/ حافظ آل بشارة
كشفت الأزمة السياسية الحالية وجود نقاط ضعف خطيرة في البنية السياسية والاجتماعية والثقافية والدستورية والقانونية لبلدنا ، خلاصة تجربتنا الحالية تشبه بيتا تم بناؤه بقسط العقاري الى الرباط بلا سقف ولا لبخ ولا بياض ونريد ان نقيم فيه والشتاء قادم ! دستورنا هزيل ومعرض للطعن ينتقده (اليسوه والما يسوه) ولم يعد ممكنا استخدامه بشكل قطعي لتطويق الأزمة أو وضع قواعد للصراع تقلل من أضراره ، ربما تحرص بعض الأطراف على بقاء بعض مواد الدستور غامضة أو ناقصة لتسهيل تأويلها بالاتجاه الذي تريده ، ستكون المهمة الأكثر الحاحا للبرلمان في الدورة القادمة اجراء التعديلات اللازمة على الدستور وتقنين فقراته العامة التي تحتاج تفاصيل ، وتلافي الفراغات القانونية في الادارة العامة ، أما الضعف في البنية الاجتماعية فيتمثل بعدم تطور ثقافة المجتمع بالشكل الذي يجعله قادرا على مواكبة التحول الديمقراطي وما يوفره من تمثيل للمواطن مبني على اسس جديدة ، هناك تضارب بين مجتمع مازال يقدس الاستقطابات التقليدية لكنه في الوقت نفسه ينعم بحق الانتخاب ! الاسلوب القديم يسهل وصاية بعض التجمعات والاشخاص على طيف واسع من المجتمع ، بينما جميع فئات المجتمع مظلومة ومأكولة حقوقها ، الشرائح الفقيرة والمعذبة كانت تعاني من ظلم ووحشية النظام السابق ، وعندما أوصلت بدماءها أولادها الى السلطة لم يقدموا سلوكا يختلف عن سلوك ذلك النظام ، بقي الفقراء على فقرهم والمظلومون على مظلوميتهم ، نجح كثير من الاشخاص الطموحين في تعبئة الناس بتقديم وعود والتحدث بلغة المنقذين ، المجتمعات المسحوقة تحلم دائما بالمنقذ لكن احلامها مخلوطة بكثير من السذاجة والجهل ويوجد دائما من يستثمر هذه التطلعات بذكاء ليظهر بمظهر المنقذ ولو لمدة قصيرة يجمع خلالها أموالا هائلة ويحصل على مناصب رفيعة والجمهور الراقص بحاجة الى مدة طويلة كي يهدأ ليكتشف اللعبة وحتى ذلك الوقت يكون راكب الموجة قد حقق اهدافا كبيرة أما حلم الجمهور فلم يتحقق منه شيء ، الخلل يكمن في ثقافة المجتمع التي تسهل مثل هذا الاستبدال السياسي غير المثمر ، التي تجعل المجتمع يفقد ثقته بالجميع الاخيار والاشرار ، توجد صيغة غير مكتشفة من التمثيل البشري الذي يمكن ان يحقق حلم العدالة ، والصيغة هي المجتمع المدني المتعدد في أفكاره الموحد في حقوقه الانسانية ، يجب ان يكون الدستور أول مشجع على ظهور منظمات المجتمع المدني وضامنا لبقاءها وتطورها ، واول من يدفع الى موجة معرفية جديدة تطور مفهوم المواطنة البسيط والمجرد من أي استقطاب ، وتحويل مفهوم الرمزية من الاشخاص والاحزاب الى رمزية الدستور والمنهج الصالح ، أي قدسية المنهج وليس قدسية الشخص أو الحزب او الفئة ، لذا يصح القول ان الازمات ليست شرا مطلقا فلولا هذه الأزمة لم نكتشف مواضع الوهن في بناءنا السياسي والثقافي .
https://telegram.me/buratha