حافظ آل بشارة
مازالت الدعوة الى تشكيل حكومة الشراكة الوطنية تتكرر على السنة الساسة والمثقفين والناس أجمعين ، وهي تعني حصول الجميع على مكاسب ومناصب في الحكومة لكي لا يغضب أحد فيقرر الانتقام الذي يستهدف عادة الناس وليس الخصوم السياسيين ويحاول الطرف الغاضب قتل اكبر عدد ممكن من الشعب في الاسواق والتجمعات كل ذلك لكي يقول ان الحكومة عاجزة عن توفير الامن ! ويبدو ان الانتقام عمل اصبح متيسرا لكل من يريده ، واصبحت عملية ارسال الانتحاريين تتم عبر الهاتف لمن يريد متى يشاء ، فحين يريد احدهم ان ينتقم يتصل بمقر معين ويطلب الانتحاريين الذين يحتاجهم وهم من جنسيات مختلفة والحصول عليهم اسهل من الحصول على خراف الذبح ، يتم تفخيخهم وادخالهم الى اي مكان مزدحم ، وقد ازداد استهلاكهم في ايام مفاوضات تشكيل الحكومة مما يدل على ان الانتحاريين يمكن ان يكونوا ضمن ادوات والتركيع . المشكلة ان شعار حكومة الشراكة الوطنية يجري مجرى الدعاية فلا ينتبه الناس الى مضمونه الدقيق فالمعروف ان الشراكة لا تتحقق الا بين قوى تتشابه عادة في غاياتها ووسائل تحقيق تلك الغايات ، وخلف كل من الغايات والوسائل تقف عقيدة سياسية معينة ، وما لم يتحقق تماثل في العقيدة السياسية فان الشراكة مستحيلة ، فلا يمكن لقوم تحقيق الشراكة اذا انعدم بينهم القاسم المشترك الأكبر وهو الايمان بالديمقراطية ، هناك من يؤمن بالديمقراطية قلبا وقالبا يقابله فريق لايؤمن بالديمقراطية بل يضحك في سره ممن يتكلم عنها او يدعو اليها لكنه يعلن ايمانه بها للتغطية على مسلكه ، وفريق ثالث يؤمن بأن المخالف له في التفكير والاجتهاد يجب ان يقتل فورا لأنه كافر ومناقشته حرام ، فاذا ثبت ان القوى السياسية غير متماثلة في عقيدتها السياسية فالشراكة مستحيلة لأن كل فريق يمثل نقضا للآخر عقيدة وسلوكا ، حتى ان عدة مستويات من التناقض الفكري يمكن ان توجد مع بعضها في زمان ومكان واحد وغالبا ما تتعطل ارادة التعايش فيحل محلها النفاق الاجتماعي والسياسي الذي يظهر الجميل ويبطن القبيح ، وتتراوح تلك المستويات بين اشخاص تكوينهم الاستبدادي محكم ولا يمكن تغييره ، وآخرين متأثرين بهذا النهج لاسباب نفسية ، بينما هناك من يقع في تقديس الاستبداد والعبودبة بسبب الجهل ، ولكن هناك ايضا ضحايا التعبئة الطائفية والقومية التي تذكيها أحزاب ودول مستفيدة وقودها الاغبياء والساذجون من الناس ، يفترض ان لا تتجاهل دعوة الشراكة هذا التناقض الفكري وبالتالي التناقض السلوكي بين الاطراف ان ارادت النجاح . عندما يصبح مستحيلا التقريب بين الافكار وعندما يهيمن المنحى المجاملاتي بين المتضادين في بلد ما تصبح دعوى الشراكة غطاء ممتازا لعملية تدمير منهجي يقوم بها النقيض لتصفية نقيضه تدريجيا بصمت ، فالشراكة تسمح لعدوك ان يقاسمك كل شيء ويذبحك في وضح النهار وانت لا تحاول منعه كي لا يغضب ويغير رأيه ويقاطع الشراكة .
https://telegram.me/buratha