المقالات

محنة تكليف المالكي

1268 22:38:00 2010-11-13

راسم منصور*

أخيرا أتفق الساسة على توزيع المناصب العليا في الدولة العراقية ، وتم تكليف السيد المالكي بتشكيل الحكومة . وبالرغم من انسحاب القائمة العراقية صاحبة الفوز بالانتخابات من الجلسة الاولى للبرلمان والتي كانت مرتبكة وقلقلة بكل تفاصيلها ، ألا أن الامر أنتهى ووزعت المناصب بشكل دستوري لا غبار علية .وبالعودة الى تكليف السيد نوري المالكي قي تشكيل الحكومة المنتظرة ، تبرز عقد عديدة ستشكل محنة حقيقة سترافق السيد المالكي وحكومته المنتظره على مدى اربعين شهرا من الآن. لعل اول وابرز هذه العقد ، هو راديكالية السيد المالكي نفسة ، وأيمانه بالفردية والحكم المطلق وهيمنة الحزب الواحد على المفاصل المهمة في جسد الدولة ، وهذا ليس طرحا جديدا او أستشرافا مستقبليا ، انما هي واحدة من أهم صفات هذا الرجل وأبرز سمات فترة حكمه .بالمقابل سيكون في المعسكر الآخر قوى سياسية تمتاز بشيء من الأعتدال وتقترب من الأفكار التي تخترق الحزب الواحد اوالطائفة وحتى (الشخصنة) ، وهي القائمة العراقية التي حازت على اكبر عدد من مقاعد البرلمان في الأنتخابات ، وهنا ستبدأ محنة الشعب العراقي في الفترة القادمة . صراع من نوع أخر كان واضحا منذ اللحظه الأولى لبدء ما أسماه السيد المالكي نفسه (تأسيس الدولة) . أزمة ثقة كبيرة بين الطرفين ، أوضحتها الوثيقة التي اشهرها اعضاء القائمة العراقية في الجلسة الأولى ، وكيف تنصل منها السيد المالكي وأعضاء كتلته ، وبغض النظر عن مضمونها الذي يكفي بحد ذاته ان يؤشر على عدم أعطاء الثقة للسيد المالكي ، فكيف يمكن منح ثقة لشخصية سياسية تساوم على مبدأ أساسي و(رمزي) لفئة كبيرة من الشعب العراقي؟ وكيف يمنح وعدا وميثاقا مكتوبا لأزالة قرار قضائي عن اربعة اشخاص صدر بحقهم قرار سابق؟حتى وأن كان هذا ضمن صلاحيته التنفيذية .كما أن هناك اسبابا اخرى لأزمة الثقة بين المالكي وخصومة ، فطريقة المالكي في أدارته الدولة للاربع سنوات المنصرمة ، أسهمت بشكل او بأخر في ابتعاد المسيرة السياسية في العراق عن المباديء الديمقراطية ورميها في أتون السلطة الفردية والنزعة الشوفينية التي أقلقت عددا كبيرا من المهتمين بالشأن العراقي وأسهمت في نجاح فريق العراقية في انتزاع فوزا كبيرا في انتخابات مارس 2010. وحتى حلفاء السيد المالكي في السابق والذين ساهموا في ترشيحة للحكومة السابقة (2006 ) أخذوا يستشعرون خطورته ويبتعدون عنه ، فالصدريون والمجلس الأسلامي الاعلى أول من نادى بضرورة تغيير نهج المالكي الفردي والحزبي ، وربما يعزى سبب وقوف الصدريين معه في الأيام الأخيرة لضغوط خارجية أعلن عنها صراحة السيد مقتدى الصدر أو لأسباب براغماتية ممكنة الأستخدام في السياسة . أما المجلس الاعلى فقد أستمر على موقفه ، لأنه يراهن على المستقبل وعلى أنهيار ثقة العراقيين بالسيدالمالكي ، وهي نظرة واقعية ، فالسياسة نتائج ، ونتائج تولي المالكي دفة الحكم في الاربع سنوات الماضية ماثلة للعيان لمن يريد أن يتفحص الوضع العراقي بشيء من الدقة ، فليس هناك مشروع دولة يتبناها المالكي أو حزبه ، ولم يضع أسسا ثابته لمشروع وطني قد يساعد على أخراج العراق من بوتقة التخندق الطائفي والحزبي ولعل هرمية بناء الدولة بشكل معكوس تعطي تصورا كاملا عن شكل الدولة التي يسعى لها السيد المالكي ، ناهيك عن الأرتداد الخطير في ملف الخدمات وملف الفساد المالي والأداري والذي ساهم سكوت السيد المالكي في أنتعاشة . وحتى الأنجازات التي طالما تحدث بها السيد المالكي والتي هي أنجازات أمنية مفترضة ، أثبت الواقع العملي أنها غير موجودة على ارض الواقع ، والشواهد كثيرة ولعل حادث كنيسة النجاة ما زال في الأذهان ، وعمليات القتل والسطو والنزاعات المسلحة ما زالت تستعر في ارض العراق . أما محنة الصراعات السياسية التي ستظهر حتما في المستقبل القريب ، فالتوقعات جميعها تشير الى أن المالكي وكما معروف عنه في سياسته خلال السنوات الاربعة المنصرمة ، سيضطر الى اللجوء الى خندق الحزب والطائفة لمواجهة الصراع الذي سينشب بينه وبين خصومه السياسين ، هذا أذا اخذنا بنظر الأعتبار أن السنوات الأربع الماضية كان للسيد المالكي قاعدة عريضة يستند عليها وشخصيات سياسية لها تأثير كبير في المشهد العراقي ، حيث عملت هذه الشخصيات على تماسك حكومة المالكي في الفترة السابقة ولعل المجلس الأسلامي الأعلى والسيد عبد العزيز الحكيم اول من وقف بوجه محاولة اسقاط حكومة المالكي حين أنسحبت جبهة التوافق والعراقية والصدريين أنذاك من الحكومة التي كان يرأسها . أما في الفترة القادمة فستختفي هذة الميزة التي كانت لدية ، فالمجلس الأعلى والسيد عمار الحكيم بما يملك من ثقل وحضور سياسي وأجتماعي وتأثير كبير سيكون بعيدا عن المشهد ، والأسباب معروفه ايضا ، فجسور الثقة بين المجلس الأسلامي الأعلى والسيد المالكي متقطعة ، وربما لأن المجلس الأسلامي الأعلى أختار أن يكون عنصر توازن وتقارب سياسي وأستطاع تحقيق ذلك .أما الصنعة السياسية المحترفة التي يملكها الساسة الكرد بالأضافة الى العلاقات الأستراتيجية مع المجلس لاسلامي الأعلى ، ستكون عنصر ضغط على السيد المالكي خلال الفترة القادمة ، فالاكراد يرون اليوم في المالكي ممرا امنا للوصول الى أهدافهم السياسية والتي يشكك الكثير في أستجابة المالكي لها في المستقبل .ولعل الصدريين ليس أقل خطرا على السيد المالكي من الفرقاء السياسين الأخريين ، فهم جاءوا تحت ضغط خارجي ووفق مكاسب سياسية ينتظرونها من السيد المالكي ، وفي حال عدم تحقيق هذه المكاسب فسيكونوا اشد وطأة من غيرهم على حكومة المالكي المقبلة ، فالصدريون كتلة تمثل فئة مسحوقة أقتصاديا في المجتمع العراقي ، وهم يأتمرون بمرجعية وقيادة دينية ،وعندما تقتنع هذه المرجعية وهذه القيادة بفشل تحقيق السيد المالكي لمطالب جماهيرها التي أنتخبتها ستكون سوطا على السيد المالكي بدل أن تكون عونا له .كان البعض تواق للتغير ، وكان البعض يريد شخصية سياسية جامعة للأطياف السياسية ، غير أن أمنيات هؤلاء ذهبت أدراج الرياح ، فكل شيء كان حاضرا في الجلسة الأولى للبرلمان: الشخصيات السياسية ، المناصب ، الخلافات ، صراعات كصراعات الديكة ، حتى الحمايات الشخصية كانت حاضرة وهي لقطة لم نشاهدها في برلمانات الدولة المختلفة ، غير أن الغائب الوحيد كان هو (طموحات العراقيين ) في بناء بلدهم حتى ولو بعد حين .

*• كاتب وفنان عراقي يقيم في القاهرة.• عضوا المكتب التنفيذي لأتحاد الفنانين العرب .• رئيس الهيئة العربية للمسرح مركز العراق.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك