المقالات

التغيير والشخصية القيادية


عبد الكريم ابراهيم

نؤمنُ بحتمية التغيير الايجابي الناجم عن تلاقح الاجيال الفكرية في بودقة واحدة مع الحافظ على الهوية والخصوصية، والا فإن مجرد التغيير لا يمكن ان نطلق عليه هذا العنوان الذي يقودنا الى الوراء؛ لاننا وصلنا عندها الى نقطة الخلاف والصراع، كل فئة متمسكة بما لديها من مسميات وايديولوجيات، وهذا التنافر دعوة الى التشرذم والفئوية الضيقة التي لاتخدم سوى نطاق محدود من الجماهير.التغيير الذي قد يفهمه البعض على انه «موضة هوس» يصيب افراد المجتمع وينشر بينهم عنصر التقليد, وبالتالي يصبح هذا المفهوم مجرد وسيلة لا تحكمها الفكرة وبعد النظر. المخالفة وحب الظهور هي الغاية التي تحرك بعض اللاعبين في الساحة العربية، لان التغيير فقد دلالته التي جاء من اجلها، وهي ربط وتوأمة الافكار كي تعيش متآخية يكمل بعضها البعض. طبعا نحتاج الى سلامة العقل النظيف من الانحراف لدى القادة عند الشروع في التغيير او البحث عن القدوة في ظل النزاعات المتلاطمة الاطراف، المطلب الاخير بحد ذاته صعب المنال لوجود ضغوط خارجية وداخلية تسهم في عدم ولوج القدوة الى السطح، فضلا على جنوح الطبيعة البشرية الى الغريزة الفطرية التي لابد من وجود بعض رواسب النرجسية الكامنة، فقط بحاجة الى عوامل الاذكاء بطريقة ما.الشخصيات التي سعت الى التغيير واتخذته شعارا لها، كانت تملك الارادة والعزيمة للتخلص من الامراض النفسية، يدفعها عامل الايمان بضرورة ايجاد الحلول ومواكبة التطور الحاصل في شتى المجالات الانسانية. اهم شيء للشخصيات الساعية الى قيادة الامة امتلاكها جرأة المكاشفة والتصالح مع الذات، وجعل النفس مرآة عاكسة لصورتها في عيون الآخرين. القلة يستطعون التجرد من انانية الشخصنة ووسوسة وعاظ السلاطين، ولاسيما في ظل وجود مغريات جمة تحول بين هذا التحول الخطر.هنا لابد للتغيير من اداة محركة تقود سفينته نحو بر الامان، التخلص من عقدة الشعارات والتنظيرات التي تطلق في بعض الامكنة، بل على الشخصية القيادية ان تحوّل المد الجماهيري الى حالة ايجابية بما تملك من مؤهلات ذاتية ومكتسبة. ولعل وراء غياب الوضوح وعدم تحقيق نتائج ملموسة من الثورات العربية المعاصرة هو ضبابية الشخصية القيادية وعدم اتضاح ملامحها بشكل جلي لعامة الشعب العربي.اغلب الثورات العربية هي نتاج كبت سلطوي تفجر على شكل صدامات وتظاهرات قادها جيل من الشباب المتحمس للتغيير، لكن اللافت للنظر هو تعدد مصادر الثورات وعدم اتحادها على رؤية واحدة، ما عدا مفهوم التغيير لاجل التغيير. عدم وضوح الشخصية القيادية قاد الى تشرذم المطالب وتعدد الاهواء، وكانت النتيجة عدم الوصول الى نتائج ملموسة على ارض الواقع. وهذا ما حدث في العالم العربي، ما خلا البحرين، حيث أن هناك إجماعاً على وجود قيادة موحدة، والا فإن بقية الثورات العربية تكاد تكون ثورة بركان سرعان ما تهدأ في ظل غياب محور التوحيد والقطبية المركز.العراق هو الآخر ليس بمنأى عما يحدث من تغيير هذا الانفعال، لو قدر له ان يكون ايجابياً، لكن تشتت الرؤى وتجاذبات الاطراف حال دون الاستفادة من الحالة الديمقراطية، ولعل حكومة المحاصصة هي التي افرزت هذا الصراع الخفي والظاهر، حيث تعددت مصادر صنع القرار، ما افقد الحكومة الكثير من النجاحات، وجعلها تسير على قدم واحدة في ظل تحديات داخلية وخارجية، او بعبارة اخرى عدم الحسم في اتخاذ موقف في المسائل المصيرية، التي هي محل تجاذب دائما بين الاطراف المشاركة، وسعي كل طرف الى ان يعلب دور القائد والمحرك، مع الهروب من المسؤولية في الوقت نفسه، جعل الحكومة مقيدة وتراوح في مكانها في ضوء معادلة غريبة: ان تريد كل شيء ولا تعطي، وهذا مخالف لاصول اللعبة السياسية. ولعل القواعد التي حكم فيها العراق بعد التغيير عززت الاجندة القومية والمذهبية، بحيث لا يمكن التخلص منها وهي تحاول جر الجميع الى المربع الاول الذي ـ اصلا ـ لم يتحرك متراً واحداً!الايمان باحترام المعتقدات الفكرية والدينية والمذهبية لا تلغي مفهوم الشخصية القيادية، بل قد تكون دافعاً لجمع اللحمة العراقية حولها اذا امتلكت المقومات التي تجعلها محل ثقة الجميع واحترامهم، وحاكت تطلعاتهم من دون تمييز.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك