المقالات

تصحيح المسيرة أم سقيفة؟

1643 20:48:32 2014-08-17

فاجأ حزب الدعوة الإسلامية المراقبين السياسيين وجمهوره والشعب العراقي بتخليه عن ترشيح أمينه العام نوري المالكي لشغل منصب رئاسة الوزراء وللمرة الثالثة على التوالي, ورشح بدلا منه القيادي في الحزب الدكتور حيدر العبادي. وهي الخطوة التي أثارت العديد من التساؤلات حول دوافعها وحيثياتها. إذ انقسم المتابعون للوضع السياسي العراقي بين النظر إليها كمحاولة لتصحيح مسيرة الحزب, وبين من اعتبرها سقيفة جديدة في إشارة الى الواقعة التاريخية المعروفة بسقيفة بني ساعدة , حيث تم إنتخاب أبو بكر كخليفة للمسلمين في أعقاب رحيل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم, في خطوة اعتبرها بعض المسلمين مؤامرة لإبعاد علي بن طالب عليه السلام عن منصب هو أحق الناس به وفقا لمختلف المقاييس وخاصة الشرعية منها. فهل كان تخلي حزب الدعوة عن المالكي خطوة تصحيحية ام سقيفة جديدة؟

ولمعرفة الحقيقة لابد من الرجوع الى الوراء ومنذ تولى نوري المالكي رئاسة الوزراء في العام 2006 خلفا للدكتور ابراهيم الجعفري الأمين العام السابق لحزب الدعوة والذي أطيح به عن امانة الحزب برغم تنازله الطوعي عن رئاسة الوزراء حيث آلت الأمانة لنوري المالكي الذي جمع الرئاستين. فقيادة الحزب ألقت بثقلها خلف المالكي طوال السنوات الماضية وقدمت له كافة انواع الدعم المطلوب ولم يحدث أن إحتج الحزب أو وجه إنتقادا لأي من سياسات المالكي , بل ذاد الحزب في الدفاع عنه وعن سياساته وحتى هذه اللحظة. غير أن الحزب وُضع في زاوية حرجة قبيل الأنتخابات النيابية الأخيرة.

فلقد دعت المرجعية الدينية الى التغيير واختيار الأصلح والكفوء وهي الدعوة التي فسرها كثيرون على أنها دعوة لتغيير رئيس الوزراء وطاقمه على خلفية فشله في إدارة العديد من الملفات وخاصة الأمنية والخدمية والأعمارية منها. ولقد ذهب المرجع الديني الشيخ بشير النجفي بعيدا إذ حرم إنتخاب المالكي. غير أن الحزب نجح في إستيعاب تلك الفتوى ودعوات التغيير من خلال السلطة وأدواتها فكانت ردود الفعل على تلك الدعوات كانت عكسية وظهرت عبر نتائج الأنتخابات التي أظهرت تفوقا لكتلة دولة القانون التي يتزعمها حزب الدعوة وأمينه العام نوري المالكي.

غير أن الحزب ظل يواجه دعوات المرجعية للتغيير التي أقضت مضجعه والتي إستمر وكلاء السيد السيستاني على إطلاقها إسبوعيا و عبر منابر صلاة الجمعة. وهي الدعوات التي فسرها الحزب والإعلام الحكومي لأنصاره بأنها لا تستهدف رئيس الوزراء ونجح في ذلك, وهكذا ظل داعما لترشيح أمينه العام لولاية ثالثة. غير أن إحتلال تنظيم داعش الإرهابي لمدينة الموصل ومدنا عراقية أخرى وفقدان الحكومة المركزية لسيطرتها على العديد من المحافظات العراقية وخاصة محافظة كركوك, قلب الموازين رأسا على عقب. إذ إنصبت الأنتقادات على المالكي وعلى إدارته الفاشلة للملف الأمني خاصة وانه تفرد بإدارته طوال السنوات الأربع الأخيرة.

ومع تنامي خطر داعش وتقدمها نحو بغداد وانهيار القوات العراقية, أعلنت المرجعية الدينية الجهاد الكفائي وسارع الملايين من المواطنين لتلبية دعوة المرجع السيستاني , حيث لعبت تلك الفتوى دورا كبيرا في وقف تقدم تنظيم داعش الإرهابي نحو العاصمة والأماكن المقدسة. مما ساهم في عودة المرجعية للعب دور هام في العراق حاول المالكي تهميشه في السنوات الأخيرة بعد رفض المرجعية استقباله في موقف اعتبره مراقبون تعبيرا عن عدم رضا المرجعية عن سياساته. ومع استمرار دعوات المرجعية للتغيير والإسراع في تشكيل حكومة جديدة تحظى بتوافق وطني قبال مشروع المالكي القائم على تشكيل حكومة أغلبية, ومع إصرار مختلف القوى السياسية على رفض الدخول في حكومة يرأسها المالكي, وجدت قيادة الدعوة نفسها في موقف محرج.

ولذا فقررت قيادة الدعوة أخذ رأي المرجع السيستاني بشكل مباشر رغم وضوح دعوته, وكان الرد واضحا وجليا ومفاده مطالبة المرجع بترشيح رئيس جديد للوزراء يشكل حكومة تحظى بإجماع وطني , وهو ماكشفت عنه رسالته الجوابية لحزب الدعوة والمؤرخة في يوم 11 رمضان. غير أن قيادة حزب الدعوة وضعت الرسالة في أدراج النسيان و آثرت الأستمرار في دعم المالكي والوقوف خلفه بكل قوة برغم فقدان العراق لثلث أراضيه مؤخرا وبرغم حالة التشنج والتوتر التي اعترت علاقة المركز بإقليم كردستان وبالمحافظات الغربية. إلا انه وبعد إنتخاب هيئة رئاسة مجلس النواب ورئيس للجمهورية ومع إجماع كل القوى احترام التوقيتات الدستورية , إشتد الخناق حول رقبة الحزب وأمينه العام.

فهناك إجماع وطني على رفض المالكي مشفوع بدعوات إسبوعية للتغيير وتشكيل حكومة تحظى بتوافق وطني. حتى شعرت قيادة الدعوة بان الأمور بدأت تخرج عن السيطرة وخاصة مع انتخاب حيدر العبادي لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان وهي الخطوة التي رأى فيه البعض مؤشر على عدم بقاء المالكي في منصبه, إذ لايمكن لحزب أن يجمع منصبين سياديين في آن واحد. ولذا فقد سارع الحزب الى إصدار بيان يوم الجمعة 8 آب , يعلن فيه تأييده لموقف المرجعية الدينية ودعوتها المسؤولين لعدم التشبث بمناصبهم, في إشارة واضحة لرئيس الوزراء العراقي. غير أن نداء الحزب لم يلق آذانا صاغية لدى أمينه العام. الذي استمر بالإصرار على البقاء في منصبه. وهنا ينبغي التوقف عند بيان الحزب.

فالحزب لم يصدر بيانه المؤيد لموقف المرجعية إلا بعد مرور شهر على إرسال السيد السيستاني رسالته الجوابية لقيادة الدعوة. وبعد ان اعتبر ممثل المرجعية أن " التشبث بالمناصب خطأ فظيع" وحينها أيقنت قيادة الحزب بأن حظوظ المالكي معدومة للبقاء في منصبه مع سحب السيد السيستاني الشرعية منه وبعد فشل محاولات الحزب لأفراغ دعوات التغيير من محتواها وبانها لا تستهدف المالكي. إذ لم يبق مسؤول في الدولة متشبث بمنصبه غيره. ولذا فإن إستجابة الدعوة لنداء التغيير جاءت متأخرة وبعد مرور أشهر عدة على إطلاق المرجعية دعوتها للتغيير.

وأمام هذا الواقع قررت قيادة الدعوة القيام بإنقلاب على المالكي وبالتوافق مع قوى التحالف الوطني الأخرى وخاصة الأئتلاف العراقي الموحد والفضيلة والإصلاح التي انضمت لكتلة الدعوة النيابية التي يتزعمها حيدر العبادي لتشكل كتلة كبيرة قوامها 127 نائبا رشحت العبادي للمنصب ومهدت الطريق أمام رئيس الجمهورية لتكليفه بتشكيل الحكومة. ولذا فإن مجريات الأحداث تشير وبما لايقبل الشك بان هذا الإنقلاب على المالكي ليس بهدف إصلاح مسيرة الحزب , لأن هذه القيادة لا تعترف بلغة النقد وتضع نفسها فوق النقد والمسائلة ومنذ أيام المعارضة ولأن،هذه القيادة هي التي صنعت من المالكي دكتاتورا ولإنها لم تبادر باكرا للإستجابة لدعوات المرجعية للتغيير.

فهل يمكن نسيان دور صقور الدعوة في رسم سياسات المالكي ؟ وفي طليعتهم ياسين مجيد وعلي العلاق وحسن السنيد وحسين الشامي وقائدهم الشيخ عبدالحليم الزهيري. وهل ينسى أحد دور هؤلاء في تأجيج نار الفتن الطائفية والقومية؟ ولكن هذا لايعني بان الحزب لا يضم قيادات تعي حالة الأنحدار التي وصل لها الحزب والتي تسعى لوقفها غير أنها لا تمتلك الادوات اللازمة لذلك مع هيمنة المالكي على الحزب والدولة وفي طليعة تلك القيادات القائد التاريخي للحزب الاستاذ علي الأديب. إلا أن تيار أصحاب المصالح والإمتيازات هو الأقوى وهكذا إجتمع هذين التيارين أي تيار الإصلاح الضعيف وتيار المصالح القوي وقرروا إزاحة المالكي.

ولذا فإن ماحصل هو إنقلاب قاده ذات القياديين الذين دعموا المالكي وصنعوا منه حاكما مطلقا, وذلك خشية خروج الأمور عن سيطرتهم ولذا فيمكن وصف ماحصل بالسقيفة , لا من زاوية ان المالكي أحق بالمنصب كما كان عليه حال أمير المؤمنين عليه السلام , ولكن من زاوية "أن نبايع حيدر العبادي خشية أن يخرج الأمر من أيدينا" كما كشف عن ذلك محافظ بغداد السابق. وهو ذات الدافع الذي دعا عمر بن الخطاب الى ترشيح أبي بكر للخلافة وكما كشف عن ذلك في أحد خطبه التي وردت في صحيح البخاري ـ كتاب الحدود ـ باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت ـ حديث رقم 6415 . إذ يقول عمر بن الخطاب فيه" وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا فإما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا" .

فالخليفة الثاني يوضح بشكل صريح خشيته من مبايعة القوم رجل منهم أي من الأنصار فأمر بمبايعة أبي بكر وهي البيعة التي نهى عمر عن تكرارها في بداية الحديث إذ يصفها" بفلتة وقا الله المسلمين شرها. وبذلك فإن بيعة العبادي كانت سقيفة جديدة من هذا المنظار أي خشية قيادة الحزب من خروج رئاسة الوزراء من أيديهم. ولذا فإن الحزب ومما تقدم ليس بصدد إصلاح مسيرته وماحصل ليس حركة تصحيحه لتقويم المسيرة إذ يبدو بان حزب الدعوة عصي على الإصلاح . فالحزب الذي تأسس قبل ستة عقود فشل في إعداد كادر واحد معروف بالنزاهة والكفاءة فيما نجحت تيارات حديثة النشأة في ذلك كالتيار الصدري الذي قدم مسؤولا كفوءا ونزيها هو السيد علي دواي محافظ العمارة . وفي ذلك مؤشر على خلل فكري وبنيوي يعيشه الحزب ولا يمكن إصلاحه الا بحله.
 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
مهدي اليستري : السلام عليك ايها السيد الزكي الطاهر الوالي الداعي الحفي اشهد انك قلت حقا ونطقت صدقا ودعوة إلى ...
الموضوع :
قصة السيد ابراهيم المجاب … ” إقرأوها “
ابو محمد : كلنا مع حرق سفارة امريكا الارهابية المجرمة قاتلة اطفال غزة والعراق وسوريا واليمن وليس فقط حرق مطاعم ...
الموضوع :
الخارجية العراقية ترد على واشنطن وتبرأ الحشد الشعبي من هجمات المطاعم
جبارعبدالزهرة العبودي : هذا التمثال يدل على خباثة النحات الذي قام بنحته ويدل ايضا على انه فاقد للحياء ومكارم الأخلاق ...
الموضوع :
استغراب نيابي وشعبي من تمثال الإصبع في بغداد: يعطي ايحاءات وليس فيه ذوق
سميرة مراد : بوركت الانامل التي سطرت هذه الكلمات ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
محمد السعداوي الأسدي ديالى السعدية : الف الف مبروك للمنتخب العراقي ...
الموضوع :
المندلاوي يبارك فوز منتخب العراق على نظيره الفيتنامي ضمن منافسات بطولة كأس اسيا تحت ٢٣ سنة
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
غريب : والله انها البكاء والعجز امام روح الكلمات يا ابا عبد الله 💔 ...
الموضوع :
قصيدة الشيخ صالح ابن العرندس في الحسين ع
أبو رغيف : بارك الله فيكم أولاد سلمان ألمحمدي وبارك بفقيه خراسان ألسيد علي ألسيستاني دام ظله وأطال الله عزوجل ...
الموضوع :
الحرس الثوري الإيراني: جميع أهداف هجومنا على إسرائيل كانت عسكرية وتم ضربها بنجاح
احمد إبراهيم : خلع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني لم يكن الاول من نوعه في الخليج العربي فقد تم ...
الموضوع :
كيف قبلت الشيخة موزة الزواج من امير قطر حمد ال ثاني؟
فيسبوك