المقالات

شهر الفتن المطبخية والدرامية /


حافظ آل بشارة

كثير من الناس اصبحوا غافلين عما يعنيه شهر رمضان من العبادة والارتقاء والتكامل والتحرر مؤقتا من متطلبات عالم المادة ، المؤمنون وحدهم يفهمون هذه اللغة ويتفاعلون معها ، أما الاغلبية فمازال فهمهم للدين والصوم بسيطا وشكليا ، هم ضحايا الموجة التي ترسم لشهر الصوم صورة الفلكلور الشعبي ، صورة التقاليد الاجتماعية التأريخية ، مجرد طقوس دينية كطقوس الهندوس والسيخ ، وبذلك يفقد شهر رمضان قدرته التعبوية الاصلاحية ، فلم يعد موسما لصالح الاعمال والتوبة ، ويدخل في قائمة المناسبات العابرة ، واكثر من ذلك ربما مناسبة لتعزيز اللهو والاسراف ، هناك قوى تشجع الانغماس في التداعيات المادية والاستهلاكية لهذا الشهر ، شهر يتصاعد فيه استهلاك الاطعمة بكل اصنافها ، ويزدهر فيه التنوع السلعي والخدمي ، فينعش فئة واسعة من الشركات والاسواق فهو بالنسبة لها موسم انتاج وتسويق وعرض واعلان وارباح ليس اكثر ، لذا يتمنون ان تصوم كل شعوب الارض . فريق آخر ينظر الى شهر رمضان كفرصة لاستعراض فنون الطبخ واصناف الاطباق الشهية من مشويات ومطبوخات ومعجنات وعصائر ومثلجات ، تعرض على المشاهدين في اوقات الذروة من النهار الرمضاني الطويل بما يشكل استفزازا مؤلما ، تتحول الطباخة الماهرة شبه العارية على الشاشة الى رمز استثنائي من رموز شهر رمضان ! وتأخذ مساحة من الوقت والاهتمام بما يحقق تطويق قضية الصوم واختصارها في هذه الاهتمامات البطنية العابرة ، شبكة هائلة من القنوات والمواقع تتعاون بشكل لافت لتحقيق هذا المظهر الغريب ، نحن كشعب فقير لدينا الكثير من الناس ممن لا يستطيعون توفير وجبات جيدة لفطورهم او سحورهم ، بلد فيه هذا العدد الهائل من العاطلين عن العمل والأسر التي تعيش بلا معيل وهذا الفساد والطبقية الرأسمالية الجديدة التي تسحق تحت قدميها الثقيلين حشود الفقراء والمعوزين الذين يشكلون الطيف الاجتماعي الاكبر في البلد ، ومع الرواتب المتدنية لموظفي الدولة والمتقاعدين لا يستطيع الصائم ان يحظى بمائدة جيدة . فاذا خيم الليل وافطر الصائمون وشعروا بالاسترخاء الجسدي والنشاط الذهني ، بدأت تلك القنوات تقدم لهم مشاهد ما بعد الافطار ، وهي اشد خطورة ، تختفي الصحون الشهية والاطعمة والاشربة لتهاجمهم المسلسلات والافلام الاباحية التافهة الشكل والمضمون ، وهي تخاطب الغرائز وتتحدى العفة وتستفز الحشمة ، تتدحرج فيها اجساد النساء كتلا من اللحم المكشوف في سباق للدعارة المقنعة المغطاة بعناوين الفن والدراما ، هذه هي حرية التعبير التي كنتم بها توعدون ... المؤمنون والمؤمنات يشعرون أنهم الفئة الوحيدة التي تعيش حالة القمع والاضطهاد اليومي بلا سند ، تحاصرها جحافل الانحطاط الفضائي من كل جانب ، من حقهم ان يطالبوا بحماية الأسرة والطفل من المسلسلات الرمضانية التي هي اعلان حرب على الله وعباده وبلاده . المؤمن الصائم يقاتل على كل الجبهات ، مدن وبلدات فقيرة في هذا البلد ، لا كهرباء فيها ولا ماء ، في نهار تموزي تصل درجات الحرارة فيه الى ما يقرب الخمسين ، يقاتلون الحر والعطش والفقر وبرامج الطبخ البرجوازي والاباحية المنفلتة على الشاشة ، فهل من ناصر ينصرهم ؟

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
كلمة
2012-07-23
الله ينصرهم ان شاء الله مقالكم على منحى عالي من الرقي والاحاطة فجزاكم الله خيرا صدقاً اجد مسألة الفضائيات بسيطة هو اغلاق الستلايت لشهر واحد لن تموت العائلة لو ان شجاعا ً فعلها سيتشجع الباقون اصبح الامر معركة واضحة بين الحق والباطل ففعلا كان سابقا ً شيء مبطن الان واضح ان دينك هو المستهدف
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك