المقالات

مفارقات عربية - تركية!


عادل الجبوري

مثلما تحتاج الثورات والانتفاضات العربية التي تفجّرت منذ ستة أشهر من المغرب العربي لتمتد الى شرقه وبإيقاعات سريعة لم تكن متوقعة ولا محسوبة بالنسبة للكثيرين ـ حكاما وشعوبا ـ إلى قراءات موضوعية ودقيقة لاستخلاص العبر والدروس منها، فإن ايقاعات الحراك السياسي في تركيا التي تقع على مرمى حجر من العالم العربي، تحتاج هي الأخرى الى قراءات مماثلة.

وهنا لا بد من التوقف قليلا عند الواقع في عواصم العرب والواقع المختلف في أنقرة واسطنبول، وهي حافلة بمفارقات تنطوي على معانٍ ودلالات عميقة، وتمتزج فيها مشاعر الأسى والاستغراب.

ـ في عالمنا العربي هناك حكام استولوا على السلطة في بلدانهم قبل أربعة أو ثلاثة عقود، وخلال مدة حكمهم الطويلة اشاعوا الفقر والتخلف والجهل والبؤس والحرمان، وصادروا الحريات وبددوا الثروات واختلقوا الأزمات وأثاروا الحروب مع شعوبهم ومع جيرانهم، وحولوا دولاً كبيرة الى مقاطعات حزبية وقبلية لفئة قليلة من الاتباع والوصوليين والانتهازيين وأرباب السوابق!

وبرغم مرور تلك الفترات الزمنية الطويلة، فإنهم لم يكتفوا ولم يشبعوا، وبعد أن طفح الكيل لدى الشعوب، ثارت عليهم فلم يحتملوا الواقع الجديد فراحوا يلعبون بكل الأوراق حتى تلك التي كانوا يدركون مبكراً أنها خاسرة ومحترقة بالكامل. ما زالت تجربة نظام الحكم البعثي في العراق التي بدأت في الستينيات بالدم وانتهت بعد ثلاثة عقود ونصف بالدم أيضا، ماثلة للجميع وشاخصة في الأذهان والعقول. وكان الأحرى بزملاء صدام حسين ونظرائه أن يتوقفوا ويتأملوا طويلا فيما حصل لصدام وللعراق ليتجنبوا المصير ذاته، ويكفوا شعوبهم مواجهة نفس السيناريوهات المأساوية، ولكن شيئا من هذا القبيل لم يحصل، برغم أن كل المؤشرات والحقائق والمعطيات كانت ـ وما زالت ـ تؤكد بأن فرص بقاء الحكام الطغاة في العالم العربي باتت قليلة جديدة، إن لم تكن معدومة، مع تفاوت فترات البقاء، ارتباطا بظروف داخلية وخارجية وحسابات معقدة ربما لا تبدو واضحة وجليّة بكل جوانبها لعموم الناس.

ـ وهناك في تركيا تجرية حكم مختلفة رائدها حزب العدالة والتنمية الذي كان عدد من قادته ورموزه ـ ومنهم رئيس الوزراء الحالي رجب طيب اردغان ـ الى وقت قريب مطاردين ومحاصرين من قبل المؤسسة العلمانية الحاكمة بشقيها المدني والعسكري.

هذه التجربة التي ولدت وانطلقت في ظل مناخات وأجواء ملبدة وتحديات ومخاطر صعبة نجحت في أن تمد جذورها في أرض بدا للكثيرين أنها غير مهيأة لاحتضان نبتة غريبة! ولكن الحكمة ورجاحة العقل والتقدير الصائب للأمور، وقراءة الواقع بصورة موضوعية ومعرفة متطلبات واحتياجات المجتمع المادية والمعنوية معا، والاتجاه للعمل عليها، هي التي جعلت حزب العدالة والتنمية، ذا الهوية الاسلامية، يهيمن على المشهد السياسي العام في دولة علمانية عمرها تسعة عقود، ولم يكتف مؤسسوها والقائمون عليها من أساطين السياسة وجنرالات العسكر بتهميش وتغييب وإهمال الدين، بل حاربوه بكل الأدوات والوسائل، وعملوا على تذويبه بالكامل، واداروا ظهرهم الى العالم الاسلامي ليتوجهوا الى العالم الغربي ويطرقوا أبوابه، لكنهم بقوا على الابواب ينتظرون لعقود ولم تشفع لهم كل سياساتهم مواقفهم وتوجهاتهم من الدين، وكانوا وكان العالم بأسره يستشعر ويدرك الانتظار التركي الطويل والمذل على أبواب الغرب، الى أن جاءت تجربة العدالة التنمية لترسم وتصوغ واقعاً جديداً وتصنع حقائق مختلفة عن حقائق الامس، من بينها تحقيق قدر لا بأس به من التعايش السلمي في الداخل، وإعادة الهوية الحقيقية لتركيا والمجتمع التركي، واستعادة الهيبة المفقودة والضائعة، وأكثر من ذلك احتلال مواقع مهمة على الساحتين الاقليمية والدولية عبر سياسة خارجية بناءة وحكيمة، والاضطلاع بأدوار محورية في الكثير من الميادين.

ولنا ان نتساءل كما يتساءل غيرنا إلى اين يتجه العرب؟ وأين يتجه الاتراك وشعوب اخرى في عالم اليوم؟من الواضح جداً اننا سرنا طويلا في الاتجاهات والمسارات الخاطئة، وتصحيح تلك الاتجاهات والمسارات يتطلب ثمنا باهظاً ووقتا طويلا وتضحيات جساماً. ومن الواضح أنهم ـ حزب العدالة والتنمية على الاقل ـ ساروا في الاتجاهات والمسارات الصحيحة والصائبة. لذلك ليس من الغريب أن نجد معظم حكامنا مثل معمر القذافي وعلي عبد الله صالح، يبدون أقصى درجات الاستعداد لتدمير شعوبهم وبلدانهم من أجل البقاء، ونجد عبد الله غول ورجب طيب اردوغان ورفاقهما يحصلون على ثقة غالبية الشعب التركي ـ بإسلامييه وعلمانييه ـ من أجل مواصلة البناء والنهوض والإعمار بدلا من التدمير والتخريب والفناء.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك