المقالات

القرون الوسطى بنكهة عراقية /


حافظ آل بشارة

اغلب العراقيين يعرفون ما هو المقصود بالعملية السياسية ، ويعرفون لماذا هاجمت الولايات المتحدة العراق واسقطت نظام صدام التابع لها ، ويعرفون لماذا قدمت الولايات المتحدة اكثر من 5 آلاف قتيل من جيشها ، وانفقت اكثر من ترليوني دولار لـ (تحرير العراق) ، ويعرفون لماذا بنت الولايات المتحدة سفارة عملاقة لها في المنطقة الخضراء هي اكبر سفارة في تاريخ الدول يعمل فيها الف موظف ، ويعرفون لماذا يتراجع كل شيء في العراق الى الحضيض ما عدا صادرات النفط فهي في تزايد وقد وصلت الى حافة الثلاثة ملايين برميل يوميا ، يقابلها تصاعد في عدد الفقراء والعاطلين والجياع والمشردين ، العراقيون من كناسهم الى وزيرهم يعرفون كل هذه الحقائق واسبابها وخلفياتها ، واميركا تعرف انهم يعرفون ، لذا تكونت تدريجيا تقاليد ثابتة في (التغليس) المتبادل بين الطرفين ، واستخدام النفاق الخطابي الساذج من كليهما ، المشروع الامريكي الغربي في العراق هو الثابت الوحيد وكل ماعداه متغير ، هناك حياة امريكية غربية في شمال الارض نموذجية بانظمتها وبشرها فهم قد صنعوا الجنة على الارض ، ولكي تستمر حياتهم السعيدة يجب ان يكونوا القوة الوحيدة في العالم يتصرفون به كيف يشاؤون ، العراق بنظرهم بقعة أرض تحتها مخزن نفط هائل يمكن ان يمد الجنة الغربية بالطاقة الرخيصة قرونا أخرى ، يغترفون بهدوء من بحيرة النفط العراقي بشرط ان تبقى هذه البحيرة غافية تحت اقدام حافية هي أقدام أناس لا يغادرون قرونهم الوسطى عراق في قرونه الوسطى ، معارك وشعارات وجيوش وهوسات واستعراضات ملتهبة ، حرب طوائف ، حرب اعراق ، تكفير متبادل ، فوق بحيرة النفط المسلم النفطي المعذب يعتبر المسلم النفطي من مذهب آخر هو عدوه الذي يجب ان يشرب من دمه ليرتاح وليس اسرائيل ولا اميركا ! بلد وهمي ، حكومة مركزية واحدة ولكن غير مسموح لها ان تفرض سيطرتها الكاملة على العراق ، واذا حاولت ذلك تفجرت في وجهها الازمات شمالا وغربا ، اقليم كردي بشكل دويلة جاهزة يحظى بامتيارات اقتصادية وسياسية وعسكرية وعلاقات دولية ولكن لا يسمح له بأعلان انفصاله عن المركز ، ثلاث محافظات توصف بأنها سنية المذهب مسموح لصدام بعد موته ان يكون له قبر يزار فيها ، كذكرى لحكم الاقلية الطائفية الذهبي ، غرناطة البعثيين المفقودة ، حفل لاطلاق الرصاص عنده والتحريض على الثار من الشيعة الفرس الدخلاء ، ولكن غير مسموح لهم باعلان دويلتهم حاليا ، أمراء نفطيون في الخليج يحاولون بالمال المتدفق كالشلال شراء صحراء اعالي الفرات لجعلها وسادة عازلة باتجاه اسرائيل ، يقطنها الارهابيون ويعلنون امارتهم باشراف قطر التي هي ولاية اسرائيلية ، ولكن غير مسموح لها بالخروج تماما من هيمنة المركز ، اغلبية شيعية متناحرة ، متكافرة ، مقسمة الى عدة احزاب وعدة مراجع وعدة فضائيات ، تكتشف حالات غريبة ، شيعي متدين تموله واشنطن ، شيعي غامض وثري تموله اسرائيل ، شيعي لطيف وديمقراطي تموله قطر والامارات ، شيعي مع ايران وآخر ضد ايران ، شيعي يؤمن بالتقليد وله مرجعية ، شيعي آخر لايؤمن بالتقليد ويعلن تكفير المراجع ، كل هؤلاء يعيشون معا في منطقة ضيقة مجهولة المستقبل ، بعض المستفيذين يبسط الحالة ولا يعترف بهذا التوصيف ، اصبح واضحا اين يقع العراق وكيف يدار ولماذا ، بعض الشرفاء قرروا دخول العملية السياسية بارادتهم وهدفهم انقاذ البلد والشعب تدريجيا ، ساحة الحركة محدودة امامهم ويفتقرون لحرية القرار والمناورة ، في المساحة الضيقة المتاحة مسموح لهم : كتابة دستور ، تأسيس نظام سياسي تعددي انتخابي ، تحقيق التنمية والرفاه ، ازالة التمييز العرقي والمذهبي ، بشرط عدم تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة ، لكن الذي حدث ان رجال العملية السياسية اصبحوا خليطا من الشرفاء وغير الشرفاء ودخلوا في صراع على السلطة والامتيازات في هذه المساحة الضيقة ، الغريب ان الجميع يدعون الزهد وحب الناس والسعي لتحقيق سعادتهم ؟ ... صناعة المشهد البارع تتم عندما تراقب من يطلق قوى التأزيم والتقسيم ويرعاها ثم يخطب قائلا : وحدة العراق وأمنه خط احمر ! الأمريكيون صناع حضارة ودولة وتأريخ وعلى الأمم التابعة ان تتعلم منهم الكثير .

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك