يشهد الرأي العام العالمي خاصة خلال العقد الأخير من الزمن تكرار اصطلاحات سياسية تنم عن نظرة طائفية شوفينية تجاه اتباع ومحبي وشيعة أهل بيت النبوة والامامة عليهم السلام، تحمل أسماء عديدة منها "الانبعاث الشيعي" و"الهلال الشيعي" و"الغزو الشيعي" و"التمدد الصفوي" وغيرها المتأثرة بظاهرة الـ"شيعة فوبيا" والتي هي بحد ذاتها تحتاج الى معالجة متأنية متجذرة متأصلة من قبل العلماء والباحثين والمفكرين بعيداً كل البعد عن الحشد الطائفي المشجون بالكراهية الموروثة طيلة أكثر من 14 قرناً من تاريخ الأمة تعود لتخرج من جديد وبشكل واسع الانتشار تهدد الأمن النفسي للشعوب الاسلامية وتؤثر سلباً قاتلاً لمحيطها وحدودها الجغرافية ونسيجها الاجتماعي وقرارها السياسي وتعايشها السلمي دون استثناء خدمة لمصالح أعداء الاسلام والحاقدين عليه منذ بزوغ شمسه المنقذة وحتى قيام الساعة.
فالرهاب أو الفوبيا كلمة يونانية" " بالمعنى ذاته، وهو مرض نفسي يعرف بأنه خوف متواصل من مواقف أو نشاطات معينة عند حدوثها أو مجرد التفكير فيها أو أجسام معينة أو أشخاص عند رؤيتهم أو التفكير فيهم. وهذا الخوف الشديد والمتواصل يجعل الشخص المصاب عادة يعيش في ضيق وضجر لمعرفة هذا النقص؛ ويكون المريض غالباً مدركاً تماماً بأن الخوف الذي يصيبه غير منطقي ولكنه لا يستطيع التخلص؛ كما ويعرف مرض الخوف غير الطبيعي هذا أو "الفوبيا" على أنه خوف كامن مزمن وغير مبرر (غير منطقي) من شيء أو مكان أو سلوك معين يؤدي لقيام المريض بمحاولات واضحة للهروب من موقف، لمواجهة الشيء أو الظرف الذي يعتبره المريض خطرا على حياته، حيث يؤكد الأطباء النفسيون بأن مرض الرهاب بمختلف أنواعه ينتقل عبر الوراثة وان مشاعر الخوف هذه نابعة من داخل الفرد جراء ممارسات محرمة وممنوعة .
ويؤكد المؤرخون أن "الفوبيا" هذه برزت بداية مع بزوغ شمس الاسلام ورسالة الرحمة والمودة التي يحملها في الجزيرة العربية حيث زرع بذوره كبار القوم من عرب الجاهلية عبدة الأوثان والأصنام وحلفائهم اليهود وحاخاماتهم الذين كانوا يرون في بزوغ فجر الحرية والعدالة والوحدانية خطر كبير على مصالحهم المشتركة في سطوتهم وسلطتهم ونظامهم الديكتاتوري القبلي القائم على رقاب الناس واستحمارهم وسوء استغلالهم لمنافعهم ومصالحم الشخصية والفئوية كما هو الحال في الكثير من البلاد العربية والاسلامية القائمة على اسس موروثة تحيط بنا وتزرع الحقد والنفاق والتناحر والتقاتل الأخوي والديني والطائفي والعرقي ببترودولاراتها وحمامات الدم وأنهاره الجارية في العراق وسوريا ولبنان وليبيا والبحرين واليمن ومصر دليل بارز على سياستهم التي أستورثوها من اسلافهم الذين قاموا بمؤامرة "ليلة المبيت" وعمليات الاغتيال الكثر التي تعرض لها نبي الرحمة ومنقذ البشرية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده أبن عمه الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام وابنائه العشرة الواحد تلو الآخر من مصيبة لمصيبة وليس لهم ذنب سوى العمل والسعي لتوحيد الأمة ودفعها نحو عبادة الله سبحانه وتعالى طبقاً لما جاء به جدهم الرسول الأكرم (ص) برسالته السماوية وبنهجه المحمدي الأصيل الواضح والحقيقي وليس المزيف الذي حمله ويحمله أتباع أمية وأبو سفيان وهند آكلة الأكباد حتى يومنا هذا .
ويشدد الرواة أن هذا الحقد والكره والعداء لأهل بيت الرسالة والامامة نبع مع وصايا الرسول الأعظم (ص) المسلمين باتباع أهل بيته (ع) من بعدهم لأنهم لا يفترقون عن الرسالة السماوية وحقيقتها بقوله (ص): "اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي"؛ وهو حديث متواتر روته مصادر العامة في أكثر من (260) مصدر منها كتب "مسلم" و"أحمد بن حنبل" و"الترمذي" و"النسائي" و"الالباني" و"أبن عساكر" و"الطبراني" و"الكثير" و"أبن الأثير" و"السيوطي" و"الطبري" و"أبن عاصم" و"البيهقي" و"أبي عاصم" و"الطحاوي" و"أبن أبي شيبة" و"العقيلي" و"المتقي الهندي" وغيرهم من كبار علماء المسلمين من أهل السنة والجماعة الذي يدعي دعاة العصر ومجموعاتهم الارهابية المسلحة التي تفتك بالأمة وتستبيح محرماتها وتنتهك مقدساتها أنهم تابعين لهم وسائرين على نهجهم ومدرستهم كالوهابية والسلفية هذه الفرق الضالة المضلة التي تعث بالأمة والأرض فساداً ما ا،زل الله بها من سلطان .
هذا الحديث وما جاء من بعده حديث "غدير خم" ومن قبله حديث "المباهلة" وآيته الشريفة والصريحة والواضحة رقم (61) من سورة آل عمران في القرآن الكريم ومئات الأحاديث التي أوصى بها رسول رب العالمين (ص) الصحابه والأمة التمسك من خلالها باهل بيته (ع)، أحس تلك الجماعات التي كانت لها امتيازات معينة على حساب باقي الناس بخطورة الدعوة الاسلامية في مشاركة الأمة في نفس المحيط بالسلطة والقرار والعدالة والثروة وهو أمر يصعب على الفئة الحاكمة الظالمة قبول التنازل فجأة عن تلك الامتيازات حتى وهو من مقتضيات العيش السليم والآمن القائم على العدل والمساواة، مما دفع لأن تنبري بمعارضته ومخالفته حتى وإن كان هذا الأمر رباني نبوي صريح في الكتاب والسنة ذلك الأمر الذي يساوي بين الفقير والغني وبين السني والشيعي وبين المسلم وأتباع سائر الاديان السماوية الاخرى والبشرية جمعاء وهو ما ينسف أدعاءاتهم بأنهم "شعب الله المختار" و"انهم خير أمة أخرجت للناس" من وجهة الأعتلاء بالسلطة وفرض الإرادة وعدم إعطاء الآخر أي حقوق حتى في أضيق الحدود، نهج وسياسة بقيا قائمين حتى ساعتنا هذه تمسكاً بوصية هبلهم الأعلى وكاهنهم الأعظم أبو سفيان " تلاقفوها يا بني أمية تلاقف الكرة بيد الصبيان" ومن بعده ابنه الطاغية "معاوية" مخاطباً أهل العراق" "فو الذي يحلف به أبو سفيان فلا جنة ولا نار ولا معاد ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا ولا لتحجوا وتزكوا وإنما قاتلتكم لأتآمر عليكم"، فما عسى أن يكون من تغذى بتلك الآراء حين يتسلم سدة السلطة ويتولى رقاب الشعوب ويرتقي الكرسي ويجلس للحكم عليهم أن يفعل بالأمة ضارباً كل ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية وما رواه السلف الصالح عرض الجدار.
