المقالات

الإسلام السياسي بين المقبولية والرفض


محمد حسن الساعدي

أطروحات الإسلام السياسي الشيعي اليوم تواجه تحدّي كبير من قبل الشارع الشيعي ذاته فهي بين المقبولية والرفض ، فلم يعد خافياً على احد حجم التناقضات والتخبّطات التي بلورت حقيقة وواقع العمل الإسلامي الحزبي في العراق،كما لم تعد مجرّد الشعارات المجرّدة التي يرفعونها كافية لتغطية عورة الفساد والتخلف والمحسوبية التي أضحت العنوان الأبرز للمرحلة الراهنة من تاريخ العراق السياسي،في ظلّ حشد هائل من قيادات إسلامية لا تفقه سوى لغة الطائفية والتفرقة وتشتيت كل طموحات الوحدة الوطنية الخالصة.الملفت للنظر أن الأحزاب الإسلامية غير قادرة على إيجاد خطاب يتناغم مع الواقع ، ووضع أساليب التعامل مع الخصوم ومع الجماهير وهو ما يحتاجونه فعلا بعد سقوط الأقنعة ووضوح الأهداف المخفية التي كانت تغطي وتجمّل الواقع المتردّي لمعظم هذه الأحزاب .هذه الازدواجية التي يتعامل بها بعض الإسلاميين لا توحي إلا بتشابه خطير بين طريقة تفكيرهم وطريقة تفكير كل المتسلطين والمتحجرين والمنتفعين في زمن النظام البائد، ففي الوقت الذي يحملون الإسلام كهوية حول قرار غلق النوادي الليلية بينما تراهم لا يحركون ساكناَ على الفساد المهول والذي ارتكبه وزراء وبرلمانيون(من أنفسهم)ويغضون النظر عن حجم الفشل في تقديم الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء وغيرها ،وصمتهم إزاء الدم العراقي المباح الذي صار ارخص من كل صفقاتهم وسلتهم الواحدة بقراراتها،فهؤلاء اخذوا يتمادون في الضحك على ذقون الشعب والذي أصبح بنظرهم أداة اختبار على تجاربهم الفاشلة ، والتي آخرها فشلهم الكبير في حكومة تقاد بالوكالة .التظاهرات الأخيرة في ساحة التحرير ، والتي أظهرت رفضاً للمشروع الإسلام الإسلامي ، وبغض النظر عن الهدف والغاية إلا أن المستغرب في هذه التظاهرات انه تم رفع شعار كلا للإسلام السياسي ؟! ارحلوا ؟؟؟ وهذه المرة الأولى التي يرفع فيها هذا الشعار منذ سقوط الطاغية المقبور ، ومجيء العملية السياسية والمشروع الديمقراطي الحديث ، واعتقد أنها ضربه قويه للإسلاميين بصوره عامه ، وللحزب الإسلامي الحاكم في العراق، اذا أنها عكست بصوره واضحة للشارع أن الأحزاب الإسلامية فشلت فعلاً ذريعاً في الحكم وبالتالي جعلها تتراجع ،بل وربما تسقط أمام تيارات أخرى ناضجة مثل الليبرالية او العلمانية .لقد أظهروا تكالبا منقطع النظير على السلطة ومغانمها ، وحبا مفرطا بكراسي الحكم ، واستغراقا في ملذاتهم ، حتى أن من يراقبهم لا يجد فرقا كثيرا بينهم وبين أولئك الذين كنا نصفهم بالعلمانيين ، كما لا فرق بينهم وبين القيادات والمسؤولين في باقي دول المنطقة في وقت كنا نأمل منهم أن يكونوا بناة لتجربة ديمقراطية إسلامية في الحكم تشع بنورها على العالم كله، وبدون مبالغه لو قلت أن بعضهم لو ثنيت له الوسادة لكان فرعونا أو هامانا أو قارونا جديدا ، ولم يقتصر الأمر على ما تقدم ، بل إن اغلب القوى الإسلامية العراقية لم تستطع خلق ثورة فكرية ونفسية وأخلاقية لدى كوادرها والمنتمين إليها والمحسوبين عليها من المسؤولين الذين غرقوا في وحل الفساد المالي والإداري بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الدول قديما او حديثاً .

لقد تحول فرح العراقيين إلى إحباط وتلاشى أملهم وصار فشل القوى الإسلامية ينعكس على الإسلام كدين ونظام حكم ، ولو جرى إحصاء محايد ونزيه ودقيق لنسبة الراغبين بالحكم الإسلامي من العراقيين لاكتشفنا حقيقة مذهلة هي تراجع هذه النسبة عام 2010 عن مستواها عام 2003 ، ويتحمل مسؤولية ذلك الإسلاميون العراقيون الذين تولوا المسؤولية بعد 9/4/2003 وفشلوا في بناء تجربة ناجحة لدولة إسلامية تحترم حقوق وحريات الناس وتحفظ كرامتهم ويجعلها تتميز عن تجارب المنطقة العربية الإقليمية بديمقراطيتها وعنفوانها وإشعاعها الديمقراطي ، لذا ليس غريبا أن يسمع الإسلاميون العراقيون تلك الأصوات المنبعثة من رحم المعاناة العراقية والتي تتهمهم بعضا أو كلا بالعمالة أو الدكتاتورية أو الضعف أو الفساد أو النفاق أو ما شابه من نعوت لم نكن نتمنى أن نسمعها تقال يوما ما بحق أناس يحملون الهوية الإسلامية ، كما ليس غريبا أن تجد بين العراقيين من يطالب بالعودة للدكتاتورية ويدعو إلى دكتاتور جديد يحكم العراق لان الإنسان عندما يسقط من القمة يستمر بالانحدار إلى الأسفل ،لان هذه التجربة السلبية للقوى الإسلامية في العراق تحتاج إلى وقفة طويلة وتحليل دقيق لتحديد سبل تجاوزها بشخوص جديدة وخطاب إسلامي قادر على خلق ثورة فكر وسلوك لدى من يعمل ويتحرك ضمن إطار هذه القوى حتى يكون قدوة حقيقية للناس في حفظ الأمانة والرحمة بالرعية والنهوض بالمسؤولية وتحقيق العدل السياسي والعدالة الاجتماعية .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
المغترب النجفي \ كندا
2013-12-26
للاسلام السياسي صورتان صورة الاسلام الذي ابتدعه معاويه ومن قبله السقيفه وصورة الاسلام الحقيقي رسول الله واهل بيته سلام الله عليهم وحتى من نفس الطائفه يندرج تحت هاتين الصورتين .... وهذا نشاهده اليوم في العراق من اسلام معاويه ودجله وفساده وشعوذته واسلام علي (ع) المتمثل في نهج المرجعيه التي هيه امتداد للائمه الاطهار ونتاجها في عصر الغيبه .
حميد
2013-12-25
ليس هناك مانع من ان يكون الانسان تاجر معادن وعلى مختلف انواعها واشكالها وليس هناك مانع من ان يكون الانسان تاجر خظروات وفواكه وليس هناك ايضا مانع من ان يكون الانسان تاجر ابقار واغنام وليس هناك مانع من ان يكون الانسان تاجر مواد غذائيه وعلى مختلف انواعها واشكالها ايضا وليس هناك مانع من ان يكون الانسان تاجر سيارات وتاجر اقمشه والى اخره من التجاره ولكن يكون تاجر دين فهذا مالايسمح به رب العالمين ويذل من يتاجر به لان الدين ملكه وماذكرناه اعلاه من مواد فهي ملك التاجر فكيف يتاجر الانسان بشيء ليس ملكه
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك