائلة من الأسلحة الخليجية، والسعودية منها على وجه التحديد؟ وهل دخلت هذه الدول يوماً معركة ضد الكيان الصهيوني ولو لساعة واحدة لرد الاعتبار وبعض ماء الوجه على الأقل؟ أو هل دافعت عن نفسها ـ على الأقل ـ بدل أن تستدعي الأساطيل وتبني القواعد الأجنبية في بلدانها، لتكون بلاءً مبرماً، وورماً سرطانياً جديداً يضاف إلى المرض المزمن في جسد الأمة؟ وإذا كان الجواب بالنفي فلماذا تدفع هذه الدول، وخصوصاً المملكة السعودية، كل هذه المليارات، في وقت تعيش بعض الشعوب العربية على فتات الخبز الذي يرمى إليها من هنا وهناك؟
ولكي لا أطيل على القارئ العزيز وأستنـزف وقته الثمين، أنقل إليه الجواب من أحد أعضاء ما يسمى بمجلس الشورى السعودي، وهو عبد الله آل زلفة، الذي اتصلت به قناة (الديمقراطية) وهي النصف الآخر من قناة المستقلة المعروفة، التي تمولها المملكة.
فقد أجاب آل زلفة بأن السعودية في خطر داهم، يحيط بها من جميع الجهات، فمن جهة (صعدة) في اليمن يتحرك الحوثيون بدعم من (الفرس) ويتحرك (البحرانيون) في البحرين بدعم من الفرس أيضاً! ومن لبنان يتحرك حزب الله بدعم من إيران، وهو يهدد السعودية بشكل كبير، ومن العراق يتحرك الموالون لإيران، ويسعون للسيطرة على العراق، كما تقوم إيران بدعم حركة حماس ذات التوجهات المتطرفة، وهناك أعداء كثيرون لنا. أضف إلى ذلك أن إيران لديها مليون جندي، وبرنامج تسليحي ضخم يهدد دول المنطقة، فضلاً عن برنامجها النووي المريب، وبناء على ذلك فالسعودية في خطر داهم، ولا بد أن تعد العدة للدفاع عن نفسها، والتحسب للاحتمالات المستقبلية، كالانسحاب المفاجئ للقوات الأمريكية من العراق مثلاً.
هذا مجمل ما أدلى به عضو مجلس الشورى السعودي (آل زلفة) لقناة (الديمقراطية) وهو نسخة طبق الأصل، وغير مطوَّرة، لما تردده الدوائر الصهيونية والأمريكية منذ عام 1979، اللهم إلا في استخدام بعض المفردات، كالفرس مثلاً، أو في إدخال الحوثيين والبحرانيين في المعادلة.
ومن هنا يظهر أن السعودية مهددة بأكثر من عدو، وكل هؤلاء الأعداء تقودهم جهة واحدة هي إيران، ولعل منهم: الغيلان والسعالي والجن و (الطناطلة وأم المساحي) والأشباح الليلية، وغير ذلك.ولا نريد أن نقف كثيراً عند ما قاله هذا الرجل، لأنه لا يعبر عن موقف شخصي، بقدر ما يعبر عن ستراتيجية عملت عليها الإدراة الأمريكية والصهيونية منذ زمن بعيد، وهي تحويل وجهة الصراع بين العرب وإسرائيل، وخلق (بعبع) إيراني يتفق الجميع على استعدائه، إلى الحد الذي تصبح فيه حماس وحزب الله خطراً على العرب ـ وعلى السعودية خصوصاً ـ بدلاً من إسرائيل. ويصبح البرنامج النووي الإيراني، الذي لم يصل لحد الآن إلى مرحلة التسلح النووي، خطراً على العرب بدلاً من مئات الرؤوس النووية الإسرائيلية. وتصبح إيران، التي تبعد آلاف الكيلو مترات عن مصر، خطراً على الأمن الوطني المصري (كما يقول أحمد أبو الغيط) بدلاً من إسرائيل التي تقع على حدودها. ويصبح اليهود ـ وهم الأعداء التقليديون للمسلمين، وأشد الناس عداوة للذين آمنوا على حد التعبير القرآني، والذين يفتكون كل يوم بأعراض ودماء العرب في لبنان وفلسطين، ويستحوذون على أقدس مقدساتهم، وعلى آلاف الكيلومترات من أراضيهم ـ إخوة أعزاء لا يجوز قتالهم، ولا التعرض لهم بسوء، ومن تجرأ من العرب على قتالهم، فلا يجوز الوقوف معه، ولا حتى الدعاء له لأنه (رافضي).
وهكذا يوجَّه الرأي العام العربي وجهة يدير فيها ظهره لإسرائيل، ويكشر عن أنيابه باتجاه (البوابة الشرقية للعرب) التي (ينوي) الفرس التعرض لها. فالعرب السعوديون يعدون العدة لدفع خطر متوقَّع قادم من إيران، ويستجدون السلام في أروقة البيت الأبيض وتل أبيب، ويطلقون المبادرات العربية للبحث عن السلام مع عدو أذاقهم ـ ولا زال يذيقهم ـ مر الهزيمة.
المملكة السعودية تخشى التوسع الإيراني الصفوي الشيعي، وقد قامت بدعم صدام بكل ما تستطيع، لتحمي نفسها ودول الخليج الأخرى، لكنها سرعان ما وجدت قوات الحرس الجمهوري بقيادة (حارس البوابة الشرقية) على حدود الخافجي وحفر الباطن بعد أن ابتلعت دولة الكويت. أين الخلل إذن؟ ولماذا هذا (التهويل) للخطر الإيراني، (والتهوين) للخطر الصهيوني؟ بل ما عاد أحد من هؤلاء يتحدث عن شيء اسمه الخطر الصهيوني.الخلل اليوم يكمن في نقاط ثلاث: 1 ـ التوجه القومي العربي (وخصوصاً على النمط البعثي الصدامي) الذي يعيش اليوم أسوأ حال في تاريخه، فالمعركة القومية أصبحت من تراث الماضي، والشارع القومي تشظّى إلى أحزاب وجماعات، والدول القومية تخلت حتى عن العروبة، ورفع بعض قادتها على صدورهم خارطة أفريقيا، كما فعل القذافي، وبعضهم كلف الأمة من الخسائر أكثر مما كلفتها إسرائيل، كما هو الحال في البطل القومي التاريخي صدام حسين! الذي عجز مواجهة الإيرانيين، فابتلع الكويت. فلا بد إذن من عدو قومي يمكن مصارعته (ولو في الدعاية الإعلامية)، لإعادة الروح القومية إلى الشارع العربي.2ـ القيادات السياسية الموالية لأمريكا، والمتحالفة معها، لا سيما السعودية ومصر وقطر، وهذه ـ بلا شك ـ لا تتجاوز السياسة الأمريكية التي تبذل ما في وسعها للحفاظ على أمن إسرائيل، وأشد ما تشعر به إسرائيل اليوم من الخطر يتمثل في إيران، خصوصاً في برنامجها النووي. 3ـ التوجهات التكفيرية الوهابية، وهذه مستعدة للتحالف مع الشيطان ضد الشيعة، فلا يهمها إسرائيل ولا أمريكا، ولا هيبة الأمة ولا مقدسات المسلمين ولا هم يحزنون ... إذا سلك الشيعة وادياً سلكوا وادياً آخر، وإذا دخل الشيعة الجنة، فإنهم مستعدون لدخول النار... المهم عندهم أن يكونوا في الطرف المقابل للشيعة، إرضاء لنزواتهم الشيطانية، وحقدهم وتعصبهم الأعمى. وهذه ترى أن إيران (دولة شيعية) فلا بد من محاربتها بكل سلاح. أرأيتم كيف استطاعت السياسة الأمريكية احتلال العقل العربي وتوجيهه بالاتجاه الذي تريد؟ وكيف هيمنت إسرائيل على كل صغيرة وكبيرة وأصبح الكثير من أبنائها يقدم لها أفضل الخدمات من حيث يشعر أو لا يشعر؟ فهل تسعى شعوب المنطقة لتحرير أنفسها من الذل والهوان، وتحرير عقولها من الزيف؟ وهل تصحو يوماً لتلملم جراحها وتثور على ذواتها وتصحح المسار؟ وهل يمكن أن تتخلص يوماً من مرض الطائفية المقيت لتوحد صفوفها وطاقات أبنائها في الدفاع عن كرامتها وعزتها؟
https://telegram.me/buratha