المقالات

الشهوات السيّاسيّة


بقلم: سماحة السيد حسين الصدر

قال الشاعر :اذا المرء أعطى نفسه كلّ ما أشتهتْ     ولم يَنْهَها تاقتْ الى كلّ باطلِ وساقت إليهِ الإثم والعـــــــــار بالذي     دَعَتْهُ إليهِ من حلاوةِ عــــاجِلِ النفس البشرية عالَمٌ مليءٌ بالأسرار .....ومن هذه الأسرار أنها ذاتُ شهيّة مفتوحة ، على ألوانٍ وألوانٍ من الرغائب، التي لا تقف عند موضوع واحد أو حدّ معين .ويُخطأ من يعتقد أنّ أكبر شهوات النفس ،هي الشهوة الجنسية .أنها لاشك من أعظم الغرائز ،وأشدّ الشهوات ، ولكنها ،لا تبقى مستعرةً لاهبه الى الأبد .فمع بلوغ الانسان مرحلة معيّنة من العمر ، ينطفئ سعار الجنس ، وتفتر شهوته الى حد بعيد .هذا بخلاف شهوة الحكم والسلطة ، فانها تشتد مع الأيام والسنين ضراوةً واستعاراً ، فلا أحد يشبع من السلطة ، حتى أذا تجاوز الثمانين ....ودونك تجربة الرئيس المصري السابق ، حسني مبارك ، وقد تجاوز الثمانين وحكم ردحاً طويلاً من الزمن ، فهل بادر الى التنحي عن السلطة استجابة لرغبة الجماهير أم أنه تشبث بالكرسي حتى أخر لحظة ؟وراح يدفع الان ثمن تلك المماطلة ،ولا ندري على وجه التحديد ماذا سيكون مصيره النهائي ؟هل سيُحكم عليه بالسجن ؟هل سيُحكم عليه بالأعدام ؟هل يستجاب لنداء مشيخة الشيخ الأزهر ، في التعامل معه بالرفق والتسامح؟ان المؤشرات الموجودة بين أيدينا ،لاتشي بالأستجابة لذلك النداء ، بعد أن سلط الرجل أجهزة الأمن المركزي على شعبه، يسمونه سوء العذاب ....والمثال المعاصر الآخر :حاكم اليمن ، وقد قارب السبعين من عمره ، وأمضى أكثر من ثلاثة عقود في السلطة ، ولم يزل حتى الان ، زئبقي المزاج ، كثير التلاعب والتحايل ، لا على شعبه ومعارضيه فحسب ، بل حتى على أشقائه الخليجيين الذين مُنيتْ مبادرتُهم بالتعليق ، بعد سلسلة غريبة من المراوغات ،ولقد أقتربت الأوضاع في اليمن ، الى الحدّ الذي أصبحت فيه (( الحرب الاهليه )) مدار حديث المراقبين والسياسيين والمتابعين للشأن اليمني .وما يقال في حاكم اليمن يقال في ( القذافي ) وبدرجات أكبر من النرجسية والبربرية والتوحش .إنّ من خصائص النفس البشرية ، أنها ذات طموحات وآمال عراض ، لا تقف بالضرورة ، عند حدود العقلانية والشرعية والأعتدال .وليس ثمة شيء أسهل ، من تقديم المبررات للمواقف السياسية التي يتخذها الحكام ....وهي عند التمحيص لا تصلح دليلاً على صحة ما يقولون ، ان لم يكن العكس هو الصحيح .وهكذا تبرر الحاجة الى كبح جماح النفس ، وضبط أيقاعات توجهاتها المشوبة بأعلى درجات الشهوة السياسية ، على حساب مصالح الأمة ومصالح الشعب والوطن .ان الرادع الحقيقي ينبع من داخل الذات .انه الضمير الحّي المرهف الذي يأبى كل ألوان الدنس والباطل .ولكن أين هو هذا الضمير ؟قال الشاعر :نام الضمير وأغفى وأطفأوا أنوارَه ومع ضعف هذا الوراع الداخلي ، أو أنعدامه فان توجهات النفس يمكن ان تقود الى أبشع الكوارث والأزمات على مختلف الصعد والمستويات .ما معنى افراغ البرلمان من ( المعارضة ) ؟أليست هذه العملية ، شهوة سياسية محمومة لتمرير ما يراد تمريره دون عائق ؟ومشكلة العراق اليوم ، ان شهوات المسؤولين قد أُطلق لها العنان ، فلم تعد تكتفي بأن يكون لها موقع متميز في شؤون البلاد والعباد ، وأنما سعت للأستحواذ على كل شيء ، وتهميش الآخرين ، والنظر الى كل ما يقع من فظائع في الجانب الأمني، وقضايا الفساد المالي والإداري ،بدم بارد ، وحسّ جامد .ان يوم الأحد 22/5/2011 ،كان أحد الايام الدامية في بغداد .ان نحو ( مائة ) انسان بريء وقعوا بين شهيد وجريح .انه رقم مذهل ،قد يكون أكبر مما تشهده بعض الحروب الضارية بين دولتين في يوم واحد ..!!ومع ذلك كله ، فان الوزارات الأمنية ، التي يفترض ان تكون هي المسؤولة عن حماية أرواح المواطنين شاغرة حتى الآن ..!!وتثور بأستمرار عواصفُ التشنج والاحتقان بين المتصارعين ، فتزيد المواطن تعجباً واحباطاً ، ثم تبدأ ( المساعي الحميدة ) لتلطيف الأجواء، لتعود بعد ذلك دورة جديدة على غرار سابقاتها ...!!!إن استحداث منصب النائب الثالث / لرئيس الجمهورية مثلاً، والإصرار على ان يكون لشخص معين ، رغم نهي المرجعية الدينية العليا من جانب، ورفض الجماهير العراقية ، والكثير من السياسيين العراقيين من جانب آخر ، هو من أبرز ملامح ( الشهوة السياسية ) التي اصطبغ بها المشهد العراقي .أما شهوة امتلاك الثروات ، والتوسع في شراء العقارات في شتى الأقطار وفتح الحسابات المصرفية في البنوك الأجنبية فأن عفونتها تزكم الأنوف ..!!من كان لا يملك بالأمس ، ما يستطيع به تدبير أمور منزله ، أصبح اليوم من كبار الأثرياء ، ولا أحد ممن حوله يسأله :من أين لك هذا ؟ولماذا أختفى هذا السؤال ؟السبب واضح انهم في هذه القضية متشابهون ، فالسؤال يرّتد على صاحبه ، ولذلك ، فلا يثيره أحدٌ منهم ...!!وشهوة زرع الأبناء ،والأقرباء ،والانسباء ،والأنصار ،وأصحاب الولاء الشخصي ، في المواقع الحساسة من أجهزة الدولة ، على حساب المعايير الموضوعية ، هي الأخرى ، مظهر من مظاهر الاستجابة لشهوات النفس الأمارة بالسوء .والالاف المؤلفة من الخريجين والمؤهلين لشغل تلك المناصب ، لا يفكر بهم أحد ، ولا ضير عند أصحاب الشهوات المذمومة ، من أن يلجأ الجامعيون اللامعون الى الأرتزاق بأبسط الأعمال ، وأن يتحولوا الى سائقي مركبات للأجرة ..!!ان الثغرات الموجودة اليوم في مختلف القطاعات العراقية أكبر من أن تحصى وتعّد ، ويحار المرء في ما يذكر منها وما يدع ان لجنة النزاهة النيابية يتعذر عليها الحصول على المستندات والوثائق الرسمية لعقودٍ شراء المعدات العسكرية ، بداعي أنها أسرار !!ولا أدري هل تُكتم أسرار الدولة عن ممثلي الشعب ؟اذن فمن الذي يحق له أن يطلّع على الأسرار ؟و "فوضى " التصريحات المتضاربة ، التي يطلقها المسؤولون ، تزيد الوضع المتأزم شدّة وحدّة ..!!وهكذا تتضح للعيان ضرورة المراجعة الشاملة لكل المسارات السياسية والأمنية والأقتصادية والعسكرية ، فضلاً عن برامج تقديم الخدمات للمواطنين ، والقضاء على البطالة ، والأصغاء الحقيقي لمطالب الجماهير المشروعة ،وحقها في الحياة الحرة الكريمة ، اللائقة بمواطني بلد عريق حضارياً ، وغنيّ بثرواته ومعادنه ، وغني أيضاً، بأبنائه البارعين الموهوبين في حقول العلم والفكر والأدب والثقافة والأعلام والفنون .حســــين الصــــدر www.al_majmaa15@yahoo.com

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
زين العراقي
2011-05-31
هل من المنطقي ان يدفع المواطن البسيط قائمة صراعات ومراهقات ساسته اللذين تسلطوا على رقابه بشرعية ديمقراطية او بانقلاب ؟؟ هل من المعقول ان يدفع رجل الشارع البسيط صراع الكرسي بين المالكي وعلاوي؟؟ لماذا هذه النظرة ان الشعوب قاصرة ونحن فقط من نستطيع قيادتها وكانها غنم وليس بشر؟؟ لماذا نبرة ومرض القائد الضرورة يصيب القيادات في العراق لا بل وتسعى الكتل بكل اسلحتها حتى الخبيثة باظهار امكانياتها التخريبيه!!!!
زهراء محمد
2011-05-30
السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته سماحة السيد الصدر: سيدي العزيز نعم الانسان واصحاب القرارمنهم تبان خباياه عند الشدائد وعند الاختبار(المناصب) مشاهد الظلم والاجحاف بحق العراقيين أمامهم كل يوم: انا واحدة من أولئك ظلمت بقسوة بعد تهجيرنا في ليلة ظلماء، صودرت املاكنا المنقولة وغير المنقولة كلها وفوق هذا قتل من اخوتنا ١٢ شابا نتيجتها، لم يسمحوا لنا حتى بأخذ صور اخوتي الشهداء معنا حينها.. بقت صورهم في ذاكرتنا لليوم ونحن نصارع يوميا بان نحتفظ بشبح صورهم ونكابد على ان لا تنمحي تفاصيل تلك الذكريات وشخوصه
مروان العاني ابو الحكم - بغداد الاعظميه
2011-05-30
سماحة السيد المحترم - يبدو ان العالم الثالث او بالاحرى العربي والاسلامي مبتلى بزعماء يرون انفسهم فوق البشر فالانسان الذكي والحاذق عند تواجده في مجتمعا ما يتصور ان جميع المحطين به هم اذكى منه فتراه يكون حذرا ويتشاور ويسمع ولا يدعي هو الاصوب ومن ثم يعطي رأيه للتشاور به اما الانسان الغبي يتصور عكس ذلك فجميع الناس دون علمه وعبقريته وعلى الجميع التصفيق له لآنه هبة السماء فتراه العبقري بالامن والاقتصاد والسياسه فيكون ديكتاتور مستبد برأيه وهذا حالنا في السابق واليوم ولربما في المستقبل وهذا ينطبق على
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك