المقالات

في الطريق الى كربلاء

1154 17:46:48 2014-03-16

احمد شرار

كان هادئا، وقد رسمت السنين الصعبة أثارها بقسوة على وجهه، تخطى الخمسين أو شارف على الستين من العمر، بتقديري، أعتدل في جلسته عندما وصلنا لنقطة التفتيش التي نغادر بعدها بغداد، ونحن متوجهين الى أرض كربلاء، في ذلك الباص الصغير.
سبقته بالحديث: أرجوا ألا تزعل أن ناديتك حاج.
أبتسم قائلا: قل لي من أي مواليد أنت؟
: سبعيني، تحديدا من مواليد سنة سبعين حاج، أجابني: أتعرف ان الفرق بيني وبينك؟ بضع سنين، امتدت يده الى جيبه وقد اخرج هوية الأحوال المدنية ضاحكا: أقرأ الهوية حتى تصدقني: صدقتك حاج.

بدأ يسرد علي رحلة حياته وقد أغمض عينيه, وقد اسند رأسه على الكرسي, كنا من عائلة متمكنة ماديا بفضل من الباري عز وجل, نسكن منطقة راقية في بغداد ومن أسرة معروفة, ومن سوء حضنا, أن (هدام) كان جارنا في بداية الستينيات, وقد حدثت مشادة كلامية بينه وبين أبي حينها, أطبق رأسه متحسرا ومرددا (كوم حجار ولا هالجار),لم ينسى ذلك الموقف, حين جثم على صدر العراق , توالت السنين, وكبرنا وقد ذهبت أموالنا في سنين العجاف وقد شح رزقنا, لم أُقبل بأي وظيفة حكومية, كانت الذرائع شتى, لكني كنت أعرف السبب ,هي تلك المشادة ,وحتى قبل سقوط النظام بثلاثة أعوام.
طرق بابنا أحد الأشخاص الذين يرتدون بدلة رسمية زيتونية، فأجابه أبي، طلب ذلك الشخص، الذي وجه له دعوة رسمية لحضور، مأدبة غداء دعاه اليها (الواجب) كما كان يعرف (هدام) عند افراد أجهزته القمعية، رد أبي بنفور، رافضا الحضور الى تلك المأدبة، سوف تندم على هذا، هذه هي أخر كلمات ذلك الشخص.

لم يطل المقام بأبي معنا بعدها، فقد جيء به، وقد ملأت الكدمات كافة أنحاء جسمه وهشم رأسه، كان شبه حي، غادرنا بعده بأقل من شهر وقد كتب في خانة أسباب الوفاة، بسب الشيخوخة، كانت رسالة واضحة، تجلت عندما حضر ذلك الشخص عينه، مجلس العزاء وقد قال لنا بصريح العبارة: ليكن هذا الدرس الصغير عظة لكم، غادرنا بعدها.

بعد سقوط النظام وفتح ملفات الشهداء، بحثنا في كل مكان، فلم نجد أي دليل أو أي أثبات يشير الى تعذيب والدي وقتله، او نعرف ما الذي حدث له.
ضاع دم أبي وضاعت معها حقوقنا، مسح دمعه عينيه بيده وقد بأنت عروقها.

مشادة كلامية بسيطة، قبل أربعين سنة غيرت مجرى حياتنا، فأنا حتى الان بلا وظيفة، وقد هدتني السنون، لا يوجد ضامن لعائلتي، ضاق صدري، كنت أ امل أن تستطيع هذه الحكومة من أن ترد لي جزء من حقوقي، وتضمن لي حياة أبنائي، خذلونا، مع الأسف.
ها أنا في الطريق الى سيد الشهداء وأبو المظلومين، لعلي أفرغ شيئا من همومي.
رقت أدمعي وتسللت من جفني بالرغم مني، أثر سماعي قصته، لا تهتم التغير قادم بأذنه تعالى، فالعراقيين لا يسكتوا عن حقوقهم ولن ينسوا أخوانهم، لم يبق على الانتخابات شيء.

لمعت عيناه حين غرة، وأدار ببصره نحو لافتة تشير الى المجلس الأعلى على الطريق، توسطتها صورة للسيد الحكيم وقد رسمت تلك الابتسامة الهادئة على وجهه، ظلت عيناه تلاحق تلك اللافتة وهو يقول: ما خيب أبا المظلومين ظني يوما.

احمد شرار / كاتب وأعلامي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك