*راسم منصور
قدر العراق الذي لا مفر منه كما يبدو هو أن يدار دائما من قبل حزب واحد ، ويتسلط على شعبة قائد أوحد . وقدرنا نحن المشتغلين بمجالات الأدب والفن أن يبقى هذا الحزب الواحد والقائد الأوحد ينظر ألينا نظرة (أستصغار) ، ولأسباب عديدة . أولها معرفة هذا الحزب وقائده بخطورة دور الأدباء والفنانين والمثقفين بشكل عام في تقويض أسس حكمه ، التي يطمح لبنائها على اسس أستبدادية . فيذهب الى تهميش دورهم وتشريدهم أحيانا ، والضغط عليهم بوسائل قذرة ونتنه تعبر عن نفسية مريضة لهذا الحزب وذالك القائد.
ولعل من أهم وسائل الضغط التي تستخدمها أحزاب كحزب البعث القميء وحزب الدعوة الذي ينتهج نفس الأسلوب كما يبدو وأن كان في بداية طريقه الأستبدادي . هو الحالة المعيشية للمثقفين العراقيين بشكل عام والأدباء والفنانين بشكل خاص . وقد سلك حزب البعث سلوك أغناء البعض منهم من خلال الأغداق عليهم بالمنح والمكرمات والرواتب الضخمة وكذالك اعطائهم صلاحيات كبيرة ، حتى أصبح البعض منهم يدافع عن حكومة البعث أكثر من البعثيين أنفسهم ، والأمثلة على ذالك كثيرة ولا داعي لذكر أسماء .
وبعد تولي حزب الدعوة السلطة شبه المطلقة في العراق ، لم يختلف الأمر كثيرا ، فقد عمد (الدعاة ) الى ممارسة دورا تهميشيا مشينا بحق الأدباء والفنانيين وصل حد لا يمكن السكوت عنه . فولوا على أدارة شؤون الثقافة ، الهامشين والأميين والجهلة وأنصاف المثقفين . وذالك ماكان سائدا في زمن حزب البعث المقبور . كما وانتهجوا أسلوب البعث في منح المكرمات والمنح للأدباء والفنانين ، وهذه مبادرة (دعوتية) يجب التوقف لديها ومناقشتها بروية وأحساس بالمسؤلية التاريخية أتجاه معاناة شعب بالكامل.
ففي عام 2001 أمر القائد (الضرورة) أنذاك بمنح مكرمة للفنانين والادباء والمثقفين وهي على ثلاثة فئات (ا-ب-ج) تدفع على شكل مرتبات ، وكنت أنا شخصيا على فئة (ب) ويبلغ مرتب هذه الفئه مائة وخمسون الف دينار عراقي ، وأستلمت لمدة شهرين وبعدها جائت الحرب وسقوط النظام . وعندما اقول أستلمت أنما ( اعني ) ذالك تماما ، فبالنسبة لي على الاقل كان مجرد ذكر أسمي في قوائم المكرمين ، هو وسيلة دفاعية من اجل استمراري في الوجود ، والتخلص من بعض (الشراك) التي كان البعض ينصبها لمن هو في مثل وضعي أنذاك ( متمرد ، طويل السان ، من عائلة أبتلاها الله بشخصيات شاركت في نضال حزب الدعوة الاسلامية (عائلة ال شبّر) ، بالرغم أني لا أدعي أني كنت من الذين يقاومون النظام او يقفون بالمواجهة ، لاني فنان وسلاح الفنان هو الفكر والجمال ) ، ثم أجزم أني كنت بأمس الحاجة لمبلغ كهذا وهو حينها مبلغ يكفي لتوفير شقة صغيرة تحويني وكتبي وملابسي واشيائي التي كنت منتشرة في بيوت الاصدقاء من اهالي بغداد.
أما اليوم وبعد التغيير الكبير الذي حصل في العراق ، وكمية الدماء التي اريقت على مذابح الحرية من أجل الأنعتاق من العبودية والأستبداد ، فأنا ارفض أن أفعل ما فعلته بالأمس القريب ، وأعتبرها أهانة كبيرة وجرح سيحتاج الى وقت كبير كي يندمل ، فالاخبار التي جائتني من بغداد تفيد بأن (حكومة الدعوة) أوعزت بتوزيع منح للمثقفين والفنانين وبنفس طريقة حكومة صدام والبعث الفاسد وايضا على فئتين (ا-ب) ، وأستغرب تماما من الأهانة الكبيرة التي قبل بها أغلب الفنانيين والأدباء . والتي تجسدت في اولا : التسمية (منحة) . وثانيا : تفاهت المبلغ (120$-100$) شهريا .! أهذا هو قدر الفنان والاديب في بلد الحضارات ؟ أهكذا تسير الامور يادعاة محمد باقر الصدر الذي دفع روحه ثمنا للكرامة؟ لماذا لم تفكروا بطريقة تكون أقل (أهانة) وأقل (تجريح) من هذه ؟ لماذا لم تستشيروا أصحاب الرأي من الأدباء والفنانين الحقيقيين ؟ أم أنكم مازلتم تستحرموا أستشارتهم؟.
لو كنتم أستشرتم أصحاب الفكر لنبهوكم أن الفكر والابداع والجمال ليس له قدر من المال ، ولقالوا لكم ايضا أن زمن الهبات والمنح قد ولى ، وشرحوا لكم كيف يمكن أن تبنوا وطن يكون فيه الاديب والفنان أمن دون هبات اوعطايا أو منح ، ولقالوا لكم ايضا أن أيجار غرفة مظلمه في اقذر أحياء بغداد هي مائتي دولار ، ولقالوا لكم قللوا من سرقاتكم وفسادكم وأيفاداتكم كي تحموا الناس من الفاقة والعوز . أيها الدعاة يامن أبتلى العراق بكم كبلائه بعارف والبكر وصدام ، أنصحكم بأعادة حساباتكم ، فما تفعلونه هو العبث بعينة ، أنتم أمام دولة ومجتمع ، لايبنى بسيطحيتكم هذه ولا بصفاقت أفكاركم ، وأعلموا أن العراق كله ( فمُ ) . وأن العوز والفقر ينهش الناس في كل المحافظات من الشمال الى الجنوب ، لا تنظروا الى من هم قريبون منكم أنظروا الى أبعد ، شاهدوا الجوع والفاقة والعوز والألم التي تسيطر على غالبية شرائح شعب العراق . فمنحتكم للأدباء والفنانين ما هي ،ألا فتات موائد حراساتكم الشخصين ، وهي لاتعني شيئا ، كان الأجدى بكم أن تمنحوا المتسولين والعجزة وارامل الشهداء . أتعرفون الشهداء ؟ أم أن بريق السلطة أنساكم اياهم ؟ أنهم من أستخدمتم دمائهم للوصول الى سدة الحكم .اصدقائي واساتذتي ياصناع الفكر والجمال والحياة في بلدي العراق ، ليس لائقا بكم أن تسكتوا على أهانه كهذه ، فهي محاولة لجس نبضكم ومن ثم سوقكم كقطيع (حشى لله) . ربما نجد العذر عندما أستلمنا مكرمة القائد الضرورة انذاك صدام وحزبة ، ولكن لا عذر لنا اليوم ، لم يكن بوسعنا رفض مكرمة صدام ، ولكن بوسعنا اليوم أن نرفض منحة المالكي وحزبة ، فأنها طريق نحو الهاوية .وأسجل هنا أمام الله والتاريخ أني ارفض وبترفع أن استلم منحة المالكي وحزبة ، أيمانا مني بأن الحكومات العاجزة عن تقديم الأنجازات لشعوبها هي من تلجاء الى طريق المكرمات والمنح .
• كاتب وفنان عراقي يقيم في القاهرة• عضو المكتب التنفيذي لأتحاد الفنانين العرب• رئيس مركز العراق للهيئة العربية للمسرح
https://telegram.me/buratha