المقالات

من الاقوى البرلمان أم الحكومة؟

1459 12:31:00 2010-11-08

بقلم محمد دعيبل كاتب واعلامي

تمهيد:لاريب ان الباحث في السياسة والقانون يرى ان التغير النوعي في انظمة الحكم في العالم والذي حدث بعد الحرب العالمية الثانية اثار قفزة نوعية في سياسات الدول والذي ارسى بطبيعة الحال قواعد ما يسميه فقهاء القانون "التحول الديموقراطي" والذي يعني بطبيعة الحال اشراك الشعوب في التعبير عن رأيها في نظام الحكم وهذا التحول في مسار السلطة الحاكمة بدرجة 180 م بعد ما كان العالم تحت قيادة امبراطوريات وحكومات ملكية تفتقد الشرعية في تمثيل الشعوب كما يحدثنا التاريخ في الازمان الماضية وكما هو الحال في حالة حكم الامبراطوريين الفارسية والرومانية والعثمانية اذ قد تتفرد تلك الانظمة اللاشرعية في السلطة مع غياب الدساتير الحاكمة انذاك في الوقت الذي تفتقد فيه الرعية الى مقومات الحرية والتعبير عن رايها،ولعل النظام الحاكم يقضي بسياسة الحديد والنار بعيدا كل البعد عن ميزان العدالة في الحقوق والواجبات. النظام البرلماني اصطلاحا:لا يمكننا ان نعرف النظام البرلماني لغة بالمعنى الوافي ،ولعل السبب في ذلك يكمن في ان المصطلح المذكور لحداثة ولادته كونه يمثل فكرا غربيا دخل ميادين الحياة في الخمسينيات من القرن القرن العشرين ،الا اننا يمكن ايضاح المعنى اللغوي من خلال تعريف اللفظ اصطلاحا كما هو معروف لدى علماء اللغة اذ يعرف هذا النظام بانه "نوع من انواع الحكومات النيابية والذي يقوم اساسه على وجود مجلس منتخب يستمد سلطته من سلطة الشعب الذي انتخبه في الوقت الذي يعتمد هذا النظام مبدأ الفصل بين السلطات على أساس التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية".في حين تتكون السلطة التنفيذية فيه من طرفين هما رئيس الدولة ومجلس الوزراء ويلاحظ في الوقت ذاته عدم مسؤولية رئيس الدولة أمام البرلمان ،أما مجلس الوزراء أو الحكومة فتكون مسؤولة أمام البرلمان أو السلطة التشريعية ومسؤولية الوزراء اما أن تكون مسؤولية فردية أو مسؤولية جماعية نسبة للأعمال المناطة بهم،كما يمكن تنفيذ هذا النظام في الدول الجمهورية أو الملكية لأن رئيس الدولة في النظام البرلماني لا يمارس اختصاصاته بنفسه بل بواسطة وزرائه.ومع أن السلطة التشريعية لها وظيفة التشريع فإن للسلطة التنفيذية الحق في اقتراح القوانين والاشتراك في مناقشتها أمام البرلمان كذلك فيما يتعلق بوضع السياسات العامة يعد من حق السلطة التنفيذية لكنها تمتلك الحق في نقاش السياسات وابداء الرأي فيها كما تمتلك السلطة التشريعية الحق في مراقبة اعمال السلطة التنفيذية والتصديق على ما تعقده من اتفاقيات. هذا من جهة ومن جهة ثانية فان ما يتعلق برئيس الدولة في النظام المذكور ،اختلف الباحثون حول دوره في هذا النظام اوقد يكون معظم دوره سلبياً ، كما ان مركزه يعد مركزا شرفيا ومن ثم ليس له ان يتدخل في شؤون الادارة الفعلية للحكم وكل ما يملكه في هذا الخصوص هو مجرد توجيه النصح والارشاد الى سلطات الدولة لذلك قيل ان رئيس الدولة في هذا النظام لا يملك من السلطة الا جانبها الاسمي اما الجانب الفعلي فيها فيكون لمجلس الوزراء.لذلك فرئيس الدولة يترك للوزراء الادارة الفعلية في شؤون الحكم وهو لا يملك وحده حرية التصرف في أمر من الأمور الهامة في الشؤون العامة أو حتى المساس بها وهذا هو المتبع في بريطانيا وهي موطن النظام البرلماني حتى صار من المبادئ المقررة ان (الملك يسود ولا يحكم). حداثة الديموقراطية في العراق 7 سنوات منذ انفتاح ابواب الديمقراطية امام الشعب العراقي ولازال المشروع الديموقراطي الجديد في البلد دون مرحلة النضج والاكتمال واعتقد انه ثمة سببان في هذا الامر الاول هو عدم سن منهجية قانونية لتشكيل الاحزاب السياسية التي تمتلك بيدها مفتاح باب النظام للدولة العراقية الحديثة اذ ان سياسة التخبط المستمرة من قبل الكثير من الاحزاب السياسية فضلاً عن عدم تشريع قانون الاحزاب ادى بدوره الى حدوث فوضى سياسية ابعدت البلد عن ساحة الديموقراطية المنشودة وأدى الامر الى وقوع تناحر وتنافر بين الاحزاب التي بلغت من الكثرة ما ليس له مثيل في بلدان العالم التي تحكمها الانظمة الديموقراطية الحديثة. ولعل التعددية الحزبية بهذا المنوال ادى الى فقدان الامتياز بالنوع على حساب الكم.واما السبب الآخر فهو ذاتي يتعلق بالقادة السياسيين انفسهم ، كما ان فحواه هو عدم امتلاك الكثير منهم الحنكة السياسية والكفاءة المهنية والقدرة على محاكاة الشعب والتداول السلمي للسلطة ، اذ لا زال اغلب القادة السياسيين يفتقدون روح التفاعل مع المصلحة العامة للبلد كما ان ابتعادهم عن ابناء الشعب وعدم التفكير مليا في تحقيق ما يربو اليه العراقيون وانشغالهم بمصالحهم الذاتية وشغفهم بالسلطة دون امتلاك روح التنافس الشريف واعتماد المبدأ القائل إن "السياسة اخذ وعطاء" و"من كان له الغنم فعليه الغرم"، كل تلك الامور افرزت واقعاً مريراً لا زال الشعب العراقي يعاني منه لحد الآن. ولو القينا نظرة على مجريات الاحداث في الدورة البرلمانية الاولى قبل اكثر من (4) اعوام منذ الآن لتبين لنا ان واقع البرلمان السابق هو الآخر واقع مرير يفتقر الى مقومات السلطتين التشريعية والرقابية التي كان من المؤمل ان يستثمر أعضاء البرلمان الـ(275) آنذاك صلاحياتهم الدستورية في تقويم أداء السلطة التنفيذية وتعديل الانحراف في مسارها لو انحرفت عن جادة الصواب ،وما هذا العمل الا كمفردة من مفردات رد الاحسان الى ابناء الشعب الذي جاهد من اجل ايصال السادة الاعضاء الى قبة البرلمان، و"هل جزاء الإحسان الاّ الاحسان".مساوئ البرلمان السابقيصف الكثير من المهتمين بالشأن العراقي أن البرلمان الماضي لم يكن بالمستوى المطلوب ولم يشرع الكثير من القوانين التي يكون الشعب بأمس الحاجة اليها ولكنها لم تر الضوء لحد الان ،كما ان دوره الرقابي كان معدوماً وخاصة في السنين الاوليتين من عمره القانوني مما أدى بطبيعة الحال الى تراخي السلطة التنفيذية وضعف أدائها وعدم الايفاء بالوعود التي املاها الجهاز الحاكم تجاه ابناء الشعب وعدم قيام تلك السلطة بأداء واجبها الوطني كما يريده ابناء العراق الغيارى. حتى كانت اغلب الوزارات تمثل اسما دون مسمى ولعل ضعف الاداء ادى الى تراكم الاخطاء وغلق منافذ الخدمة الوطنية المرجوة من الاجهزة التنفيذية والتي يجب عليها ان تقر بها كورقة عمل تكسب من خلالها الرأي العام وتحقق متطلباته المشروعة ،في الوقت الذي اكد الاعضاء المخلصون في البرلمان آنذاك على ضرورة تفعيل دوره الرقابي فضلاً عن التشريعي حفاظاً على هويته الاصيلة من الضياع، الا ان اصرار السلطة التنفيذية على كم الافواه ووضع العراقيل امام تحقيق هذ المطلب جعل من البرلمان ان يستسلم لمجريات الاحداث ويضعف من قوته حتى بدا وكأنه شيخ هزيل لا حول له ولا قوة. وحينما كشفنا الاوراق راينا أن اصرار الجهاز التنفيذي على تضييع حق البرلمان في مراقبة الأداء الحكومي سبب هو الآخر الى انتشار فيروس الفساد الاداري والمالي في مؤسسات الدولة حتى اختلط الحابل بالنابل وقد "بلغ السيل الزبى" على ما يقوله المثل السائد ،مما زاد في الطين بلة وبلغ الامر اكثر تعقيدا ، كما ان الحال خرج عن دائرة السيطرة النوعية وفقدت قدرته الادائية . بيد ان انشغال السادة الوزراء بمناصبهم البهية وعدم القدرة على اصلاح الاخطاء والامتيازات اللامحدودة التي وهبتها السلطة الحاكمة لهم ارست لديهم روح الانفة والتعنت في تنفيذ الواجبات الملقاة على عاتقهم. اما الجسد البرلماني الذي مرض هو الآخر فراح الكثير من اعضائه الرئيسة يعيش في سبات بعيداً عن مناخ العراق وكأن الدوام الرسمي للبرلمان ليس في مقر واحد بل في مقرات متعددة في العديد من بلدان العالم غير مكترثين بما يحصل للشعب العراقي من قتل وتهجير على الهوية وسوء معيشة وغياب القانون ،وكأن "لا عين رأت ولا اذن سمعت". فقد سافر الكثير من أعضاء البرلمان السابق الى بلدان اوربا والبلدان العربية المجاورة بغية الاصطياف والاستئناس في الوقت الذي يتم صرف رواتبهم المغرية بالكامل ولعل هذه هي سياسة اعداء العراق الذين ارادوا تنفيذها وبالحرف الواحد ، كما استطاعوا ذلك بكل قوة كما يرغبون .وما مسألة استجواب بعض السادة الوزراء الا معاناة لتلكم الرزايا التي اقعدت البرلمان في الفراش مدة ليست بالقصيرة ومع ان مسألة استجواب وزيري الكهرباء والتجارة اعطت للبرلمان نقطة قوة بعض الشيئ،في الوقت الذي يمكننا القول " ما ضر لو امتثل الاعضاء جميعا لهكذا استجواب شجاعة وجرأة في استثمار دورهم القيادي في هذا المجال". من الاقوى؟ عودا على بدء بقي لدينا سؤال يمكن ان نطرحه على القادة السياسيين الكرام وننتظر منهم الاجابة" من الاقوى البرلمان ام الحكومة ؟ وكي نمهد في اجابة السؤال المطروح نبين للقارئ الكريم نتيجة كل ماذكرناه سلفا اذ نرى ان البرلمان وكاحدى السلطات الثلاثة هو الذي يمتلك امتيازا اقوى مما هو عليه بالنسبة للسلطة التنفيذية وبيده مبدأ "الحل والعقد" فعلى سبيل المثال لا الحصر هو ما ال اليه الحزب المعارض في ايطاليا والذي طالب من رئيس الحكومة برولنسكي تقديم استقالته لضعف الاداء الحكومي كما يراه الحزب المذكور وهذا بطبيعة الحال يمثل نقطة قوة في البرلمان ليت النظام البرلماني في العراق يحذو حذوه في مراقبة الاداء الحكومي عن كثب وتقويم مسار الحكم بما يعود بالنفع للشعب العراقي الذي قدم الغالي والنفيس من اجل ان تثمر شجرة الحرية وتؤتي اكلها كل حين ،وانى يكون ذلك؟ الا من خلال تبني مبدأ المواطنة ونبذ المصالح الفئوية وتأسيس نظام داخلي لكل من البرلمان والحكومة والالتزام بالوعود التي قطعها الساسة عل انفسهم بحق ابناء الشعب وتفعيل ماعليه من واجبات وما للشعب من حقوق اذ من المؤسف حقا ان نرى منظمات المجتمع المدني تطالب بحقوق المواطنين في الوقت الذي يغفل البرلمانيون عن هذا الامر الذي جاءوا من اجله ، كما ان تشريع البرلمان للقوانين يتطلب منه تفعيل دوره الرقابي على السلطة التنفيذية،وذلك لانه لا فائدة يمكن ان ترتجى من سن القوانين وغياب الجهاز الرقابي وترك الامورسدى،فيكون بذلك منفذا لتحكيم سلطة المسؤول لا دولة المواطن والعكس هو الصحيح والمفترض من قادة البلد ان يذعنوا الى هذا الامر جليا و"الحر تكفيه الاشارة" .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك