( بقلم : طالب الوحيلي )
حين كان المواطن العراقي يترقب اللحظات الأخيرة لسقوط النظام البعثي وانتهاء أسطورة الاضطهاد والاستبداد الصدامي وهي تتآكل مع اجتياح القوات الأجنبية للعراق عبر المحاور القتالية المختلفة ،وكيف انتهت خرافة القوة العسكرية لأكبر ترسانة في الشرق الأوسط ،وما خلفها من ايديلوجيا استطاعت غسل أدمغة الكثير من المغرر بهم في الداخل والخارج عبر إعلام مازالت تأثيراته طاغية حتى يومنا هذا على أخلاقيات بقايا ذلك النظام .حينها كان هذا المواطن متلهفا للخطاب التحرري الذي أجمعت عليه قوى المعارضة العراقية في الخارج ، مسترقا السمع او النظر عبر النزر من وسائل الإعلام التي يمكنه التقاطها من خلال المحطات الفضائية او الأرضية التي تحررت من هيمنة الرقابة والتشويش التي تديرها مؤسسات مخابرات ذلك النظام ،وقد وضع الجميع تصورات وأحلام سعيدة عن تلك القيادات السياسية والدينية التي استولت على الألباب والعقول ،واخذ المواطن يتعاط أحاديثها وينقلها لمن لم يحظ بتلك الفرص العزيزة ،ليستقر في ذهن جميع من يتمنى سقوط النظام الصدامي ،ان لا فراغ سياسي او إداري او امني سوف يقع مادام الجميع يتمنى سقوط صدام ،وان قوى المعارضة قد تمكنت من صياغة برنامجها الموحد الذي لابد أنها قد أنجزته كأهم متطلبات إدارة العراق الجديد على أنقاض النظام البائد ،وذلك أدنى ما يمكن ان تقوم به القوى العراقية بغض النظر عن عقائدها وتوجهاتها الاديلوجية وارتباطها بالقوى الدولية المتحالفة في عملية تحرير العراق،لتبدأ صفحات الصراع بين الأضداد ،بين فسحة الأمل التي خالجت بقايا ذلك النظام في ان تعطف عليها الولايات المتحدة فتعيد الحكم إليها بعد اختزال أركان ذلك النظام وتهذيب حكومة بعثية مع قليل من الديمقراطية وشيء من التعددية الحزبية المتجانسة ،وفي سبيل تحقيق ذلك استسلمت ثلاث محافظات بجيوشها الممتازة وأسلحتها المتطورة ،استسلمت للقوات الفاتحة دون قتال ،فيما بقيت في الجنوب والوسط جيوب تستبسل في القتال الضاري .وبين أحزاب دخلت العراق كمجرد قيادات بانتظار كسب مؤيدين لها عبر ترغيبهم بنيل المطالب والمآرب وفي ملفاتها أجندات تختلف عن أجندة المعارضة .وبين قوى توحدت قيمها وأهدافها وفعالياتها وجدانيا وميدانيا مع قواعدها الواسعة ،وتلك هي الأحزاب والحركات الإسلامية التي أثبتت حضورها الميداني وتصديها الفعلي للنظام الصدامي داخليا وخارجيا ، وكانت هي مصدر الخطر الجدي لوجود صدام الذي جرب حقيقتها أبّان الانتفاضة الشعبانية ،فيما استفادت هي الأخرى من تجربة الانتفاضة في إعادة حساباتها ووضع منهجيتها العلمية وتوسيع آفاقها الموضوعية ،مؤمنة بعواملها الذاتية المتواصلة في الكم والنوع.وبين قوة بيدها سلطة الاختيار فيما يضمن مصالحها واستراتيجيها بعيدا عن مصلحة الشعب العراقي ومصيره ومستوى تضحياته،تلك هي قوات الاحتلال التي سرعان ما تنصلت عن وعودها وتنكرت لرغبات وبرامج قوى المعارضة لتي بقيت محتفظة بخطابها القديم على الرغم من استلامها زمام المبادرة فيما أتيح لها كما في تشكيل مجلس الحكم الذي تلاعبت به أيدي الحاكم المدني في الوقت الذي كان يفترض به ان يعزز دوره في أوساط الشعب مما يمنحه مقبولية و ثقة تمكنه من اجتذاب الشعب العراقي والإيمان بما سوف تصير اليه الامور..
وسط تلك المعادلات انحسر الخطاب المقابل للشعب باغلبيتة الساحقة الذي شعر بطعم الحرية التي سلبت منه طيلة العقود المظلمة ،لاسيما أدائه شعائره الدينية والتفافه حول مرجعياته ،ليبقى مخلصا لأجندة معمدة بالدم والشهادة ،كان ينبغي على القوى العلمانية بالذات قراءتها بإتقان وتمعن لكي تجد في نفسها القدرة على احتوائه ،لاسيما بعد دخول السيد محمد باقر الحكيم(قدس) الى العراق من طرق غير طريق فلان وفلان أي انه لم يأت على ظهر دبابة أمريكية او بريطانية ،وإنما أتى على هتاف الملايين من ورثة المقابر الجماعية وأبناء الانتفاضة الشعبانية ،وكما هو متوقع ومؤمل ان يعلن هذا المجاهد توحده مع الشعب العراقي بكل طوائفه وأديانه ،ويجند نفسه للمرجعية الدينية ،لتتحول خطبه الاربعة عشر في صلاة الجمعة التي شهدها الصحن الحيدري ولأول مرة في تأريخه الى مقررات ومناهج عمل للمسيرة السياسية الفتية مقيمة مرة الأداء السياسي ومحددة مرة العلاقة مع قوات الاحتلال ومنتقدة بشدة دورها المنحرف في إدارة الملفات المختلفة وأهمها الملف الأمني الذي تبعثرت أوراقه وتطايرت في أول جريمة اغتيال قامت بها (القاعدة) حين فجرت مقر ممثلية الأمم المتحدة ومقتل السفير الاسباني ديميلو الذي ابّنه السيد الحكيم في اخر خطبه على انه اخلص إنسان عمل للشعب العراقي ،لتختم حياة السيد الحكيم في نهاية تلك الصلاة المقدسة بانفجار رهيب ذهب ضحيته اكثر من مائتي شهيد ،وتلك هي بداية المؤامرة!!!
الملايين التي شيعت شهيد المحراب أكثر من ثلاثة أيام بمسيرة متواصلة عمت أرجاء الجنوب والوسط وبغداد وغيرها ،يمكن اعتبارها التيار الفاعل في الساحة العراقية واذا ما جرت الفعاليات الانتخابية فلابد ان تكون الغلبة لهذا التيار ،فضلا عن التيار الصدري الذي نمى وتطور عقائديا من خلال صلاة الجمعة ومرجعها المقدس التي قمعها صدام باغتياله السيد الشهيد محمد الصدر(قدس)ليتجذر ذلك الى قوة سياسية لا يمكن تجاوزها ،فيما تنسجم مع الكتل الجهادية الأخرى لتشكل الائتلاف العراقي الموحد الذي اكتسح الاصوات المشاركة في الانتخابات متفوقا على الجميع باكثر من نصف البرلمان الحالي ،مما يؤهله لتشيل الحكومة العراقية بمفرده ودون حاجة لمزايدات الغير ،وتلك هي طبيعة الاستحقاق الانتخابي في الدستور العراقي ،ورغبة منه في عدم تهميش الاخرين وطي صفحات الماضي فانه سعى لتشكيل حكومة المشاركة الوطنية املا بان تكون حكومة وحدة وطنية تحمل على عاتقها بناء العراق الديمقراطي ودولة القانون ،لكن ذلك تحول الى عامل ضعف وإعاقة لمسيرة بناء البلاد بسبب ما بيّتت له القوى المشاركة من نوايا ملغمة بالطائفية وبأدران البعث ،وتتحول الى عامل مساعد في إجهاض التجربة الديمقراطية برمتها بعد ان نمت وترعرعت الجماعات الإرهابية الصدامية والتكفيرية بفضل بعض الكتل المجاهرة بمعارضاتها العامة لكل ما تطرحه كتلة الائتلاف المواحد ،مكفنة ذلك بسوء النوايا والاتهامات الجاهزة التي لا تستحيي او تتحرج من توجيهها الى الائتلافيين بمناسبة او اخرى ،لتنتهي بحكومة المالكي الى الزاوية الحرجة وقاعدة أما ان نكون او لا نكون !
ولان المشكلة هي تخلف القانون وغيابه في العراق ،فقد بوشر بخطة فرض القانون وهي بحقيقتها خيار لابد منه ،وقد أرادت الإدارة الأمريكية النأي عن فشل تجربتها في العراق فأعلنت إستراتيجيتها الجديدة التي ترتكز على قيادة القوات العراقية للملف الأمني وان تكون القوات المتعددة الجنسيات بدور الإسناد والتدخل عند الطلب ،وفعلا نجحت الخطة في أسابيعها الماضية وبدأ المواطن العراقي يشعر بقدرتها على فرض القانون في أماكن كانت تحت سطوة التكفيريين والصداميين ،لتعود من جديد الخطط المعرقلة والمخططات التآمرية لإفشال هذه الخطة ليتسنى للدكتور اياد علاوي طرح برنامجه الذي عرضه لوزيرة الخارجية الأمريكية التي رحبت به وهو تشكيل الحكومة البديلة او حكومة الإنقاذ !!
وما تلويح علاوي بالانسحاب من العملية السياسية بدعاوى الاصطفافات الطائفية التي هو الذي أسس لها ايام مجلس الحكم وفي حكومته المؤقتة ،وهو على يقين من ان الطائفية قد فرضتها الكتل المنافسة للأغلبية ،ففي مرحلة مجلس الحكم عد أياد علاوي وحميد مجيد موسى وغيرهما من العلمانيين على أنهما من الشيعة حصرا بغض النظر عن الأحزاب السياسة التي ينتمون اليها ،فأين يضع أياد علاوي وأياد جمال الدين واغلب أعضاء كتلة العراقية من الطائفة الشيعية أنفسهم، فهم من هذه الطائفة وتلك هي قسمتهم ،ولكن يبقى أملنا ببعض الأحزاب السياسية التي خبرت تحالفاتها مع البعثيين الذين سرعان ما نقضوا عهودهم وفتكوا بحلفائهم ،ان لا تذوب تلك الأحزاب في سراب المؤامرة !!
رسالة واحدة حاولت قوات الاحتلال تمريرها للجميع وهي التحرش بالسيد عمار الحكيم ،فانقلب الشارع الشعبي وبملايينه وهو قادر على بذل المزيد ،فما بال من يتعمد إجهاض حكومته واستحقاقاته التي ضحى من اجلها بالدم الطاهر وبآلاف الشهداء ؟!!الا يتعظ من حادثة النجف الاشرف؟!!!
https://telegram.me/buratha
