المقالات

نار الطبخات السياسية : توجس من النتائج

777 11:25:00 2010-11-24

تحليل سياسي لقاسم العجرش

لم يكن ماجرى في مجلس النواب في جلسة الإستحقاقات الرئاسية إلا محاولة إنقلابية برداء ديمقراطي، فبعد أن راهن بعض الساسة على أن تحل مشكلاتنا في قطر والرياض ودمشق وعمان وأنقرة وطهران، تحرك الرأي العام وأخذ منهم زمام الأمر بيده، ليضغط وليحبط مساعيهم لتهميش وتجاهل دور الشعب العراقي وتضحياته، وأختصارها ببعض الوجوه الفاشلة. و تتذكرون تصاعد أصوات الإدانة ضد كل من يسعى إلى وضع كل بيض العراقيين في سلة القوى الخارجية، وبعد أن أدرك البعض الآخر نضوج طبخة سرقة الحلم العراقي بدعوة الملك السعودي لقادة الكتل السياسية للأجتماع تحت رعايته في الرياض، فرفضوا هذه الدعوة بتهذيب عال، ليلتئم شملهم في "هولير"، وينصاعوا الى إرادة الشعب العراقي وينعقد مجلس النواب وليتغلب في نهاية لماراثون المماحكات السياسية الذي طال أمده أكثر مما ينبغي صوت الحل العراقي، غير أن جلسة مجلس النواب التي بدأت بتنفيذ إلتزامات ما أتفق عليه في "هولير" بأنتخاب رئيس مجلس النواب من القائمة العراقية ومن ثم إنتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الوزراء، شهدت إنقلابا جديدا للقوى المتطرفة غرضه الإستئثار بالسلطة التشريعية وعرقلة باقي الإستحقاقات ليدخل العراق بعدها دوامة ما يرغبون من أضغاث أحلام... لقد تلك كشفت الجلسة العاصفة الأوراق للعراقيين، وتبين لهم أن المتطرفين وبمنافسة غير مسؤولة عبثوا بالحاضر من أجل المناصب، وحاولوا الإجهاز على كل مسعى للحوار الجاد وللعمل السليم لمجلس النواب والرقابة على الحكومة ومعالجة أخطائها. إن هذا مسلك مريب لا يعبأ بالزمن وإستحقاقته،ولا بالمرحلة وخطورتها، ولا بالسياسة وإشتراطاتها، ولا بالكم الهائل من الدماء التي سالت سخية جراء العنف،رعاه المتطرفون ومنهم قادة في المحاولة الإنقلابية النيابية التي فشلت وخاب فأل القائمين بها...وإفتراضا وربما ليس واقعا، فمن المؤمل أن تكون المشاورات الرسمية المكثفة لتشكيل الحكومة قد قطعت شوطا لا بأس به، ومع أن المسأله ليست باليسر الذي يتصوره البعض، فإختيار المرشحين للمناصب الوزارية سيخضع لحزمة معقدة من المؤثرات التي تختلف بقوة تأثيرها سواء بالأتجاه السلبي أم في الإتجاه الإيجابي، فأن المؤثرات التي "تسحب" بالإتجاه السلبي أكثر مضاءا وتأثيرا من تلك التي "تدفع" الأمور نحو الإيجابية، ومعنى هذا أيضا أن عقدا مستعصية ستحتاج "حلال مشاكل" من نوع خاص، ومع أن القوى السياسية حسمت أمرها وتغلب الإتجاه الذي يؤمن بالحلول العراقية، إلا أن القوى التي ترنو بعيونها نحو العوامل الخارجية ستحاول مجددا إفساح المجال للتدخلات الخارجية في تشكيل الحكومة، وهو ليس رجما بالغيب، لكن مؤشرات عديدة تفيد أن هذا سيحصل إن لم يكن هو حاصل فعلا..هذه نقطة..والنقطة الأخرى أنه قد "آن الاوان لكي يرجع اهل السياسة الى المنطق والواقع لكي يخوضوا في كيفية ادارة البلد ،لاسيما وان ملفات كبيرة وكثيرة بحاجة الى معالجات جادة، والناس تنتظر انتظارا مؤلما لتحضى بابسط حقوقها وابسط الواجبات التي تتوجب على الحكومة" . ومعنى هذا أن وقتا ثمينا قد مضى، وليس هناك من سبيل أمام القادة السياسيين إلا أن ينصاعوا لمنطق المسؤولية التي تفرضها عليهم آمال المواطنين ناهيك عن إستحقاقات المرحلة.. ولذا ، ومع أن سقف تشكيل الحكومة هو شهر واحد من تاريخ صدور كتاب التكليف من رئيس الجمهورية الى رئيس الوزراء المكلف، لكن هذا لا يعني أن ننتظر شهرا بأكمله ولحين إتمام بدره لكي نرى الحكومة ونعرف من سيستوزر فيها، فالشهر هو السقف الأعلى، واليوم هو السقف الأقل، والشهر يعني ضياع وقت، واليوم يعني "سلق بيض" ، الشهر مضر وليس مأمول، والثاني غير متوقع أو مقبول، وما نتمناه أن نرى حكومة تطبخ على نار هادئة، حتى تخرج الطبخة ناضجة ويمكنها أن تعمر لمدة أربع سنوات..