هؤلاء الطغاة والمجرمين يعرفون كل المعرفة وما تعني المعرفة من معان بكل أحرفها ومعانيها من أن أهل بيت النبوة والامامة عليهم السلام هم أحق القوم بحكم الناس وتعليمهم وتسيير أمورهم من غيرهم وهم أعدل الناس وحكام الأرض ولم ينتهجوا سياسة الانبطاح أو العمالة والتودد لغير الله سبحانه وتعالى ولا يأمرون أتباعهم وشيعتهم غير ذلك ما يزيد مخاوف الظالمين والفراعنة والطاغين والارهابيين والمحتلين والعابثين بأمور الأمة ودينها، ويفزعهم ويرهبهم وهم يعرفون جيداً أن العلوم الدينية والدنيوية التي تعيشها البشرية جمعاء اليوم هي من مكاسب ومخارج مدرسة الأئمة المعصومين من أهل البيت عليهم السلام امام تلو امام خاصة وأن أباهم الامام علي (ع) كان منبع العلم ومصدره وزق العلم زقا كما قال الرسول الأمين (ص): "أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ، وَعَلِيٌّ بَابُهَا، فَمَنْ أَرَادَ الْمَدِينَةَ فَلْيَأْتِ الْبَابَ" .
ومن هذا المنطلق أضحى أهل بيت النبوة والامامة (ع) منبع العلم ومصدره ومنفذ التشريع والتحكيم والتفسير والبلاغة والفقاهة وتسيير أمور الآمة، ومدرسة الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) الذي نعيش هذه الايام ذكرى استشهاده الأليم على يد الطاغية "المنصور"العباسي في (25) شوال سنة 148 للهجرة لانه لم يتحمل وجود الامام (ع) وعلمه وشموخه واجتماع الناس من حوله كما هو حال الأنظمة الديكتاتورية في ممالكنا العربية تحارب علماء الدين وتعاديهم وتحكم بانحلال مجالسهم حتى تبقى الأمة بعيدة كل البعد عن معرفتها بالاسلام المحمدي الأصيل؛ هي ذات المدرسة العلوية حيث تخرج منها آلاف العلماء والحكماء في مختلف صنوف العلم وتفرعت عنها المذاهب الاسلامية بمختلف فروعها لان الامام الصادق (ع) كان عالم فلك، ومتكلماً، وأديباً، وفيلسوفاً، وطبيباً، وفيزيائياً، وعالم دين؛ و كان يؤم مدرسته طلاب العلم ورواة الحديث من الأقطار النائية، لرفع الرقابة وعدم الحذر فأرسلت الكوفة، والبصرة، وواسط، والحجاز إلى الامام (ع) أفلاذ أكبادها، ومن كل قبيلة من بني أسد، ومخارق، وطي، وسليم، وغطفان، وغفار، والأزد، وخزاعة، وخثعم، ومخزوم، وبني ضبة، ومن قريش، ولا سيَّما بني الحارث بن عبد المطلب، وبني الحسن بن الحسن بن علي وغيرهم .
وحضر مجالسه (ع) العديد من أبرز علماء عصره وتتلمذوا على يده، ومن هؤلاء أشهر كيميائي أبو موسى جابر بن حيَّان المُلقب بأبي الكيمياء. الى جانب اثنان من كبار أئمة المذاهب الأربعة هما "أبو حنيفة النعمان" و"مالك بن أنس" الذي نقل (12) حديثاً عن الامام جعفر الصادق (ع) في مؤلفه الشهير "الموطأ"، بالاضافة الى "واصل بن عطاء" مؤسس مذهب "المعتزلة"؛ وقد قال "أبو حنيفة" وفي مواضع كثيرة "لولا السنتان لهلك النعمان" تلك الفترة التي تتلمذ بها على يد الامام (ع) - رواه الآلوسي في "صب العذاب على من سب الأصحاب " ( ص 157 - 158 ) .
https://telegram.me/buratha