واثق البدران
كعادته دائماً في كشف كواليس السياسة لأجل وضع المواطن البسيط في صورة الحدث بكل صراحة وفي خطبتيه لصلاة هذه الجمعة المباركة التي تأتي مع استعدادات الحجاج للسفر إلى بيت الله الحرام وضع سماحة الشيخ جلال الدين الصغير يده على جرحنا المؤلم الذي لا يبدو في الأفق القريب أن يداً مسؤولة ستوقف نزيفه الخضل وتقدم له الضمادة الشافية فالجريح في واد والمسؤول في آخر وبينهما برزخ من وعود .
انعقدت جلسة البرلمان العراقي وأقسم أعضاؤه الجدد والقدامى اليمين على خدمة من انتخبهم وأوصلهم الى هذه الكراسي للبت في أخطر قضاياهم المصيرية لأنهم الجهة التشريعية والرقابية التي يمكنها محاسبة الجهات التنفيذية اذا ما قصرت في ادائها المتمثل بتقديم الخدمات للمواطن والمجتمع .
باداء اليمين في تلك الجلسة ألزم البرلمانيون أنفسهم بميثاق وعهد بل بعهود مع الله ومع أنفسهم ومع الناس. وسيسألهم الله عن عهدهم معه كما قال سبحانه وتعالى: ((وأوفـوا بالعهـدِ إنَّ العهـدَ كان مـسـؤولا )) وعن عهدهم مع الناس فسيسالون ويحاسبون عن كل عِـدةٍ وعدوا بانجازها المواطنين الذين صوتوا لهم معتقدين أنهم يفعلون ما يقولون فهذه الوعود هي مثل النذر وقد يكفر عن النذر ولكن هذه الوعود اذا اخلفت فلا شيء يكفر عنها كما يقول سيدنا الإمام الصادق(عليه السلام): (( عِدَةُ الْمُؤْمِنِ أَخـاهُ نَذْرٌ لا كَفّـارَةَ لَهُ فَمَنْ أَخْلَفَ فَبِخُلْفِ اللهِ بَدَأ وَلَمِقْـتِهِ تَعَرَّضَ وَقَوْلُهُ يـا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مـا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقولُوا مـا لا تَفْعَلُونَ))
انعقدت ولما تزل منعقدة تلك الجلسة (المقدسة) فهي بحسب قوانين الجلسات البرلمانية العراقية تسمى جلسة مفتوحة وإبقاء هذه الجلسة مفتوحة يعني إبقاء جرح الوطن والمواطن المسكين مفتوحاً .وقد تحقق للعراق رقم قياسي فريد تمثل في دخوله موسوعة غينيس حيث تحطم الرقم السابق الذي سجلته هولندا، وهنا لا يسعني الا أن أشارك سماحة الشيخ جلال الدين الصغير إبتهاله الى الله أن يرقق قلوب هؤلاء المسؤولين ليبتعدوا عن صراعهم على السلطة ويلتفتوا الى المواطن الذي انتخبهم ويتذكروا العهد والميثاق الذي قطعوه على أنفسهم أمام الله سبحانه وتعالى وامام الشعب العراقي العزيز.
قد يشعر كل من يسجل حضوراً في موسوعة غينيس بالفرح والنشوة لأن تسجيله الرقم القياسي جاء تتويجاً لما بذل من جهد ومشقة بصرف النظر عن طبيعة منجزه لكن ما الذي تشعر به النخب السياسية العراقية حين أضافت الى هذه الموسوعة صفحة لا تنسجم مع ما لدى العراق من صفحات مضيئة في سجل التاريخ الإنساني والحضاري فالعراق هو مهد الحضارة والعراق هو مهد القانون والدستور؟!
هل يستحق العراق والعراقيون من الذين انتخبهم إلا الوفاء والعطاء والتضحية؟
أليس على هؤلاء (القادة) الذين وضع الناس ثقتهم فيهم تعويض أبناء الشعب من حرمان تلك السنين العجاف التي حكمها نمرود البعث وغيره من الطواغيت؟
كيف يفي البعض عهده للشعب بالقضاء على الفساد والإرهاب وهو المتستر الأول على المتسببين بتفشي هذا السرطان الخبيث في جسد العراق الحبيب؟ من يحاسب المفسدين والبرلمان معطل ؟ من السبب في تعطيل البرلمان؟
ألا يعلم البرلمانيون أن رواتبهم العالية التي استلموها طيلة هذه الشهور وهم في بيوتهم جالسون إنما هي أموال حرام ؟!
كل هذه الأسئلة المستوحاة من حديث سماحة الشيخ في خطبته لن تجد الإجابة من اولئك المسؤولين ليس لصعوبتها بل لأنهم أصموا آذانهم عنها فقد حليت الدنيا في أعينهم ولربما استمرأوا خدع السياسة وغرَّتهم أكاذيب ربابنتها فظنوا أن مراكبهم ترسو بهم على بر الأمان وتحميهم من أمواج بدأت تهدر بغضب تثيرها رياح الرفض المليوني الواسع لنقضهم العهد مع هذه الملايين التي منحتهم الثقة ليحققوا لهم الأمان والرفاهية في كل القطاعات الخدمية لا ليجلسوا في فنادق الخمس نجوم خارج حدود الوطن المحروم من الكهرباء .
وحيث اقتربت أيام ضيافة الله في شهر الحج فأغلب الظن أن رواد الخمس نجوم والمسـتـثـنيـن طبعاً من الدخول في قرعة الحج سيكونون في مقدمة المسافرين جواً تاركين المعاناة لقوافل الحجاج العراقيين الذين سيواجهون كما في كل سنة المبيت في مطارات العراق أو في العراء على الحدود مع السعودية !
وكما بدأت مع الشيخ الجليل أنتهي معه أيضاً حين أنهى خطبته الأولى بترك الخيار للراحلين الى بيت الله بعد أن بيَّـنَ ووضَّـح حقيقة الحج وفـرَّق بين العـائـد من سوق مكة ببضاعة يوجد في بغداد وغيرها من المدن العراقية ما هو أرخص منها ثمناً وبين العـائـد من تلك الديار المقدسة بأغلى بضاعـةٍ لا يوجد مثلها في كل أسواق الدنيا.
وللمواطن المغلوب على أمره وقـفة مع هؤلاء المسؤولين بعد عودتهم من حجهم هذا ومن كل حج وفج عميق بل له مع هؤلاء يوم الحساب اكثر من وقفة (( وَقِـفوهُـمْ إنَّـهُـمْ مَـسْـؤولون)).
https://telegram.me/buratha