زهراء محمد
قصص لا تنطوي .. 3
في ذكراكم إخوتي ...... وكيف تكون الابادة الجماعية؟
أكتب في ذكرى أخوتي وأحبتي وزملاء لهم لقوا حتفهم على يد جلاّدين لم يدخل ولو بصيص نور أو رحمة الى قلوبهم يوما....
يحكى انه قبل سبعة وعشرين عاماً.. تنحنح قاض، وخط على عجالة وبقلم حبر تعودت نبالته التوقيع السريع على إعدام خيرة من شباب ابرياء لم يسبق لهم ان وقع نظرهم على جلادهم المدعو عوّاد البندر والى يمنه ويساره رهط مجرم لم تدخل قلوبهم الرحمة ولو لثانية واحدة مذ خلقوا..أما المحكومون فهم فتية ارهقتهم ظلمة طوامير حُجزوا فيها بلا ذنب منذ اكتوبر عام 1981 وقبلها.. عندما داهم زوار الليل بيوت اهاليهم الآمنة، زوار ليل برعوا في اداء واجبهم الاجرامي، فهم لهم باع طويل في إجرام شهد لهم به الانس والجان والملائكة..لنعود الى قاعة المحكمة الصورية وبطلها عوّاد وقلمه الذي لا يقل عنه إجراما لكثرة ما كتب مداده كلمة «إعدام» بدون تردد، بسلاسة وسهولة كانه يسعى لارضاء شوفينية صاحبه ورهطه عن اليمين وعن الشمال، جلسات حكم لم يُسأل المحكومين فيها حتى عن أسماءهم أو أية بيانات أخرى، بل كانوا يقادون الى امام هذا القاضي اللعين، وكأني به كان بالحقيقة قد قرر الحكم ليلة أمسه عندما كان يحتسي خمره في حانة من حانات بغداد، وهو يراقب الدخان الذي ملأ المكان.. يمرر اصابع يده على لحيته وهو متكيء على جنبه، كما كان يفعل الحجاج في ديوانه عندما يأمر بقطع رؤوس ضحاياه..وعوّاد هذا يتخيل أمامه سحنات وجوه وجبة بل وجبات الغد من ضحاياه ويراقب ردود افعال المحكومين حين يصرخ فيهم غدا وبلا مبالاة واكتراث إعدام.. إعدام.. يبتسم بنشوة فذلك المنظر عنده لا يوازيه شيء فهو يبعث في جسده النشوة والرضا عن إداء دوره الذي سيسعد به سيده فرعون العصر صدام الذي أمر بالتخلص من جموع الابرياء الذين ازدحمت بهم سجون العراق فوق الارض وتحتها في مطامير وسراديب، حتى السجانين أنفسهم لم يملكوا القدرة على احصاء نزلاءها..ويحكى إن عواداً هذا كان لا يحب التأخر في النطق باحكامه ولا يحب ان يتأخر في إرضاء سيده .. كانت كل وجبة تساق اليه فيها ستوناً من الشباب الذين أرهقهم التعذيب وسياط السجان، هذه الجموع أضنها كانت تستبشر خيراً وهم يدفعون من خلال باب المحكمة ليقفوا صفاً.. فظنهم ان القضاء سيبرئهم حتماً؟ فهم لم يقترفوا أية جريمة.. ولكن وعندما يبدأ الجزار النطق بالحكم فهو مختصر ومبهم!! إعدام .. إعدام ... وهم لا يصدقون ما يسمعون.. أما الطراطير عن يمين وعن شمال المجرم عواد فبالعادة يومؤون برؤوسهم رضاً واتفاقاً في حركة اعتادوا عليها كل جلسة، ولا يكلفون انفسهم ولو من باب الفضول حتى عناء النظر في الاسماء التى تعرضها امامهم القائمة المعدة سلفاً والمطبوعة على الرونيو.. ممهورة بمهر مجلس قيادة الثورة.. فقط لتتبارك هذه بتمريرات إقلامهم لتحمل تواقيعهم.. فهم والعياذ بالله لا يفرّطون في واجبهم هذا ويطبقونه بحذافيره، ليخرج قرار الاعدام وهو بصورة «رسمية وقانونية».. أما الوريقات تلك ففي ذاك اليوم، الاحد المشؤوم بتاريخ 26/ 06/ 1983 (السادس والعشرون من حزيران، لسنة ثلاث وثمانون بعد الالف والتسعمائة) فعلى متن سطورها كانت اسماء أخوتي وأولاد أعمامي وآخرين ثُكلت أهاليهم مثلنا- زهير عبد الكريم (أخي الصغير .. عمره وقت اعتقاله كان - ثلاثة عشر عاماً لا غير)- فاضل عبد الكريم (أخي) ثالث هندسة- طه سليم (إبن عمي) طبيب- عمران موسى (ابن عمي) مدير عام. خريج كلية التجارة- سلمان موسى (ابن عمي) موظف. خريج كلية التجارة- محمد ضياء كرم (ابن عمي) خريج كلية الاداب . للغة الانكليزية/ اللغة الفرنسية- فلاح كرم (ابن عمي) سنة اولى كلية الزراعة- ماجد أمير علي (ابن عمتي) كان يدرس حينها في هولندا، ألقي القبض عليه خلال زيارة لاهله-طارق عبد علي (ابن عمتي) خريج كلية الهندسةو... و.... و....وتسترسل القائمة لتدرج مساكين آخرينماجد - جابر - علي - محمد - حسين - غلام - صادق - ماجد - طارق - رسول - صباح - جمال و.. و.. والقائمة تطول لتشمل ستين ضحية من دون نقصان ولتحوي ضمن القائمة تلك بالذات فتاتين أيضا!!تلت هذه القائمة بطبيعة الحال أخريات وأخريات لتحصد في ذلك اليوم فقط المئات من الابرياء !!وبعدها بيومين ايضا سيقت وجبات أخرى على نفس المنوال.. فقائمة الذين جلبهم عريف السجن هذه المرة يوم الثلاثاء 28 / 06 / 1983 (الثامن والعشرون من حزيران، لسنة ثلاث وثمانون بعد الالف والتسعمائة) حوت ما بقي من أحبتنا:- مصطفى عبد الكريم (أخي) رابع سنة كلية الاقتصاد- ابراهيم عبد الكريم (أخي) جامعة سليمانية- علاء الدين كرم (ابن عمي) خريج كلية العلوم. موظف في شركة يابانية في الفاو - البصرة- صالح موسى (ابن عمي) خريج ادارة واقتصاد - جندي- سامان موسى (ابن عمي) سادس علمي- ووو... ووو... ستون بريئا .. ثكلت امهاتهم من حين لم يدرينكل يوم يمر وعوّاد الزنيم وقلمه يمرحان بمصائر الآلاف من العراقيين.تبت يدا عوّاد وتّب.. وعن يمينه يد المقدم الحقوقي طارق هادي شاكر وعن شماله يد العميد الحقوقي داوود سلمان شهاب..كم ستوناً من الابرياء سقتم الى الاعدام؟ ..أما انت يا عوّاد فمع الاسف الشديد منحوك كل الوقت والراحة والحماية القانونية عندما حاكموك ..ليتهم استخدموا نفس قلمك في قرار ترحيلك الى عالم الاخرة
أحبتيمضت هذه السنون والجروح لا تندملكل مرة أحاول أن أهتدي الى قبوركم أحبتيتعييني الارقام العشوائية على شواهد مجهولةجلاديكم تفننوا في طمس آثار جرائمهموحكومتنا اليوم مشغولة بكل شيءإلاّ بكمفأنهم على الدرب سائرونفما انتم في أعينهم مرة أخرىإلاّ أرقاماً عشوائية...........لكم ولنا اللهفهو يعلم ظلمي ويحس بألميوهو العين التي لاتنام وحسابه ولو بعد حين لشديداخي الشهيداجبني اين مرقدك البعيدوحدك بقيت بلا ضريح ولانصب لذكراكم يعيد
لو ملئتُ البحار كلمات لاترويني...
لوكتبتُ من الشكوى بحور في الكون لا تشفينيفجلادك ذبحك من وريدك الى وريدي.........
فراقكم عني اطفأ نور عيوني..برحيلكم عنا امست الدنيا كربا.. وبلاءفَمَنْ بعدكم شيئاً من الدنيا يريدتلك نجومكم امست شهودا على اجرامهم يوم الوعيدوانتِ ياسماء أفيضي دماً ودموعوأبرقي برقاً يتبعه رعد ووعيد.........هل تعلم يا صغيري زهير إن أمي ظلّت تنتظركم .. لقد كنت الى جنبها ليلة احتضارها في المستشفى.. ليلتها نظرها كان مسمراً على الباب .. وكأنها تراكم كلكم امامها ..تبتسم خافتة.. وأحس بها لهفة للقاءكم يقولون ان بعض المحتضرين يستقبلهم محبيهم قبيل الوفاة ..فهل يا ترى نعِمَ ناظرك برؤيتهم يا أمي العزيزة؟!! حاولت أن أخفف عليها.. وهي تنشغل عني لحظات وتقّلب بصرها وكأنها تتواصل مع آخرين حولها .. سمعتها وهي تهمس بحنو بالغ باسماء إخوتي قبل ان تسرع شاكية الى بارئهاوبعد أمي رحل أخي الاخر هادي هنا، وتركنا وهو الآخر مات بحسرةاخوتيأحبتي بقيتم بلا قبر أزورهقبوركم تحمل ارقاماً عبثية.. وللآن ما زالت هي مقابر بلا هوية........وسلواي للروح والفواد نوركم مازال ينير لنا الدرب المديدنم ياأخي زهير، مع اخوتك مصطفى، وفاضل، وابراهيمنم قرير العين فذكراكم لن أنساها مابقيت في الوجودناموا أحبتي.. جلادوكم اليوم في السعيرومنهم من ينتظرحكموكم بجرة قلم،والباري ساقهم لجهنم بلمحة بصر.......وانت يا عوّاد ما عساي اقول فيك؟يا عوّاد .. كم نصبت للمشانق من أعواد ..أنت ورهطك تدليت على مثلها من أعوادفمت انت وكل ظالم في قعر جحيمأما ضحاياك فهم أحياء لدن ربٍ كريم جواد
وانت يا اخي هادي رحيلك الذي قصم ظهري واعمى عيوني ولعلي اتشفى بالخنساء حين رثت أخيها:قذى بعينيكِ أم بالعين عُوّارُأم ذرَّفَت إذ خلت من أهلها الدارُكأن عينِي لذكراه إذا خطرتفيض يسيل على الخدين مدرارُ
إخوتيفي ذكراكم دوما لا يخفت الوجدانفي ذكراكم دوما بلّت الاجفانفي ذكراكم دوما نشكوكم لرب الأكوان
زهراء محمد / ويلز - المملكة المتحدة
https://telegram.me/buratha