ويكاد يكون هناك شبه إجماع على أنه توجد ثلاثة أنواع من الأنظمة السياسية أولها الأنظمة البدائية، وهي عصابات صغيرة تفرض رؤاها وشروطها. وثانيهما الأنظمة النخبوية، وهي مجتمعات تقدم حقوقا سياسية واقتصادية لنخبة محدودة فقط. وتمثل هذه الأنظمة المرحلة الثانية من تطور الأنظمة الساسية، وهي بلا شك مرحلة سلبية، أما الأنظمة الديمقراطية المنفتحة، وهي ديمقراطيات تمنح وتحترم الحقوق السياسية والاقتصادية لمعظم المواطنين. وما يعنينا هنا توصيف نظامنا الذي أنشأناه بعيد سقوط نظام صدام الذي كان يصنف ضمن الخانة الأولى، وتصورنا أننا سنتجه نحو الصنف الثالث حارقين المراحل، غير ان الذي حصل هو أننا أبتكرنا شكلا جديدا من الأنظمة هو بين النظام البدائي والنظام النخبوي السلبي، لننتج واقعا مريرا لدولة فاشلة بكل المقاييس!لقد أعطت الدولة الجديدة إمتيازات متنامية لنخب سياسية تشكل هيكلها الجديد، وهذه الإمتيازات أعطيت على حساب الحقوق العامة للمواطنين ، وأكلت كثيرا من جرفهم المتآكل أساسا!، وبدت الصورة وكأن الدولة تخدم نفسها وتهمل من جاءت لخدمت، وتناست أن الأنظمة لا تقوم لها قائمة مالم تضع مصالح الشعب في مقدمة إهتماماتها.. إن المرحلة الجديدة من عمر تجربة ما بعد نيسان 2003 والتي تشكلت ملامحها بنموذجنا الحالي بعد مخاض عسير منذ آذار 2010 حيث ضرب العراقيين مثلا صار محل إعجاب العالم بالنزوع نحو الديمقراطية ، تتطلب إدراك حقيقة أنه يتوجب على الطبقة السياسية المخلصة التخلص من هذا الوضع الإستثنائي، وأن تشرع ببناء دولة ووطن على اسس جيدة ليس بينها خدمة الذات والحزب والفئة والطائفة والدين والقومية، اسس متبناها الأول والأخير العراق والعراقيين، وأن تنحي كل ما يوضع في الخانة التي تضعف هذا المتبنى، فهل سيكون ذلك حاضرا في عملية بناءالتشكيلة الوزارية المنتظرة؟ نشك في ذلك...النقطة الثالثة أن كتاب تكليف السيد المالكي وقد تم تأخيره الى نهاية المدة الدستورية، كي يمنح مدة إضافية على الشهر الذي سيكون تحت تصرفه قانونيا، فقد شرع السيد المالكي بمشاوراته في وقت مبكر مستغلا الوقت، وهذه تسجل لصالحه..غير أننا نتوقع خلافات وصراعات جديدة،فبعد الخلافات على توزيع النقاط على الكتل السياسية المشاركة، وبعد الخلافات على "تسعير" الوزارات، وهو مصطلح في محله، فلكل وزارة عدد من النقاط يختلف بأختلاف أهميتها، والوزارات ثلاثة أنواع، سيادية وخدمية ودولة، سيدخل العمل من أجل تشكيل الحكومة في صراعات سيتخللها "زعل" هذا الطرف أو ذاك، كما سيتخللها تهديدات" بالأنسحاب من العملية السياسية من أطراف إعتادت هذا المسلك الفج، وسنسمع جعجعة ولا نرى طحنا، وسنشهد إستعراضات للعضلات ومراشقات كلامية، فالأمر يستحق كل ذلك، لأن الغنيمة ثمينة، وواقعيا فأن ثمنها في إمتيازات الموقع الوزاري للشخص الذي سيشغله وللحزب الذي يمثله، وسنشهد صراعات داخل الكتل السياسية نفسها على المواقع الوزارية، فمعلوم أن كل الكتل السياسية مشكلة من عدد من القوى السياسية، وكل منها "تحلم" بالوزارة، وسيكون هناك صراعات أخرى على المقاعد البديلة، فالوزراء الجدد سيكون معظمهم من النواب، وهذا يعني أنهم سيعوضون من قبل كتلهم بنواب بدلاء، وهو إجراء غير ديمقراطي ولكن المشرع العراقي أخذ به في مرحلة التأسيس للديمقراطية ، بل أننا سنشهد صراعات حزبية داخلية ستنعكس على الشارع بشكل أو بآخر، فمن سيستوزرون، أو من صاروا نوابا ستحدث عملية إستيزارهم إو إستنابتهم خللا داخل أحزابهم لأنهم على الأفلب قادة فيها أو لها، ولابد من توفير بدلاء عنهم لقيادة العمل الحزبي الداخلي لأحزابهم، كما سنشهد صراعات من نمط آخر، هو أنه يتوجب على الذين صاروا نوابا أو سيكونون وزراء أن يسددوا أثمان الدعم الذي تلقوه من الجهات التي دعمتهم، والأثمان عادة باهضة على الصعيد العملي والعملياتي ، وسنسمع أقوالا من القيادات السياسية تندد بهذا المسؤول الجديد أو ذاك، لأنه لم يفي بألتزاماته تجاه حزبه وكيانه وفئته، وبعضهم سيوصم بالخيانة، وهو أمر سمعناه بالأمس!...

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك