المقالات

مفارقات عربية - تركية!

675 15:38:00 2011-06-21

عادل الجبوري

مثلما تحتاج الثورات والانتفاضات العربية التي تفجّرت منذ ستة أشهر من المغرب العربي لتمتد الى شرقه وبإيقاعات سريعة لم تكن متوقعة ولا محسوبة بالنسبة للكثيرين ـ حكاما وشعوبا ـ إلى قراءات موضوعية ودقيقة لاستخلاص العبر والدروس منها، فإن ايقاعات الحراك السياسي في تركيا التي تقع على مرمى حجر من العالم العربي، تحتاج هي الأخرى الى قراءات مماثلة.

وهنا لا بد من التوقف قليلا عند الواقع في عواصم العرب والواقع المختلف في أنقرة واسطنبول، وهي حافلة بمفارقات تنطوي على معانٍ ودلالات عميقة، وتمتزج فيها مشاعر الأسى والاستغراب.

ـ في عالمنا العربي هناك حكام استولوا على السلطة في بلدانهم قبل أربعة أو ثلاثة عقود، وخلال مدة حكمهم الطويلة اشاعوا الفقر والتخلف والجهل والبؤس والحرمان، وصادروا الحريات وبددوا الثروات واختلقوا الأزمات وأثاروا الحروب مع شعوبهم ومع جيرانهم، وحولوا دولاً كبيرة الى مقاطعات حزبية وقبلية لفئة قليلة من الاتباع والوصوليين والانتهازيين وأرباب السوابق!

وبرغم مرور تلك الفترات الزمنية الطويلة، فإنهم لم يكتفوا ولم يشبعوا، وبعد أن طفح الكيل لدى الشعوب، ثارت عليهم فلم يحتملوا الواقع الجديد فراحوا يلعبون بكل الأوراق حتى تلك التي كانوا يدركون مبكراً أنها خاسرة ومحترقة بالكامل. ما زالت تجربة نظام الحكم البعثي في العراق التي بدأت في الستينيات بالدم وانتهت بعد ثلاثة عقود ونصف بالدم أيضا، ماثلة للجميع وشاخصة في الأذهان والعقول. وكان الأحرى بزملاء صدام حسين ونظرائه أن يتوقفوا ويتأملوا طويلا فيما حصل لصدام وللعراق ليتجنبوا المصير ذاته، ويكفوا شعوبهم مواجهة نفس السيناريوهات المأساوية، ولكن شيئا من هذا القبيل لم يحصل، برغم أن كل المؤشرات والحقائق والمعطيات كانت ـ وما زالت ـ تؤكد بأن فرص بقاء الحكام الطغاة في العالم العربي باتت قليلة جديدة، إن لم تكن معدومة، مع تفاوت فترات البقاء، ارتباطا بظروف داخلية وخارجية وحسابات معقدة ربما لا تبدو واضحة وجليّة بكل جوانبها لعموم الناس.

ـ وهناك في تركيا تجرية حكم مختلفة رائدها حزب العدالة والتنمية الذي كان عدد من قادته ورموزه ـ ومنهم رئيس الوزراء الحالي رجب طيب اردغان ـ الى وقت قريب مطاردين ومحاصرين من قبل المؤسسة العلمانية الحاكمة بشقيها المدني والعسكري.

هذه التجربة التي ولدت وانطلقت في ظل مناخات وأجواء ملبدة وتحديات ومخاطر صعبة نجحت في أن تمد جذورها في أرض بدا للكثيرين أنها غير مهيأة لاحتضان نبتة غريبة! ولكن الحكمة ورجاحة العقل والتقدير الصائب للأمور، وقراءة الواقع بصورة موضوعية ومعرفة متطلبات واحتياجات المجتمع المادية والمعنوية معا، والاتجاه للعمل عليها، هي التي جعلت حزب العدالة والتنمية، ذا الهوية الاسلامية، يهيمن على المشهد السياسي العام في دولة علمانية عمرها تسعة عقود، ولم يكتف مؤسسوها والقائمون عليها من أساطين السياسة وجنرالات العسكر بتهميش وتغييب وإهمال الدين، بل حاربوه بكل الأدوات والوسائل، وعملوا على تذويبه بالكامل، واداروا ظهرهم الى العالم الاسلامي ليتوجهوا الى العالم الغربي ويطرقوا أبوابه، لكنهم بقوا على الابواب ينتظرون لعقود ولم تشفع لهم كل سياساتهم مواقفهم وتوجهاتهم من الدين، وكانوا وكان العالم بأسره يستشعر ويدرك الانتظار التركي الطويل والمذل على أبواب الغرب، الى أن جاءت تجربة العدالة التنمية لترسم وتصوغ واقعاً جديداً وتصنع حقائق مختلفة عن حقائق الامس، من بينها تحقيق قدر لا بأس به من التعايش السلمي في الداخل، وإعادة الهوية الحقيقية لتركيا والمجتمع التركي، واستعادة الهيبة المفقودة والضائعة، وأكثر من ذلك احتلال مواقع مهمة على الساحتين الاقليمية والدولية عبر سياسة خارجية بناءة وحكيمة، والاضطلاع بأدوار محورية في الكثير من الميادين.

ولنا ان نتساءل كما يتساءل غيرنا إلى اين يتجه العرب؟ وأين يتجه الاتراك وشعوب اخرى في عالم اليوم؟من الواضح جداً اننا سرنا طويلا في الاتجاهات والمسارات الخاطئة، وتصحيح تلك الاتجاهات والمسارات يتطلب ثمنا باهظاً ووقتا طويلا وتضحيات جساماً. ومن الواضح أنهم ـ حزب العدالة والتنمية على الاقل ـ ساروا في الاتجاهات والمسارات الصحيحة والصائبة. لذلك ليس من الغريب أن نجد معظم حكامنا مثل معمر القذافي وعلي عبد الله صالح، يبدون أقصى درجات الاستعداد لتدمير شعوبهم وبلدانهم من أجل البقاء، ونجد عبد الله غول ورجب طيب اردوغان ورفاقهما يحصلون على ثقة غالبية الشعب التركي ـ بإسلامييه وعلمانييه ـ من أجل مواصلة البناء والنهوض والإعمار بدلا من التدمير والتخريب والفناء.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك