قاسم العجرش
بعدأن ملأوا الدنيا ضجيجاً وهم يتحدثون عن الديمقراطية والجماهير ورأي الشعب والشارع.. فقد عاد بعضهم الى إستخدام لغة التشنج والتهديد والتأزيم، وهي لغة يعرفون هم قبل غيرهم أن ثمارها مثل فاكهة "الكاكو" غير الناضجة لون جميل أخاذ وطعم يشل الفم وتخنق البلعوم ، ..قالوا يجب أن نحتكم للجماهير ونسلم الأمر لأبناء الشعب. لكن اليوم لم يعد يروق لهم حديث الجماهير ولا حكاية الشارع ولا ديمقراطية المشاركة والغالبية الشعبية، اليوم صاروا يتحدثون عن ديمقراطية أخرى هي الغرف المغلقة والمصالح الذاتية والحسابات الحزبية والصفقات الثنائية.. وأشياء أخرى تعنيهم ولا تعنينا. اليوم لا توجد كتل سياسية في الدنيا تسفَّه شعبها ولا تحترم إرادته مثلما عندنا، واليوم لا نعلم أن أحزاباً وسياسيين يهينون ناخبيهم وجماهير شعبهم مثلما هو حاصل عندنا. واليوم أكتشفنا بألم بالغ أن كثير من القيادات السياسية غير مؤهلة سياسيا، وأن عليهم أن يتأهلوا لحياة الديمقراطية واحترام الجماهير والاستعداد البرامجي للتنافس العملي على أرض الواقع لانتزاع ثقة الشعب، وشرعية قيادة العراق في مرحلة هي الأكثر إنعطافا في حياة الجماهير، وإذا كانت الديمقراطية فعلاً هي ما يريدون لنا ولهم وللشعب، عليهم أن يتذكروا دائما أننا شعب شغل ثلثي التاريخ البشري، وعليهم أن يستبصروا برأي الشعب ليخرجوا من العمى الذي هم فيه. لقد أثبتت المدة المنقضية منذ جفاف الحبر الذي غمسنا فيه الأصابع أن كثيرا ممن إنتخبناهم، سلبونا فضيلة الموقف وتعاملوا مع ملايين العراقيين على أنهم مجرد قطيع بلا عقل وبلا إرادة لا يفقه من أمور السياسة والوطنية والحكم شيئاً!. إنهم يدَّعون الاحتكام إلى الديمقراطية بما هي حكم الشعب ومشاركة الجماهير واحترام قرار الأغلبية من جهة.. ومن جهة ثانية يعودون للانقضاض على الديمقراطية.. ومثل هكذا مسار في العمل السياسي لا يصدر إلا عن شخوص لا تنظر بعين المسؤولية الى الزمن الصعب الذي إنقضى منذ السابع من آذار 2010 ولغاية اليوم، وبما تمخض هذا الزمن عن إنتكاسات أمنية خطيرة راح ضحيتها الآلاف من العراقيين، بسبب إستغلال الأرهابيين لعوامل الضعف والإرتباك المؤسسي نتيجة للفراغ الدستوري والحكومي واإنعكاسات ذلك أمنيا بعمليات إرهابية وإستعادة قوى الظلام زمام المبادرة..، ونتيجة لتصريحات التأزيم والتي سمع صداها في الشارع.. كما أن التهديد بالأنسحاب من العملية السياسية لا يعني إلا أن مطلقه غير عابيء بمستقبل العراق والعراقيين، وأنه لا يتصور أن يقاد العراق بغيره، وأنه الأصلح والأوحد، وأن على الآخرين الأذعان لمطالبه وإلا فأنه مستعد لخلق وإختلاق الأزمات بما تجر من ويلات..وفي هذا السياق لا نجد لمطالب البعض لتأجيل التعداد العام مبررا مقنعا، مع أن التعداد إستحقاق حضاري كان من المفروض إنجازه قبل الأنتخابات النيابية الأخيرة، وبدون التعداد العام ستبقى مشكلات عديدة قائمة بدون حل، ومن بينها مشكلة المناطق المتنازع عليها، ومشكلات نسب تمثيل المحافظات التي حصل بها غبن ولبس كبيرين، وكانت نتائج التمثيل النيابي لا تطابق الواقع حينما أعتمدت على إحصاءات البطاقة التموينية المليئة بالثغرات، ناهيك عن عدم مصداقيتها وهذا ما كشفته الأرقام الوهمية الكبيرة.إن أدراك مسؤولية اللحظة الراهنة تأريخيا، يتطلب الكف عن لغة التشنج ، فهي لا تستقيم مع إدعاء الرغبة بالشراكة الوطنية الذي طالما سمعناه من قادة سياسيين كثر، وفي نهاية المطاف أثبتت التجارب أنها لغة غير منتجة ومرة حتى على مستخدمها... ومع ذلك، ولكي تستقيم الأمور نريد منهم أن يعترفوا بأنهم هم القاصرين المقصرين، لا نحن كشعب، فنحن قد أدينا ما علينا وأوصلناهم الى حيث هم، فيما هم بقوا حيث أوصلناهم دون أن يخطون خطوة واحدة الى الأمام.. كما يتوجب عليهم الاعتذار للجماهير، والرجوع عن الإهانة التي لحقت بالملايين بتعطيل الحياة الدستورية ستة أشهر بالتمام والكمال ودخلنا بالشهر السابع، وإذا "ولدت" حكومة في هذا نهاية هذا الشهر سيكون "الوليد" خديجا يحتاج الى "حاضنة" ورعاية خاصة حتى يتم أشهره التسعة، فهل يفعلون؟!
https://telegram.me/buratha