حافظ آل بشارة
لا شيء يثير الدهشة في الساحة الثقافية اكثر من وسيلة اعلام فخمة المظهر عالية الصوت فاجرة الطلعة جاهلة عاجزة عن الاجابة على السؤال القديم : من نحن وماذا نريد ؟! انها مثل خضراء الدمن ، من المؤسف ان تتحول اذواق بعض الاثرياء الى اعتناق لعبة خطيرة هي تاسيس قنوات فضائية ، كان الاثرياء عندما يفسدون يشربون الخمر في بيوتهم او بساتينهم ويجلبون الغجريات ليرقصن وينشدن في قصورهم ، أما الآن فحين يفسد الثري ويكفر بأنعم الله يسارع الى فتح قناة فضائية ليوزع شروره الغجرية عبر الاثير الطاهر ، هذا الفضاء الذي تعبره الدعوات والمناجاة والتلاوات والآذان وتجعل الملائكة يبتهجون ، اخذت تلوثه المفاسد السمعية والبصرية التي تثير احزان الملائكة فهم يعتقدون ان هذا الفضاء هو حرم ربهم الذي يجري تدنيسه ، تلك المفاسد تعود هابطة لتدخل كل بيت بلا استئذان كما يدخل ماء المجاري ، قد يكون الجهل هو السبب المباشر لبعض هذا العبث الفضائي ، انه الاخفاق في الاجابة على سؤال من نحن وماذا نريد ؟ وليس هناك مؤامرة أو متآمرون ، يجب توجيه نصائح الى الاثرياء كي يتسلوا بطريقة ثانية ويتركوا هذه الموضة الخطيرة المكلفة المدنسة ، واذا اصر صاحب مليارات على خوض هذه اللعبة فعليه ان يستعين بمتخصصين يجعلون مشروعه الفضائي سلميا لا يشكل اعتداء على اهل الارض ولا يغيض اهل السماء ، ويعلمونهم كيف يستخدمون السؤال التأسيسي من نحن وماذا نريد ؟ في العراق لسنا بحاجة الى مزيد من الاسئلة يفترض ان تلبي وسائل الاعلام جميعا حاجة المجتمع الراهنة الى مقومات التنمية الثقافية ، وهي مخطط تغيير انساني جمهوره المستهدف هو المجتمع كله لتوفير الحاضنة الاجتماعية للتنمية السياسية والاقتصادية ، وعندما تجتمع التنميات الثلاث يقال ان البلد يعيش تنمية شاملة ، اعادة بناء الوعي باستخدام التعليم والاعلام ونشر ثقافة الديمقراطية وأولها قبول مبدأ التسامح الانساني بين المكونات الذي يثمر الحوار والحوار يصنع التعايش ثم الاندماج فتظهر التعددية السياسية والاجتماعية والدينية وبوجودها يزدهر تداول السلطة سلميا ، ثم يتضائل عبر السنوات الميل الى تسييس الانتماءات الثانوية وتظهر الهوية الجامعة ، وتنتقل الاحزاب من الصراع الراديكالي الى التنافس المطلبي ، فتكون خدمة البشر عقيدة وتتحول حقوق الانسان الى معايير ، التنمية السياسية توفر للتنمية الاقتصادية اطارها التنفيذي الا انها تحتاج الى غطاء شعبي يؤمن بقدسية العمل وقيمة الوقت وقوة المبادرة ، وحزمة من القيم الاخلاقية التي تجعل المجتمع يتحمل مشاق الاقتصاد المغلق والتضخم والفقر المؤقت والازمات المتوقعة بسبب رحلة تكوين البنى التحتية ، الاعلام الهادف يجب ان يساند التنمية الثقافية التي تتطلب تأصيل الهوية ومواجهة الميوعة والكسل واللهو والاتكالية وفقدان الثقة بالنفس ، بعض الفضائيات تمارس الهدم بدل البناء بسبب الجهل فتنشر الضياع والانحطاط والشذوذ في عبثية واضحة لان اصحابها جيوبهم ثقيلة وعقولهم من الوزن الخفيف ، اللعنة على ممولي العبث الفضائي ان كانوا قاصدين ، واللعنة على من اسرج والجم ومن والاهم باعداد واخراج وتصوير ومونتاج وديكور ومكساج .
https://telegram.me/buratha