حسن الهاشمي
عدة أعمال تساعد على غفران الذنوب من ضمنها التوبة وعدم المعاودة إلى الذنب وعدم الإصرار على الصغائر فضلا عن الكبائر، وإبعاد الأذى عن طريق الناس، والوضوء قبل النوم، والمشاركة في تشييع جنازة المؤمن، وقراءة سورة القدر سبع مرات عند قبره، والاستغفار مائة مرة قبل النوم، وغيرها من أعمال البر والإحسان المذكورة في الكتب المطولة، وفي الوقت نفسه نجد إن من فوائد البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) غفران الذنوب وتحطيمها وتبديدها، كما جاء عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): «من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرجَ من عينهِ مثلُ جَناحِ الذبابِ غفرَ اللهُ ذنوبَهُ ولو كانتْ مثلَ زَبدِ البحرِ». ( ثواب الأعمال للصدوق: ص189) وعن الإمام الرضا (عليه السلام): «فعلى مثلِ الحسين فليبكِ الباكون فإن البكاءَ عليه يحطُّ الذنوبَ العِظام». (الوسائل: ج14، ص504).وغيرها من الروايات الكثيرة التي تؤكد على إن الحضور في مجالس عزاء الإمام الحسين عليه السلام وزيارته من قرب ومن بعد، والسلام عليه وعلى أهل بيته وأصحابه في حال شرب الماء، وقول - صلى الله عليك يا أبا عبد الله - في حال الإستذكار يعد كذلك من غفران الذنوب، فما علاقة الحضور في مجالس الإمام الحسين عليه السلام والبكاء عليه وتعظيم الشعائر الحسينية بغفران الذنوب؟! والحال إن مسألة الغفران متعلقة بالذنوب والإحجام عنها ندما أو تحسرا على ما فرط في جنب الله!! والمفروض ألا تشجع حالة الحضور في المجالس على التماهي في ارتكاب الذنوب؟! والحال إننا نرى بعض المشاركين قد تبدر منهم بعض الذنوب والموبقات؟! والمفروض كذلك ألا يتعارض غفران ذنوب العاصي والباكي على الإمام الحسين عليه السلام مع مناهل التوبة والرحمة الإلهية ما دام مصرا على الذنوب حتى إذا بدرت منه حسنات!! استنادا إلى إن الله تبارك وتعالى لا يتقبل إلا من المتقين المحسنين، ولا يطاع الله من حيث يعصى، هذه الأسئلة وغيرها نحاول أن نجيب عنها في هذه المقالة. قبل الإجابة عن الأسئلة لابد من الإطلاع على معنى الشفاعة اللغوي والاصطلاحي ومدى شرعيتها في القرآن والسنة ولو بشكل مقتضب ليتسنى لنا معرفة من تشملهم الشفاعة وهل الباكين على الإمام الحسين عليه السلام تشملهم لاسيما المذنبون منهم، وهل إن كل ذنب مسموح له بالشفاعة أم إنها محددة بذنوب قابلة للشفاعة بجاه ومنزلة الشفيع عند الله تعالى، فنقول... الشفاعة مشتقة من مادة (الشفع) أي (الزوج وما يضم إلى الفرد)، قال ابن منظور:(شفع : الشفع : خلاف الوتر، وهو الزوج، تقول: كان وترا فشفعته شفعا، وشفع الوتر من العدد شفعا : صيره زوجا...). (لسان العرب: ج8 ص183).وتستخدم عند العرف: بان يطلب شخص له مكانة اجتماعية أو دينية أو ما شابه ذلك إلى شخص آخر بيده أمر من أمور الناس كالحكام، أن يعفو عن مخالف، أو أن يقضي لشخص حاجة وهكذا وإنما يتقبل الشخص شفاعة الشفيع، بسبب خشيته من أنه إذا لم يقبل شفاعته، فسوف يتأذى الشفيع، وبذلك يحرم من لذة معاشرته، بل ربما أدى عدم قبوله لشفاعته، أن يلحقه بعض الأذى، والضرر من جانب الشفيع. أما في الاصطلاح: فهي ليست ببعيدة عن المعنى اللغوي كثيرا، إذ الشفاعة هي: ( السؤال في التجاوز عن الذنوب ). (النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير:ج2 ص485)، أو هي: (عبارة عن طلبه من المشفوع إليه أمرا للمشفوع له ، فشفاعة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أو غيره عبارة عن دعائه الله تعالى لأجل الغير وطلبه منه غفران الذنب وقضاء الحوائج، فالشفاعة نوع من الدعاء والرجاء). ( كشف الارتياب، للسيد محسن الأمين:ص 196).وردت مادة الشفاعة في القرآن الكريم في كثير من الآيات الشريفة، وكل هذه الآيات يظهر منها الشفاعة بمعنى رفع العقاب عن المذنبين، ثم أن بعضها يثبت الشفاعة وبعضها ينفيها ولكن لا بشكل مطلق بل أن النفي جاء بصورة خاصة متعلقا بفئة معينة من الناس ممن حددهم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بمواصفاتهم، فالثابت هو أن قسما معينا من الناس ممن يدخلون في مفهوم (الكفار) بكل معنى من معانيه هم المحرومون من الشفاعة، والقرآن الكريم حين ينفي استحقاق مجموعة معينة من الناس للشفاعة فإنه من جهة ثانية يؤكد وجودها لصنف آخر من الناس ممن يرتضيهم الله سبحانه وتعالى، كقوله تعالى: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ).[ الأنبياء: آية 28]، وقوله: ( لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ) [مريم: آية 87] ، أو قوله عز شأنه :( يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ) المتقدمة ، وكقوله تعالى: ( ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون )[ الزخرف:86]. فهذه الآيات الشريفة وغيرها كثير تصرح بوجود الشفاعة يوم القيامة، غاية الأمر أن القرآن الكريم يصف الشفعاء بعدة صفات، فمنهم ( من اتخذ عند الرحمن عهدا )، ومنهم ( من أذن له الرحمن )، ومنهم ( من شهد بالحق وهم يعلمون ) وأصحاب هذه الصفات وغيرها قد أعطاهم الله سبحانه وتعالى المنزلة العالية التي تجعلهم قادرين على أن يشفعوا فيمن يرتضي الرحمن الشفاعة فيهم .إن الشفاعة موجودة بصريح القرآن الكريم، وغاية الأمر أنها محدودة بحدود في طرف الشفعاء وفي طرف المشفع فيهم، ولذلك فهي تنال قسما من الناس، والروايات المتواترة تؤكد إن الشفعاء الذين جعلهم الله تعالى رحمة للعالمين هم محمد وآل محمد، والمشفع بهم هم أتباعهم من الأولين والآخرين، وهل إن الشفاعة تغني الإنسان المذنب عن أعمال الخير وهل إنه مشمول بالشفاعة مهما بلغ من ارتكاب الذنوب والمعاصي؟! وفي معرض الإجابة نقول كلا وألف كلا، فإن الموالي لأهل البيت عليهم السلام لابد أن يتصف ولو بنسب متفاوتة كل حسب إيمانه وكل حسب علمه ويقينه بالإيمان والعمل الصالح، ولكنه في الجملة ينبغي أن يلتزم بثوابت الدين ويؤدي الواجبات ويجتنب المحرمات، ويلتزم بحقوق الله وحقوق الناس، ويعتبر الأمور كالإحجام عن الظلم والإحسان إلى الأهل والعيال وأداء الأمانة والصدق في الحديث وغيرها من ضروريات الدين، بيد إنه أثناء تأديته ذلك قد يبدر منه بعض الخطايا والذنوب، وإن المعصومين الأربعة عشر ولاسيما الإمام الحسين بما أنهم سفن النجاة ووسيلة القرب إلى الله تعالى بنص القرآن والسنة، وإذا قلـّب الإنسان الدنيا من الأولين والآخرين، لما يجد شفعاء وأتقياء وأنقياء أفضل من محمد وآل محمد تقوى وزهدا وورعا وعلما وقضاء وشجاعة وذوبانا في ذات الله تعالى وغيرها من صفات الكمال الإنساني الذي بلغ ذروته فيهم لا في غيرهم، فهم بحق أفضل الشفعاء ولكن بشرطها وشروطها؟! فإنه علاوة على حصن التوحيد لابد من دخول حصن الولاية التي تدلنا هي لا غيرها على التوحيد الخالص، الخالي من الشوائب والأدران، ومن هنا جاءت التأكيدات من قبلهم عليهم السلام على التحلي بالقيم والالتزام بالأحكام والاجتناب عن المحرمات والموبقات، وأن نكون في تصرفاتنا زينا لهم لا شينا عليهم، وأن لا يكون الدين لعق على ألسنتنا فإذا محصنا بالبلاء قل الديانون، بل إن الدين وما يدعو إليه من فضائل ينبغي أن يكون على رأس جدول أعمال الإنسان المؤمن، تحرك بوصلته مقررات العبد وما يصدر عنه ليكون عمله قدر الإمكان مطابقا لما هو موجود في الشريعة من تسامح وتكاتف وأخوة ونبل وكرامة وكل ما من شأنه أن يأخذ بيده إلى مدارج الكمال والفضيلة، وإلا فإن الغاية لا يمكن لها أن تبرر الوسيلة ، ولو كان كذلك لمحق الدين ولا يقول بذلك كل عاقل ذي لب. وبما إن شبيه الشيء منجذب إليه، فإن الذي يحضر مجالس الحسين عليه السلام ويذرف الدموع سخية لما حل به وبأهل بيته وأصحابه الكرام، ويسمع من الخطباء الكرام العاملين من مواعظ وخطب تكرس فيه روح العقيدة والدفاع عنها، هو أقرب من غيره إلى سبل الهداية لا سيما ذلك الذي ليس له علاقة بمجالس الذكر والعبادة المقامة على سيد الشهداء، ومن هنا يتضح لنا قول الإمام الرضا عليه السلام، من إن البكاء على الحسين يحط الذنوب العظام، لأنه يقع لا محالة تحت شآبيب الرحمة والمغفرة الإلهية بواسطة شفاعة الحسين عليه السلام لمحبيه لما يرتكبوه من لمم المعاصي، ولا تشمل الشفاعة بأي حال من الأحوال الباكي المجرد عن التقوى، فضلا عمن كان عمله مخالفا لضروريات الدين. هذا هو الفاصل بين ما نعتقد نحن أتباع أهل البيت عليهم السلام وبين ما يصوروه الأعداء من الوهابية والنواصب، فالشفاعة تكون بإذن الله تعالى لمن ارتضى من عباده الذين حددهم الرسول بالمعصومين الأربعة عشر، ولكنها لا تنال لكل من هب ودب ولا تنال حتى مستخفا بصلاته كما نقل عن الإمام الصادق عليه السلام، بل تنال من التزم العبادات وترك المحرمات من الموالين لأهل البيت عليهم السلام، ولكنه قد تبدر منه بعض السيئات فإنه يوفق بجاه المعصومين للتوبة قبل حلول الأجل، لاسيما وكما نقل في حديث قدسي: أنا عند المنكسرة قلوبهم، فإن الذي يبكي على إمام يعد كتلة ملتهبة من الفضائل والقيم والكمالات، لا محالة ينجذب إزاء تلك القيم ويوفق لتقمصها ولو بعد حين حتى لو كانت بنسب معينة، هذا التوفيق نسميه شفاعة ويسميه أعداؤنا شرك وكفر، وشتان بين المعنيين.
https://telegram.me/buratha