د/ عادل راضي الرفاعي – السويد
طالعتنا صحف الانترنت بخبر ٍ مفاده أن مجلس محافظة بغداد في صدد تقديم مشروع للبرلمان العراقي ينص على تغريم الطالب الراسب 2000 دولار لكل سنة دراسية يتأخر فيها . تساءلت ُ في نفسي لماذا لم تكن سياسة مسؤولينا الكرام قراءة الورقة لصالح الطالب وليس ضدّه بغية َ تشجيعه ِ ولغرض غرس المادة العلمية في نفسهِ وتوطين الدراسة في قلبهِ بشكل عفوي لا قسري . فالأجدر والأحرى ممن فكـّرَ بهذا القرار المتسرّع أن يقلبــَهُ لصالح التلميذ وليكن : مشروع قرارٍ بتكريم الطالب المتفوّق ألفي دولار للسنة الدراسية ..... حينئذ ٍ ستصطف إليكم قائمة بالطلبة المتفوقين الجدد وسوف يورق الصفُ أفانينَ من طلبة طامحين لأن الطالب العراقي يعاني من شظف العيش وانعدام الأمل بالمستقبل وأن قانونا ً تكريميا ً ليس تغريميا ً سوف يجذب النوارس الفتية التي تحلم بمضاهاة صيغ التعليم في الدول المتقدمة من حيث التطور والتشجيع والتكريم وتوفير الأدوات الدراسية والمستلزمات الصفية . انظر الرابط خول عينة لمدرسة عراقية فهل تفكر في تغريم من يرسب فيها http://non14.net/display.php?id=10564 سأنقل لكم تجربة السويد في التعامل مع الطالب الراسب هل تغرّمه ُ أم تحتثّ روح النجاح فيه ؟ من خلال تجربتي مع المدارس السويدية والتدريس فيها وجدتُ أن المدرسة تقوم بتوفير متخصص نفساني ومتخصص اجتماعي يقوم كلاهما أو أحدهما بمتابعة حالة الطالب المصاب باليأس والقنوط من الدراسة يواصل تفعيل حالة النهوض لا الانتكاس حتى يفلح في انتشاله من حالة اليأس والفشل ... لم يكتفوا بهذا إذا وجـِدَ طالبان يائسان أو راسبان اثنان أو ثلاثة يوضع لهما مدرّسان أو ثلاثة يقومان بتدريسهم تدريسا ً خاصا ً وهادئاً حتى يصل الطالب إلى ضفة الأمان وهي الحالة الطبيعية مع بقية زملائه ِ ... المدرسة هاهنا تقوم بتشجيع الطالب ان اكتشفت ميلـَهُ العلمي لجانبٍ معرفي معين كالهندسة مثلا ً أو الرياضة مثلاً أو المحاماة وهكذا ، ثمّ تنمّي هذه الحالة الإيجابية بصور التشجيع الرائعة . المؤسسة التعليمية في السويد مثلا تقوم بصرف مبلغ قدره على الأقل عشرة آلاف دولارللطالب سنويا ً أما طلبة الصفوف التمهيدية الأولى فيصلُ الرقم إلى عشرين ألف دولار للطالب سنويا ً.وهل يعلم ذوو الألباب وسدنة العرش أن دولة ً تعتمد على الأخشاب والحديد تعطي للطلبة جميعا مساعدة اجتماعية قدرها مائة وستون دولار شهريا ً لكل طالب بل لكل شخص تحت سن الثامنة عشرة أما إذا وصل الطالب للثامنة عشرة فيعطى قرضٌ دراسي قدره ألف دولار شهريا ً للاستعانة به على تكاليف الدرسة وشراء المصادر والمراجع وتنمية طرق البحث والتطور لديه ...المسؤولون في المدارس والتعليم في السويد إذا وجدوا أن الطالب لم يتطوّر ويتطلّب منه البقاء في صـفهِ الدراسي تقوم المدرسة باستدعاء ولي الأمر الأب أو الأم وتترجى بل تتوسّل إلى رب العائلة في إبقائـهِ سنة دراسية أخرى في الصف ذاته ِ لغرض النهوض بمستواه العلمي ومجاراة زملائه ِ الآخرين وهذا ماحضرته ُ بنفسي ولمستـهُ عشرات المرّات حينما يقوم التدريسيون بالحديث مع الأهل بشكل هاديء لغرض مساعدة المدرسة في إبقاء الطالب في صفّهِ لمصلحته ِ الدراسية والنهوض بمستواه ُ العلمي ......ولعلم ِكل أكاديمي ٍ وتدريسي قامت إحدى الجامعات العريقة في السويد وهي جامعة أوبسالا بإجراء بحوث متتالية ولمدة ستة سنوات على طلبة المتوسطة والثانوية وتابعتهم لغاية تخرجهم من الثانوية . والاختبار يتمثل في أخذ عينات من التلاميذ أعطوا واجبات مكثفة وعينات أخرى لم يعطوا واجبات مطلقا ً أي تركت الحرية لديهم فكانت النتيجة كما يلي : أن جميع الطلبة الذين لم يـُقسَروا على الواجبات اليومية كانت معدلاتهم ودرجاتهم أعلى بكثير ممن حوصروا بالواجب ... ماذا يعني هذا أن الطالب إنسان والإنسان ميال ٌ للحرية لأن فيها مجالا ً خصباً للإبداع والتفوّق ...... قد تختلف معي أيها القاريء في نوعية الطالب في بلداننا عن الطالب هنا نعم أوافقك الرأي من حيث الإمكانيات والأساليب والتطوّر لكن ما أريده الوصول إليه هو مساحة الحرية وطريقة الاستقطاب لا التنفير والتفزيع من الدراسة كالتي ينطوي عليها مشروع التغريم البغدادي .كما أتساءل مستغربا ً هل أن المؤسسة السويدية لم تفكــّرْ بخزينتها كما فكـّر واضعوا مشروع تغريم الطالب العراقي ؟ بالله ِ عليكم أيها الجالسون على سدة ِ المسؤولية هل أن السويد أغنى من العراق ؟ أيهما أغزر في الموارد النفطية والطبيعية والبشرية السويد أم العراق ؟أبرق من هذا المقام صوتا ً أأمل أن يجد صدًى له عند رئاسة الوزراء عند رئاسة البرلمان وعند وزارة التربية وعند مجلس محافظة بغداد أن يوقفوا هذا المشروع لأن فيه ضربا ً من الديكتاتورية التي تذكـّرنا بعهد صدام المقيت حيث كان الطالب يفصل لتنتظره سرايا الجيش كيما ترمي به إلى المحارق البشرية في الحروب الملونة .يذكـّرنا هذا المشروع بترقين القيد من المدرسة ليكون الشارع هو المحفل الدراسي الجديد ... مثل هذه المشاريع قد تؤدي بالطالب إلى كراهية التربية والتعليم والدولة والمدرسة بل تدفع بمن يرسب أن يسرق َ ربما .. أن يبيع بيته ربما ... أن يقترض ربما ؟ أين الواضعون لهذا المشروع من الجانب النفساني ؟ أين الواضعون لهذا المشروع من الجانب الديني ؟أأمل أن أرى على واجهات الانترنت والصحف خبرَ وأدِ هذا المشروع قبل سفرهِ للبرلمان.. وختاما ًقيل : خيرٌ من أن تلعنَ الظلام أوقد شمعة ً... وهنا نعمل بالقياس لنقول : خيرٌ من أن تغرّم التلاميذ َ أكرمْ جـُيوبـَهم وانعشْ أساتيذهم .
https://telegram.me/buratha