التاريخ صيف حزيران عام 2003 والموقع كلية العلوم السياسية حينما زرت تلك الكلية برفقة صديقة اعتدت زيارتها بقلة ايام السقوط حيث كانت هذه الكلية من الكليات التي تفوح بالولاء البعثي تطوعاً وكرها فمن ابن صباح ميرزا الذي بمجرد دخول الحماية المسلحة قبله صوب النادي المغلق كافياً لجعل الطلبة يغادرون هربا من عنجهية مقيتة لا يتحملونها وتطبيقاً لمبدأ ( أبعد عن الشر وغني له ) الى ابناء اجهزة المخابرات من الاسماء الرنانة في سماء الشر الصدامي وأقارب الوزراء المهانين بارادتهم في تلك الفترة ختاماً بنسيب الطاغية ( زوج ابنته الصغيرة ) الذي يتفنن بالملابس الانيقة برفقة سدارة وسيارات مختلفة الاشكال والالوان الغريبة الملفتة للنظر وبعنوان استاذ للمرحلة الرابعة لمادة القانون ولم التقي طالباً حضر له محاضرة !! فظهوره كان على فترات بعيدة حد علمي ، في ظل هكذا اجواء عاش الطلبة ما بين من يستحق لقب طالب الى من فُرض زميلاً للطلبة عنوةً .
وفي فترة ما بعد السقوط باشهر بسيطة كان فضولي لزيارة هذه الكلية كبيراً وكان الكلام فيها حلماً فلقد كنا نخشى الكلام اذا مررنا بقربها فكم شككت حتى باشجار هذه الكلية في انها تكتب تقارير على المارة !!! وفعلاً زرت هذه الكلية لاكثر من مرة لاستلذ بنظرة السعادة في عيون الطلبة الصامتين سابقاً ونظرة الصلف للطالب البعثي اباً عن جد فلا يمكن ان نحلم برؤية بعثي نادم وهذا لتوفيقهم العالي في عالم الشر! . وفي التاريخ المذكور كنت اجلس برفقة زميلتي وصديقاتها قرب بحيرة جميلة تتوسط الجامعة حين قدم زميل لصديقتي يسالها عن من يمتلك القدرة للكلام باللغة الانكليزية لوجود صحفية امريكية وعندها توجهت الينا فاعتذر الجميع فاعادت عليّ السؤال قائلة ربما تستطيعين فاعتذرت فتدخل الزميل قال نتعاون في ما بيننا فلقد اعتذر الكثيرون خاصة الطالبات واعقب انه سيساعد في المفردات السياسية التي ممكن ان نحتاجها وفعلا وافقنا فذهب ليأتي معها بعد دقائق .
وجدت نفسي واقفة امام أمراءة في الثلاثينات من عمرها (ببنطال جينز وتشيرت) وتسرحية بسيطة وعرفت نفسها على انها هليين وعرفنا انفسنا لها في دقائق بدت اولها مليئة بالارتباك فالشاب العراقي لم يعتاد على هكذا اجواء والتي غمرت هذه الكلية بالذات من لقاءات بفضائيات وتسليط ضوء على كلية كانت كثير من رسائل الماجستير تناقش فيها العبقرية الفذة للقائد الضرورة ولتحصل على امتياز طبعاً !!!!! ، اخرجت هليين دفترا بسيطاً وسالت من منا ممكن ان تكون مترجمة للاخريات فاخبرتها انها تستطيع ان تبتدء بي بالسؤال ومن ثم ساترجم رأي الباقيات بمساعدة الزميل الذي حافظ على وعده وبقي معنا وبينما كانت تقلب اوراقها وجدت انها قد التقت بعض طلبة الكلية فهي تكتب الاسم ومن ثم توجه الاسئلة وكان اول سؤال وجهته لي هل انتي فرحة بسقوط نظام صدام ؟ فاجبتها ان كلمة فرحة كلمة صغيرة وانني فرحة بمقدار كتبته لها بصيغة رياضية بكتابة واحد وعدد غير منتهي من الاصفار الى جانه الايمن !! ومن ثم كتبت كلمة ( happy ) فتبسمت وقالت وماذا عن الاخريات ونقلت لها الاجوبة التي تفاجئتُ بأنها كانت مترددة بعض الشيء في قطعية انها سعيدة وبين اجوبة هربت من السؤال بالقول ان البلد قد اُحتل وشرح مأساة الحرب وتصورت وقتها ان السبب يعود اما لان هناك من لم يعرف الطاغية على حقيقته ومن عرفه ولا يزال يخشاه رغم السقوط !! وعندما اتممت الاجوبة قالت لي هليين بأن شعبية صدام عالية فلقد التقت الكثير من شباب الكلية ممن عبروا عن استيائهم لذهابه مشيرة الى مجموعة كانت واقفة تراقبنا من بعيد فاخبرتها وهل عرفوك عن انفسهم ؟ فقالت لي نعم عندي الاسماء فاخبرتها هل اخبرك فلان انه ابن اخ الصحاف الذي تشرف بان كان اخر من يعلم بدخول القوات الامريكية!!!! وان الثاني ابن فلان وفلان وسالتها ان تسائل كم كبير من الطلبة لتحكم ولتأخذ بنظر الاعتبار مسالة خوف الطلبة من هكذا زملاء على الرغم من ان الدوائر قد دارت على الباغي !! .وبعد عدة اسئلة وجدت نفسي اتكلم بحرية اكبر فلقد ساندتني هليين باستعمال مفردات بسيطة وواضحة وقبل ان يغادرنا الزميل اخبرته وهليين بعد ان اثنت هليين على انطلاقي بالكلام معها باني على استعداد ان اتكلم اليابانية ما زال الكلام عن ظلم صدام !!! وفعلاً بدأت بسيل من الاسئلة لي وبقية الزميلات وكانت مختلفة ومتنوعة جدا عن نظرتنا عن المستقبل وعن الاكلات التي نفضلها وعن الافلام الامريكية التي نتابعها وعن السياسية الامريكية ومنظورنا في تحريرهم المزعوم وعن الستالايت وعن القنوات التي نتابعها فلقد كان الستلايت في ذيل العربات الامريكية واول شيء حصل عليه المواطن العراقي قبل رجوع التيار الكهربائي !!! ومن ثم سألتنا عن ارائنا في الحروب التي دخلها صدام وهل ان صدام قتل احد من ذوينا وهنا لم يوجد احد من الحضور قد قتل له صدام احداً وانما عددوا اسماء لشهداء في حرب ايران من ذوييهم وفي هذا السؤال تحديدا كنت اخر من جاوب لاني اخذت وقتاً في التفكير هل ابوح بشيء لم ابح به لاحد حتى اقرب زميلاتي فلقد خانتني الشجاعة رغم انني ضيفة على هذه الكلية لكن مظلومية اقاربي وابناء محافظتي ربطت على لساني الشجاعة فاخبرتها بان لي اقارب ومعارف اعدمهم صدام ولا نعلم اين ومتى ؟!! فطلبت السبب فقلت لها لاجل الصلاة ورفضهم الذهاب لجبهات القتال الباطلة وبهذا السؤال كانت قد اطفئت الفرحة التي بدات بها لقائي معها واستمريت بالحديث ليندهشن اللاتي معي اكثر منها ففي العراق من عاش ولم يعرف ما جرى لغيره وبعدها سألت هليين أين ممكن ان يكونوا في نظري !! فاخبرتها مشيرة الى حديقة قربنا بانهم ممكن ان يكونوا هنا او هنا مشيرة الى حديقة اخرى ومن ثم الى نهر دجلة متوقعة ان يكونوا قد تم فرمهم واطعامهم للسمك ربما !!
وهنا فاجتني هليين قائلة ( You are shiaa moslem ) فاخبرتها نعم وقد سالت البقية ذات السؤال وبعد هذا السؤال بدات بمعرفة رأينا عن شكل الحكومة وهنا اخبرتها باني اعتذر عن الاجابة لاني ببساطة لا اعرف ان للحكومات اشكالاً ونظَم الا بعض الكلمات الهامشية وتوجهت الى طالبات العلوم السياسية لانصدم بانهن مثلي وان كن درسن نظم سياسية لكنهم لم يستطعن ان يربطن بين الواقع والنظريات التي درسنها فلم يتوقعن يوما ان يستخدمنها! وهنا اخبرت هليين بان الشاب العراقي خرج من شرنقته للتو خاصة في ما يتعلق بالسياسية وفعلا قللت من عمق الاسئلة السياسية وبدأت تعدد شكل النظم والطالبات يشرحوا لنا ما هي الفيدرالية أو البرلمان واختلاف نظام الملكية وما الى ذلك وصرنا نتناقش عن هذا الموضوع الى ان سألتني سؤال هو محور مقالتي لهذا اليوم ففي منتصف الحديث وكان الحديث عن الحجاب وما اذا كنت متضايقة منه !! وربطه بالحكومات وبينما انا منهمكة بالشرح بان الحجاب هو من ضمن تعاليمنا الاسلامية فاجتئني بذاك السؤال العجيب .
( Do you love Hakeem ) فصمت فلقد كانت كل معلوماتي بان عائلة الحكيم عائلة قدمت للعراق الشيء الكثير من دمائها في سبيل العقيدة وان السيد الحكيم قد قدم الى العراق ويشهد الله اني لم اعرف اسمه حتى ولم اتعرف عليه بصورة ولا اي معلومات عن دوره كل ما اعرف ان دورهم كبير وان سيد جليل من ال الحكيم قد تصدى للمرجعية في الستينات ولا شيء ابعد من هذا السطور التي عرفتها من اهلي ، وعندما اعادت السؤال غيرت الصيغة الى هل ان فكرة السيد الحكيم تروق لكم ؟ وهنا لم اجد بداً الا من سؤالها عن الفكرة ؟!! وبدأت بسرد الفكرة وكان منطوقها بان السيد الحكيم هو شخص سيقوم ببناء دولة مستقطعة من العراق للشيعة وسيبحث عن مظلومياتهم وانه من المرجح جدا ان يستقطع الجنوب ثم قاطعتها قائلة وهل ان له هكذا قدرة ؟ واكملت بانه رجل ذو شعبية ونفوذ ووو ..... وبينما هي تشرح لم انتبه الى ما تقول فلقد كنت اتأمل هليين واتسائل أمريكية (ببنطال جينز وتيشرت ) تعرف عن شخصية اسلامية كل هذه المعلومات وتجهلها مسلمة تجمعها ذات العقيدة مع تلك الشخصية ؟!!! وعرفت كم ان الصندوق الذي كنا بداخله محكم الغلق !! وليقطع صمتي سؤالها هل اني اثق بالشخصيات القادمة ومن ضمنها شخص السيد الحكيم ؟ فاجبتها بسؤال معلوم الاجابة هل ان السيد الحكيم وقف ضد النظام الجائر طيلة فترة حكمه ؟ فاجابت نعم فقلت لها هذا السبب وحده يكفيني لاثق به لحين ان تتوفر لي فرصة معرفته عن كثب لتتوطد هذه الثقة لكن بشكل مبدئي في ذلك الوقت فاني اثق بكل من وقف ضد الطاغية طيلة فترة حكمه . فاستشفت باني لا اعرفه فقلت لها انا اعرف صدام جيداً واثق بكل من يقف ضد الطاغية .
انتهت المقابلة وتشكرتنا وتشكرناها لاننا فعلا قضينا معها وقتاً مفيداً بحنا فيه بما في خواطرنا ورجعت الى منزلي لاسرد لابي ما جرى بالتفصيل وليشرح لي ما يعرف واخبرته بان الشاب العراقي لابد ان لاينتظر ان تاتيه الحقيقة فواجبه ان يبحث هو عنها لان الوقت مهم ولابد من الاعتراف باننا كنا داخل قوقعة ونطلب المساعدة في تبيان الحقيقة لنا ، الحقيقة والمبدأ الذي نصل اليه دائما بعد ان نفقد صاحبها وعزائنا ان الحقيقة تبقى ولا تموت .سؤالي الى الشاب العراقي ومن خلال مقابلتي مع هليين هل لاحظ كم اهتمام الامريكان بشخصياتنا منذ الايام الاولى والى حجم المتابعة التي فاقت كلمة الاهتمام مما يدحظ فكرة لعبة الشطرنج التي يؤمن بها كثيرون من ان الخيوط جميعها بيد الامريكان وبعيدا عن امريكا وما تفكر هناك قضية جوهرية وهي التشكيك من قبل الشاب العراقي لشخصياته وهل لهذا التشكيك بذرة ومن زرعها ؟!! لابد من البحث عن الحقيقة ولاني واحدة منكم ادعوكم للبحث عن الحقيقة فلا يمكن ان تظلم الشخصيات وخاصة شخص السيد الحكيم رحمه الله فحملة التشكيك ضد شخصه تثير التساؤلات فان كانت المسألة هي مجرد شخصية تثير مخاوف أناس وفي منظوري الخاص دول وحكومات فالمفروض انهى انتهت باستشهاده رحمه الله في مؤامرة كبيرة يعلم الله من ورائها غير انها مسألة منهج وافكار ورؤى يـُخشى ان تغزو افكار الشباب فهمّت ذات الفئة التي ساهمت باغتيال الشهيد الى حملة تشكيك جعلتني اشك بها لسعتها والمبالغة بامرها وضعف روايتها الا ان الحقيقة تقال بان هذه الحملة قد ساهمت باطالة الفترة لمن يخطو نحو تلك الافكار في فترات توقف بين تخوف ومجادلة وبحث واستقصاء .
انها دعوة لدرء المخاوف والبحث عن الحقيقة ايها الشاب العراقي فلا خوف من معرفة النتيجة ولكل الشخصيات فهذا افضل من التشكيك بكل الشخصيات خاصة التي تحمل سمة دينية والتي ربما ستجعلنا نشك بالنهاية حتى بمذهبنا وشريعته وحقه ونشك بديننا ومعتقدنا وعلينا ومحمدنا معاذ الله . رحم الله شهدائنا من المراجع العظام ورجال الدين وابناء الوطن ، رحمك الله يا شهيد المحراب فدمعتك في حضرة جدك عليه السلام دليلي اليك وان لم نصل في وقت نراك فيه في نجفنا وسبقتنا اليك الشهادة فسنكمل مشوارنا وصولاً الى مبادىء وافكار تنير دروبنا الصعبة واسال الله عز وجل ان يحفظ مراجعنا العظام وعلى وفي مقدمتهم السيد المفدى علي السيستاني ( ادام الله ظله الوارث ) نبراساً لنا في طريق الحق طريق علي ابن ابي طالب طريق الرحمة الالهية واخر دعوانا ان ويوفقنا الله للحق وسداد الراي والنور اللهم انر دروبنا بنور محمد وال محمد .
اختكم المهندسة بغداد
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)