احمد عبد الرحمن
يرتبط اختيار امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام لقيادة الامة الاسلامية بعد الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه واله وسلم بشخصيتة التأريخية والفذة والعظيمة ، تلك الشخصية التي وقع الاختيار الالهي عليها لتكمل مسيرة الرسالة النبوية المحمدية الخاتمة.حيث انه من غير الممكن النظر الى ذلك الاختيار والتعاطي معه بعيدا عن الثوابت والمعتقدات التي تمثل الاطار والجوهر الصحيح لديننا الاسلامي الاصيل، ومن غير الممكن النظر اليها والتعاطي معها واختزالها ضمن عناوين وسياقات ومساحات ضيقة، قد تحددها المصالح والحسابات الخاصة ذات الطابع الدنيوي.حينما تم اختيار الامام علي عليه السلام خليفة لخاتم الرسل والانبياء فأن فكرة ذلك الاختيار والتكليف الالهي كانت ومازالت فكرة شمولية متعددة الجوانب والابعاد، وربما لايستطيع البعض استيعابها وهضمها اذا لم يكن متحررا من نزعات التسلط والاستئثار والتفكير الضيق.فأمير المؤمنين عليه السلام كان يمثل في سلوكه ومنهجه وتعامله الاسلام المحمدي الاصيل، وكان يمثل منظومته الفكرية والاجتماعية والسياسية والانسانية الصحيحة، بعيدا عن أي نوع من الاصطفافات او الولاءات او الانتماءات، فقد كان العنوان العام للسلوك والممارسة هو "الاسلام المحمدي الصحيح".ولعل من يطالع نهج البلاغة، ذلك السفر القيم الذي يضم خطب وكلمات ورسائل وحكم وتوصيات الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، يمكنه ان يكتشف طبيعة وجوهر ومعدن تلك الشخصية العظيمة، ويكتشف مغزى اختياره لمواصلة مسيرة الرسالة المحمدية الخاتمة.وانطلاقا من ذلك فليس غريبا ان نجد كتابات مهمة تمتاز بالعمق العلمي والدقة والموضوعية بأقلام كتاب لاينتمون الى الدين الاسلامي، او لايتخذون الاسلام منهجا حياتيا لهم، مثل الكاتب والمفكر اللبناني جورج جرداق، تناولت شخصية الامام علي عليه السلام من جوانبها المتعددة.وقد يكون احد ابرز الجوانب المتميزة في شخصية الامام عليه السلام وفكره ومنهجه هو ترسيخه لمبدأ العدالة الانسانية والتسامح، ذلك المبدأ الذي يعد اهم المقومات والركائز للدين الاسلامي الحنيف، حيث كان له الاثر العظيم في رفع الحيف والظلم والاضطهاد عن اعداد كبيرة من الناس، والتقريب فيما بينهم وزرع الثقة والمحبة والالفة والتازر والتعاون والتكاتف في نفوسهم وقلوبهم.ولاشك فأن اهمية وضرورة ذلك المبدأ بعناوينه ومضامينه المختلفة تبرز وتتجلى بدرجة اكبر في المنعطفات الحادة والظروف الصعبة والمعقدة، والتحديات الخطيرة التي يواجهها المجتمع الاسلامي، بأطاره العام الشامل، او جزء منه، مثلما حصل في العراق بعد الاطاحة بنظام صدام المقبور قبل اكثر من سبعة اعوام، حيث كثرت الفتن والمخططات والمؤامرات لاحداث شرخ في جدار الكيان الاسلامي، وبث النزاعات والخلافات، واثارة الاحتراب والاقتتال بين مكوناته، من خلال اللعب على وتر الطائفية، وقيام اطراف داخلية وخارجية مشبوهة بتقليب صفحات التأريخ السيئة، ونبش التراث والارث الفكري المشوة لصورة الاسلام الحقيقية الناصعة، لتبرير وشرعنة ازهاق ارواح وسفك دماء اتباع هذا المذهب الاسلامي او ذاك، وتصوير الامور بغير صورتها الصحيحة والواقعية .من هنا كان لابد ان يتصدى المخلصين والشرفاء من ابناء الشعب العراقي، كمراجع الدين العظام، والعلماء، والزعماء والقادة السياسيين، والنخب والكوادر الفكرية والثقافية، وعموم الناس المؤمنين لمثل تلك المخططات والمؤامرات وافشالها، واثبات ان مكونات الكيان الاسلامي في العراق لم تشهد في يوم من الايام حالة احتراب ومواجهة، واذا كان قد حصل ذلك في أي وقت فبفعل عوامل وظروف واوضاع طارئة ومفتعلة.وكان الامام علي عليه السلام ومازال يمثل رمزا لكل المسلمين بصرف النظر عن عناوينهم المذهبية، الا دعاة التطرف، الذين يتبنون اجندات بث الفتن واثارة النزاعات والخلافات.
https://telegram.me/buratha