المقالات

قصص لاتنطوي 4 في السجن .. رحلتنا مع الموت

2039 09:59:00 2010-11-29

زهراء محمد

مالذي يجعل الانسان ان يبكي؟ هل هو الفقر او القدر ام الطغاة؟؟؟ الفقر يعتمد على قدرة وصبرالانسان ومدى قناعته وتحمله لمصاعب ومتطلبات الحياة؟؟ القدر انا اعتبره امرا محسوماً من السماء !! او انه ربما انذار وفي اكثر الاحيان فيه الكثير من العبر والحكم إن اجتازها الانسان!! وربما يتعرض او لا يتعرض للقدر الممتحن خلال فترة من حياته؟! أما الدهر لو يبتليك ويأتيك بطاغية ومجرم من طوايا المجهول فهي الطامة الكبرى وذلك هو المبكي؟؟ انا واحدة من الالاف من العراقيين الذين ابكاهم الطاغية الدموي صدام .. ابكاني بفقد الاحبة .. ابكاني يوم هجرت قسرا من العراق .. ابكاني عندما أتلفت يمنة ويسرة لارى الاحبة قد فارقونا ولأرى إن كل شى جميل قد انجلى وحل محله القبيح والمؤلم!!ذاك الطاغية الذي قتل وسلب منا اجمل سننين عمرنا وذكرياتنا الحلوة في عراقنا..فكم من نفس زكية قد قتل، حتى الجنين لم يسلم من عتاوته، وكم من رؤوس لفتية كانت ترمى في الطرقات المظلمة دون واعز او سبب فقط لارهاب الشرفاء وغير المتعاونين مع آلته من المخبرين والبعثيين؟!

منذ ان تسلم الطاغية صدام الحكم بدات الاحزان تنساب الى بيوت العراقيين الآمنة، ذاك الذي كان يكره كل شى جميل، لذلك سرق من العراقيين كل شى جميل لتحل محله الدموع والآلام التي لن تهدأ حتى بتجاوز العد والعديد من السنين! اذكر بعض الاحداث التي مرت علينا قبل وعند التهجير...من هذه الاحداث في نهاية السبعينات بدا الحقد البعثي يظهر علنيا وكان الحزب المجرم يكافأ كل من كان يقدم التقارير الدسمة مقابل المناصب او قليل من المال ..وما اكثرهم ؟! ومن ضحايا الوشاة هؤلاء: كان ابن عمي الشهيد عمران حيث القي القبض عليه نتيجة تقرير كاذب وكيدي، حينها كان مدير احدى الشركات وانتهى الحال به في قصر النهاية ...كان هذا الشاب وسيما وذا قامة اختفى في دهاليز الأمن العامة لقرابة عامين؟؟ عمي والده دفع اموالاً طائلة ووسّط الكثير ليهتدي اليه. سجن مع أربعة من زملاءه على اثر وشاية احد موظفيه من البعثية المجرمين الذي كان همه أن يأخذ مكان عمران بكل الطرق والوسائل فلم يجد أيسر من يستعين بآلة البعث الجاهزة الصنع وهي كتابة تقرير كاذب بحق عمران وأربعة موظفين زملاء له، حتى لا تمر إلا إيام قليلة لتداهم قوى اللا أمن دائرتهم ليختفوا منها، ولتبدأ رحلتهم المرعبة في سراديب التعذيب الرهيبة، لاجبارهم على جرائم وتهم سطرهّا لهم ذلك المعدوم الضمير.. وليعتلى الواشي المنصب الذي لطالما كانت ضالته المنشودة.. هؤلاء الخمسة اشخاص اعدم ثلاثة منهم وافرج عن إثنين منهم من ضمنهم كان ابن عمي عمران!! خرج في الثمانينات ولكنه خرج بهيئة شخص آخر لا نعرفه: هزيل، ضعيف القوى، حتى قامته صارت قصيرة من اثر التعذيب، فقد البصر في إحدى عينيه من جراء التعذيب، افرج عنه ليلقى القبض عليه مجدداً بعد أشهر قليلة حين قبض علينا جميعا.. وكانت نهايته القتل ...

احد ابناء اعمامي: الشهيد علاء منذ ان كان طالب ثانوية في كلية بغداد كان مطاردا من الامن والمخابرات للدخول في حزبهم المقيت ثم من بعده اخيه الاصغر الشهيد فلاح كان ملاحقا ايضا..لانه كان مرات يصلي في الكاظمية او جامع براثا ففي احد الايام القي القبض عليه وإختفى لأشهر لا نعرف اين هو ؟؟ خرج بعدها فاقد الاعصاب يخاف من كل شي، هذا الشاب كان ذو درجة عالية من الذكاء، دفع عمي الكثير الكثير من اجل ان يطلق سراحه.. بات هذا الشاب الصغير في بعض الاحيان لا يتذكر حتى اسمائنا؟؟ هو أيضا كان ضحية لوشاية من لم يمتلك ضميراً بالمرّة حين وشى به بتقرير ليثبت لمسؤوليه مدى ولائه لحزب البعث.ابن عمتي الشهيد ماجد حيث خرج في في منتصف السبعينيات للدراسة في هولندا .لكن رجوعه لزيارة الاهل في العراق كان نصيبه الحجز والسجن.. وآخرون من الاقارب منهم طارق ورسول ونبيل ووهاب واحمد و مجيد وو.. والكثير من اقاربي الذين لاقوا نفس المصير.. أما مأساة اخي الشهيد ابراهيم الذي رشحة عميد جامعة السليمانية حيث كان يدرس رشحه للدراسة خارج العراق لانه كان من المتفوقين.. ابراهيم كان له صديق من اهل السليمانية ناشطا سياسيا على ما يبدو.. ففي صباح أحد الايام وفي طريقهم الى الجامعة، اقتربت منهم سيارة وخرج احد مرتزقة صدام القذرين واطلق على رأس صديق أخي رصاصة أردته قتيلاً في الحال، وإلتفت لأخي وقال له بلهجة تهديد: وانت سياتي دورك عندما نقرر ذلك !...تسببت هذه الحادثة لابراهيم الكثير حيث بات يعاني من التوتر والانفعالات العصبية والكآبة لى طول الوقت والتزم البيت.اتذكر ابراهيم ورغم صغر سنه كيف كانت له اخلاق اسلامية! رغم مما كان يعانيه هو، كان يواسينا، كان لطالما ما يردد قولاً على مسامعنا ـ على ما أذكر منه - (هذه الدنيا انما هي دار ممر لدار مستقر) عن الامام علي (ع) .. وذهب لدار مستقره لدى باريء رحيمولكن كم كانت رحلتهم قصيرة؟ رحلوا وبقيت انا ابحث عن ذكرياتهم الموجعة ... اعود الى ليلية الهجوم على بيوتنا؟! هجموا علينا في ليلة ظلماء حتى اضوية حدائقنا الامامية والخلفية سرقت قبل ليلة بفعل فاعل؟؟!! وعندما أخرجونا من بيوتنا كان الشارع مظلما تماماً حيث اطفئت اضوية أعمدة الشوارع التي تحيط بيوتنا وكأنه انزال عسكري !!وسجننا وسرقت كل مانمتلك ؟؟..لماذا ماذا فعلنا ماجنينا ولماذا كل هذا الارهاب ياترى؟؟تلك الليلة كنا نراهم كيف يسرقوننا ولا نستطيع ان نفعل شى.. اتذكر ابي حين قال لكبيرهم شنو هذا الجرم الذي اقترفناه حتى تهجموا علينا في انصاص الليالي وبهذه الطريقة؟ فيجيب احدهم: حجي هذه اوامر سرية؟؟!!كم هو مؤلم وانت ترى المجرمين والحرامية يسرقونك وامام عينك؟؟!! في خضم المعمعة اخذت صورة كانت تجمع اخوتي ابراهيم وفاضل كانت جديدة التقطوها، ليأخذها أحدهم مني بقوة ويقول: ممنوع تأخذي اي شى من البيت؟؟!! فقلت له لكن هذه صورنا، صور اخوتي لا اريد اتركها.. لم يسمحوا لنا حتى بأخذ بعض الصور.. حصلنا على صور قديمة لهم من احد الاقرباء خارج العراق. وحصلت على صورة اخي مصطفى من اخي الكبير الذي كان وقتها خارج العراق..فتحوا ابواب دواليبنا وبدأت حملات السرقة والنهب احدهم قال لي لا تأخذي الذهب والمجوهرات هذه تابعة للحكومة؟؟!! قلت له هذه المجوهرات تخصني نحن لم نسرقها قال لا لا .. نسمح لك .. تأخذيها الى الخميني!! أما هو فقد ملء جيوبه بها.. آلمني ذلك وقتها كثيرآً.. والدي قال زهراء اتركيه لياخذ مايريد.. أبي كان يحاول أن لا نستفزهم. الذين دخلوا بيتنا كانوا اكثر من ستة من رجال الامن وكلهم مدججين بالسلاح.. واحدهم ذو شطبة على خده القذرة.. كان يحمل رشاشة في يديه، ومسدس في حزامه. ولن انسى شكله ابدا هذا المجرم ضرب اخي ابراهيم باخمص رشاشته على وجهه واسقطه ارضاً مدميا صرخت فيه، ووالدي يهدأ فينا‪. ضربه لا لشيء سوى لإن ابراهيم رمقه بنظرة حادة عندما بدأ يدفعه وأخوتي الى داخل غرفة الجلوس ليجمعونا فيها‬ذاك الشخص رأيناه عدة مرات على الفضائيات قبيل وبعد السقوط!! وهو نفسه هرب من العراق بعد ان سرق الملايين (وكان وقتها مسؤولاً - بعد السقوط ـ) !!! سرقوا الاموال والمستندات كلها!!! بعد التحقيق وعزل الاخوة عنا في احد البيوت قرب ساحة محسن الكاظمي .. ثم بعد الاستجواب لمرة تلو أخرى.. رحلونا من منطقة الربع الى أمن الكاظمية، وحين دخولنا ذاك المكان سمعت احدهم يقول للاخر اليوم قاسم ينام رغد!! وقاسم هو ذاك رجل الامن القذر الذي كان يسكن بيت عمي المجاور لبيتنا، استولى عليه بعد هجّر عمي مع من هجّر من تجار غرفة بغداد..

بقينا هناك في أمن الكاظمية ليلة حيث البنات والنساء في غرفة واحدة والرجال في غرفة. ثم في الصباح قادونا الى (الأمن العامة) حيث استقبلنا ضابط قذر قال انتم الان في الأمن العامة؟ وبدأو باستجوابنا واحداً واحداً صغيرنا وكبيرنا، أما اخوتي واولاد اعمامي عزلوهم وبقوا في أمن الكاظمية.. كانت ممرات الأمن العامة مفروشة بالسجاد الاحمر؟؟ وعند مرونا في تلك الممرات الضيقة، كنا نسمع صراخ مرعب كانه يأتي من السراديب او من غرف على الجوانب.. حيث قادونا احدهم قال اسمكي زهراء فقلت له نعم اسمي زهراء فقال تعالي الضابط يريد ان يتكلم معكي والدي قال انا اذهب لمقابلته. فرده حجي يجي سراك هو يريد زهراء ؟ الضابط كان ذو شوارب عريضة قبيحة وله شكل اجرامي مرعب سالني زهراء عندك أخوين في الخارج.. لماذا هم هناك؟ ولماذا هم هربوا؟ اعطيني عناوينهم اعطيني الجواب حتي اتخلصي بسرعة فكان والدي خارج الباب لم يسمح له القذر الاخر بالدخول، كنت اسمع صوت والدي وهو يصرخ ويريد ان يدخل.. فقلت له اخوتي لااعرف عنهم اي شي خرجوا منذ سنين واعوام طويلة حتى لا نعرف اين هم ماذا يدرسوا فقال يعني مو بالمانيا؟ يعني مو في اسكوتلندة؟؟ فقلت له ماعرف اذا انت تعرف ليش تسألني؟ فقال اين معمل والدك فقلت لااعرف اين هو ما هي املاك والدك؟ فسمعت والدي يقول وهو يدخل الى الغرفة عنوة: يا إبني آني اعطيك الجواب !! فقال واللّه لو طلع جوابك غلط زهراء بعد ماتشوفهها بحياتك يمكن احنه انسفركم لكن زهراء مااعتقد تروح وياكم .. رايت والدي ينحب عندما كان يتكلم كانه يبكي لم ارى انهياره هكذا حيث ابي كان ذو قوة وباس شديد.. ثم قال تعالوا خلي انريحكم اشويه، غرفته كانت فيها بابين ادخلنا من باب خلفية تقود الى ممر اظلم وفيه ابواب على الجوانب .. فتح وباستتهار أحد تلك البيبان.. رايت بنات ونساء (لااستطيع ان اصفهم) يبدو على كثير منهن انهن مكثن هناك لمدة طويلة (وليعذرني إخوتي القراء - في وصف مختصر لهؤلاء الحرائر - الذين دنستهن ايادي المجرمين - ولكن أمانة للتاريخ على ان أذكر ولو باختصار شديد حالتهن وإن كان الى يومنا هذا أجد ذلك صعبا علي - من أجلهن هن) نساء عاريات، شعر رؤوسهن كث وطويل.. واحدة تحتمي بالاخرى عندما سمعن صوت المجرم ومعهن اطفال صغار يبكين من الرعب.. كدمات على اجسادهن.. والدي لم يستطع الوقوف على قدميه اشاح بوجهه وجلس على أرص الممر ينحب ويقول - الله في عونكن .. نعم كن عراقيات من محافظات الجنوب على وجه التحديد.. احداهن بدأت تلطم عندما راتني؟ أما المجرم تركنا في الممر وهو يعود الى غرفته مقهقها وباستهتار وعنجهية ويردد كلمات نابية.. بقينا انا والدي في ذاك الممر المظلم لمدة طويلة كنت احس بخوف عارم عندما رايت ابي منهار بدرجة لا توصف فكان يقرأ آيات قرانية ودعائه اللهم لااعتراض في حكمك وقضائك لكن الرحمة والطف فيه.. طول الوقت يردد ويدعو الله بان يخلص هؤلاء الحرائر من محنتهن .. يسمع اصواتهن وهن ينحبن ويضرب كفاً بكف ،ه، يردد لا حول ولا قوة الا بالله العلي العليم.. وبصوت يغلبه البكاء يخاطبهن: يا أخواتي حسبكن الله ونعم الوكيل .. اللهم أعنهم في محنتهن.. واحدة تقول انها من كربلاء، وثانية من النجف، وأخرى من بغداد وو.. تحار الكلمات في وصف الموقف .. ولكن لا أظن ان أحد منهن نجت من ايدي هؤولاء الحرائر.. اللهم انت العالم بشدتهن في تلك الظروف في غرفة أخرى رايت رجلاً كبيرا في السن ربما في عقده السابع ويبدو هيئته انه من جنسية اجنبية، وهو ايضا يبدو عليه انه كان نزيلهم ولفترة طويلة وكانت بجواره حقيبة قديمة وبيده دفتر وكأنه يدون قصة او ذكريات او ربما كان (مراسلاً) لا اعرف لليوم ما هي قصة ذلك الاجنبي. اقترب منا انا وابي منه فقال انا هنا منذ سنين واسمي على ما أذكر جون او جيمي ..فقال اذا خرجتم من هنا اخبروا اي شخص في سفارة بلدي.. ولم يذكر اسم بلده .. أما نحن فخفنا ان نسأله من أين هو.. وبالحقيقة كنا في وضع مشدوهين ومرعوبين مما نرى حولنا؟؟

في اليوم التالي.. جاءنا ذات المجرم قائلاً انت زهراء ليش تصيحين بوجه الضابط في بيتكم وهو يؤدي واجبه؟ اجبته انا انفعلت عندما ضرب أخي ابراهيم من دون سبب!! فاجاب اننا هنا في العراق لا نحتاج ان نعطي سبب إذا اردنا ان نؤدب أحد ما! أخذ أبي يتوسل به أن يتركنا ويسامحني.. فقال حجي لا تخاف احنه بس ننطيها درس بسيط امامك! اشار الى مجرم معه. في الممر على مسافة قصيرة باب حديدة ذات كوة صغيرة، دفعوني رغم توسلات والدي وصرخاته، اغلقوا الباب علي، صرت انا وحدي في غرفة صغيرة جدا، اما المجرمين ينظرون الي من الخارج من خلال تلك الكوة وهم يقهقهون باعلى اصواتهم.. جدران الغرفة وارضها ملطخة بالدماء!! اصابني الذعرالشديد، وفجأة بدأ صوت غريب وعالي من الاعلى نظرت الى سقف الغرفة.. فاذا بالسقف هو سقف معدني ومثبت عليه من الاسفل ما يشبه المسامير الكبيرة.. السقف بدأ ينزل ببطء محدثا ضجة كبيرة .. اصابني الذعر الشديد وانا اضرب الباب والحيطان بيداي واصرخ .. اصابتني حالة من الهستيريا وانا اسمع ضجيج المحرك والسقف الحديدي وهو ينزل ببطء ويحتك بالحائط.. اما هم فلا اسمع الا ضجيج ضحكهم.. وقعت على الارض.. اوقفوا نزول السقف.. وانا اتوسل بهم.. اعادوا الكرة مرة ومرات حتى شعرت بالغثيان.. اخرجوني بعد فترة وانا منهارة ليتلقاني ابي وهم يرددون حجي لا تخاف احنه وفينه بوعدنه.. ألم نقل لك بس درس بسيط وبس؟

لااعرف كم مكثنا في الامن العامة حيث بعدها رحلونا الى سجن في منطقة الفضيلية على ما اعتقد..حيث كان سجن كبير على شكل اسطبل ليس فيه شبابيك الا باب حديدية حيث اجبرونا للدخول فيه فقلت للحارس لادخلها تريد ان تقتلني اقتلني هنا لا ادخل هذا المكان سمعت ابي يصيح من باب قاعة للرجال ادخلي يازهراء مع امك واخواتك كنت اصرخ لا اريد ذالك. المهم دخلنا.. عند دخولك لذاك المكان أول شيء تشعره هو انك لا تستطيع التنفس ولاتستطيع ان تسمع؟؟ كانت القاعة مكتظة بشكل لا يصدق وبمختلف الاعمار من الاطفال والبنات والنساء حتى كان فيهم من تجاوز الثمانين والتسعين!! كلهم كانوا مرضى والاوساخ في كل مكان، شعورهم طويلة واشكالهم وملابسهم رثة ووسخة.. احدى بنات عمي كانت تبكي وتقول احنه حطونه ويه المجانين .. فردتها احداهن قالت: لايمه احنة مو مجانيين احنة هم جنّا مثلكم من عوائل لكن الدهر هيجي سوه بينه .. القاعة الكبيرة تلك فيها مصباح واحد ذو ضوء خافت..

كنا ننام ونحن جالسين حيث المكان جدا مكتظ، ورطب وقذر بدرجة لاتوصف حتى الهواء كان معدوماً فيه، تمر ايام من دون ماء للشرب، الهم إلا بين الحين والحين، يمدون (صوندة) من ثقبين في الحائط لينساب منها ماء (صنصوله) كما نقول بالعامية حيث امي رحمها اللّه كانت تتعذب لنا تريد باي طريقة ان نشرب الماء بقيت ايام لا اشرب الماء كنت اعرض نفسي للموت فكانت والدتي تبكي لذالك تقول زهراء بس اشويه بللي حلكج لااستطيع ان اجلبه بيدي لك في الحائط وعدد النساء حوالي الالف ولمدة محددة عند المساء!! اذا لم نشرب معناه نبقى بدون ماء الى يوم آخر!!كانت الامراض منتشرة بشكل كبير في السجن، ومكثنا فيه أكثر من شهرين.. النساء كانوا مرضى والاطفال اكثرهم اصابهم التدرن الرئوي وماشابه وحدثت عدة وفيات بين النساء.. وغالبا ما تعمدوا بترك جثثهن بيننا لايام .. كان نوعا من العقاب ؟! هذا باختصار شديد.. بعد ان اكتمل عددنا رحلنا الى المجهول وما اقساه وكانه الموت عند نزع الروح من البدن؟؟ حجزوا اخوتي وابناء عمومتي خلفنا وحتى لم نودعهم فكان آخر لقاء بهم كان في آمن الكاظمية.. في سرداب ذاك المكان كنت اسمع بكاء وصراخ آتي من السرداب .. حان وقت رحيلنا وتهجيرنا قسرا من العراق وكان وقت الغروب وسارت بنا القوافل ساعات..انزلونا في منطقة نائية، كان الجو باردا جدا فيه كان الهواء محمل بالماء كالمطر فقلت لوالدي كأننا قرب نهر حيث الهواء كان يحمل رذاذ المطر..عندما انزلونا من الحافلات العسكريةوعلى مسافة وقع نظرنا على شى غريب حين رايت اغصان الاشجار تسير وتتحرك بسرعة ؟؟! عند خروجنا من الحافلة كان السائق جندي يبكي ويلطم على رأسه وقال لوالدتي اختي دير بالج على البنات تره انتو في موقع حربي كل الجيش هنا ورايت تلال ؟! بعدها عرفنا انها خنادق الجيش.

ورايت من بعيد نقاط حمراء اللون بين فترة وآخرى فقلت لوالدي ما هذه النقاط الحمر تظهر بين الحين والاخر وماهذه الاشجار تتحرك من مكانها؟! فسكت والدي ولم يجبني؟؟؟؟ فقال عمي هذولة غضب هذولة عساكر؟؟ بعد لحظات سمعنا صراخ بعض البنات ورجال يتصايحون.. كم كانت مرعبة تلك اللحظات حيث تبين ان بعضاً من الجيش قد هجموا على النساء .. والدي نزع جاكته وغطى رؤؤسنا نحن البنات الثلاثة وقال لامي غطيهم بعباتك.. قبل الفجر رايت شخص ذو قامة ويحمل رتبة عسكرية يقف قرب ابي وقال اعبروا النهر قبل طلوع ضوء الصباح اهرب خلصوا البنات ولا تلتف للوراء ؟؟ لحظات وعبرنا النهر البارد المثلج وبقى الكثير من الكبار في السن حيث لم يستطيعوا عبور النهر لان الماء اصبح عاليا جدا وتياره السريع جرف الكثير ممن لم تسعفه قواه الى مجهول آخر!! كانت رحلتنا ايام وليالي كنا نسير ونتسلق الجبال والوديان الى مجهول فيه الكثير من المخاطر التي لايخطر على البال ابدا.. من ذهب بالالغام ومات، ومن ترك امه العجوز، وهناك الكثير من الكبار في السن تركوا خلفنا....ومن خلال رحلتنا مررنا في منطقة كانت موحشة جدا ذاك الوادي السحيق ثم الجبال المحيطة .. وسط الرحلة جلست على صخرة وبكيت بصوت عالي ياربي اين هي رحمتك فينا؟ هل من المعقول ان والدي وعمي يستطيع ان يتسلق تلك الجبال الوعرة! يجب ان نجتاز ونعبر تلك الجبال شئنا ام ابينا وانا كان خوفي على والدي وعمي الذي كان مريضا جدا وكذالك اختي الصغيرة التي كنت احس اننا سوف ندفنها في الطريق كنت احملها على ظهري مسافات وارجع مرة أخرى لمساعدة اختي الاخرى وابي.

الشى الغريب في المناطق الجبلية عندما تغيب الشمس بسرعة وحتى النظر الى السماء ترى النجوم كبيرة وواضحة..ورجعت كي اساعد عمي للصعود ووصلنا القمة فقال عمي زهراء سارعي الى مساعدة زوجة عمك وبنتها فنزلت مرة آخرى لكن في هذه المرة احسست بشى من الخوف حيث ان النزول هو غير الصعود وكان هناك شقا كبيرا بين القمتين والوقت يمر بسرعة... نزلت وكنت اسمع صدى بكاء ابنة عمي وامها وعند وصولي عندهم كنت ارى رؤؤس تظهر وتختفي من بين الاشجار على مسافة!! فقلت لزوجة عمي هناك من يراقبنا، فقالت اركضوا وارحلوا بسرعة انا امرأة كبيرة ان مت او قتلت انتو اهربوا بسرعة .. وصاحت هي دخيلك يارب العالمين احنة جوى خيمتك ، ياأمير المؤمنيين دخيلك دخيلك وتبكي ونحن نركض .. تركنا زوجة عمي ورائنا ونحن نتسلق الجبل وكنت انبه بنت عمي دير بالك هناك شق كبير رايت ابي نازل فصرخت بابا دير بالك من الحافة كنت اراه منهك القوى ومنهار جدا ، وقال اصعدوا بسرعة الى القمة .. حل الظلام بسرعة ونمنا من التعب بجنب الصخور الكبيرة بعدها بلحظات سمعنا صوت احد الحيوات البرية الشرسة وكأنه من فصيل القطط الوحشية الكبيرة ظهر من بين الصخور ووقف امامنا يزأر بصوت مرعب، عينان بلون النار .. وما هي الالحظات ونزل علينا مطر لم ارى هكذا مطر غزيرا مما جعل الحيوان ان يهرب ... ذاك المطر كان اطيب ما ذقته وظل اطيب ماء ذقته في حياتي.. قبل بزوغ الفجر رايت ابي وعمي يصليان وقالوا قوموا يابنات للصلاة صلوا الفجر.. فكانت ملابسنا مبللة من المطر الذي روانا وكانه حمام ،، فكنت في حالة غضب وتمرد لا اتقبل اي شى فكنت ابكي بابا على شنو تصلي تركنا زهير وفاضل ابراهيم مصطفى رايت ابي يحضنني قال زهراء لا تدمي قلبي اكثر مما هو ثم سجد وبعدها رفع يده الى السماء: الهي اشكرك على لطفك بي وببناتي؟؟ وقال زهراء افديت اخوتك بيكي وبخواتك مما جعلني ابكي واصرخ اردت ان ارمي نفسي من تلك القمة العالية مسكني والدي ولاول مرة في حياتي ارى والدي منهاراً هكذا..... وبدأت رحلتنا الى المجهول لانعرف اين نتجه حيث كنا آخر القوم في قافلة من حوالي 1700 (الف وسبعمائة) شخص.. وعندما تهيئنا للمسير راينا نحن في قمة جدا عالية حيث كانا نائمين على حافة الوادي شاهق يسبب الدوار لعلوه الشاهق..المهم نزلنا وسرنا وكنا نتبع بعض آثار الذين سبقونا من ملابس الاطفال مرمية في طريقنا حتى آخر يوم كنت في حالة جدا جدا سيئة حيث كنت ارى ابي بحالته وحزنه واختي الصغيره بين الحياة والموت.. وعمي لا يستطيع السير كثيرا وكنت ارى امي وقد انتفخ وجها بشكل كبير؟؟ جلست امي عند اول شجرة رايناها تبكي وانشدت بيت شعر عن اخوتي الاربعة (( روله . اركي بيجم اركي بنالم ار سنك تابتاونم .. بمعنى (ولدي اشكي لمن؟ أللتراب الذي يذهب مع المطر أم لتلك الصخور التي سمعته فذابت)) مصطفى وفاضل وابراهيم وزهير وبدات تضرب نفسها وتصيح ليش لهل الدنية جبتكم حتى صدام ياخذكم مني وقتها حزني ليس كحزن والدتي تلك الام التي فقدت اربعة من اولادها مرة واحدة.. لكني احسست بتلك المشاعر عندما رزقت بابني الاول .. واحسست كم هو قاسي ومؤلم عندما تفقدهم. لذالك لم تعش امي رحمها اللّه طويلا رحلت وهي في شبابها.. كنا نحن البنات بأمس الحاجة لها.. كانت تجلس الليل لا تستطيع النوم تصلي وكلما ادخل غرفتها اراها بسبحتها ودموعها. كانت تناجي رب العالمين كان لها دعاء تدعوا به طول الوقت الهي اقتلني ولا تسمعني بان مكروه اصاب اولادي ... وبالفعل رب العالمين استجاب دعائها رحلت ولم تسمع باعدام اخوتي .. مشينا ساعات وسمعنا من بعيد صوت موتور سايكل كان يقوده باسدار او جندي ايراني وقال بعربية ركيكة: بسرعة بسرعة انتو قريبين من القرية فساعد عمي وكذالك اتصل بالمستوصف القريب.. بعدها بدقائق اتت سيارة الجيب ونقلتنا البنات والنساء ثم الرجال.. ودخلنا الحدود الايرانية واول قرية دخلناها اسمها( قلقة) التي كانت مكسوه بالثلوج .. ادخلوننا المسجد الدافىء حيث بعضاً من القافلة سبقونا هناك، أخذنا الباسدار انا وامي واختي المريضة الى المستوصف وعالجونا ..الشى الجميل الذي رايناه منهم اخلاقاً طيبة وانسانية، احد الاطباء قال افرغ بيتي لكم اسكنوا وارتاحوا هناك فيه.. ابي قال لا نحن مع القافلة ولايجوز ذالك.. بقينا ايام في مستوصف القرية للعلاج ولم يتركوننا لحظة واحدة حتى تعافينا.. تلك القرية التي هب اناسها البسطاء لمساعدة المهجرين وبشتى الطرق... هذه اخلاق انسانية بكل معانيها الجميلة اناس لاتعرفهم ولاول مرة تتقابل الوجوه وفي بلد بينهم وبين العراق اقتتال شرس ودموي خلقه طاغية ارعن ؟؟ .... تلك الاخلاق ابكتني على عكس البعض من الجيران الذين كنا نجهل خباياهم وطيات قلوبهم الغليظة؟؟!! الانسان ان قطع جزء من جسده سوف يفتقده حتى الممات.... يا ترى هل كل هذه السنين الطويلة كفيلة بنسيان تلك المعاناة ومحي مالاقيناه من الظلم من ذاكرتنا؟... لا اعتقد.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
عموو حمزه
2010-12-03
اختي زهراء انا ادعو كل الكورد الفيليين من هذا المنبر الشريف ان تكون كلمتنا واحده يجب لم شملنا لكي تكون لنا كلمه واحده يكون صداها قوي لذالك ارجو من كل الشخصيات الكورديه الفيلييه الاتحاد لكي نصوت لمن يدافع عنا في كل المحافل في الانتخابات القادمه
زيــــــد مغير
2010-12-01
يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلم (قالها نبينا العظيم محمد صلى الله عليه وآله) . لو أردنا أن نختار أقذر كلمة في قواميس اللغات لنصف فيها صديم التكريتي وحميره لم تف هذه الكلمات بوصفه , فقط نقول طاحظك صديم كل أجهزتك القمعية وحرسك الجمهوري وقصورك وفلوس العراق التي نهبتها تالي حالك حال الجريذي طاحظك صديم الاف المرات انت وحميرك البعثيين
عادل
2010-11-29
البعث قكر ارهابي دموي تسلطي ماسوني في البداية يسوق على اساس افكار حديثة غرضها بعث الروح في الانسان كما كانوا القتلة يصورونة الى الناس لكن الحقيقة هي العكس فيجب على العراقين منع حزب البعث واعتبارة منظمة ارهابية دولية حالها حال المنظمات النازية
ابو هاني الشمري
2010-11-29
لا ادري لماذا نزلت دموعي بلا ارادتي حينما قرأت القصة رغم انني قرأت مايشبهها عشرات المرات ورأيت مايشبهها مئات المرات .... ربما لانها قصتي وقصة ابنتنا زهراء وقصة كل عراقي عاني من بطش جلاوزة البعث .... انها قصة العراق كله. تحيتي لكم وعسى ان يجعل مثوى اخوتك واقربائك وكل شهداء العراق في عالي الجنان.
ام زينب
2010-11-29
عزيزتي الاخت الكريمة زهراء سلام عليكم ارجو منك التواصل معي حيث ان لي قصة مشابهة لما حصل لكم اثابك الله وان شاء الله رب العالمين ينتقم من الظالمين وممن رضى بفعلهم ويخزهم في الدنيا قبل الاخرة
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك