المقالات

مناقشات هادئة لقضايا ساخنة مع نائب الرئيس

769 13:01:00 2010-09-08

عادل الجبوري

كانت الامسية الاعلامية الرمضانية في مكتب نائب رئيس الجمهورية السيد عادل عبد المهدي في يوم الخميس الماضي ، الثاني من شهر ايلول-سبتمبر الجاري، حافلة بمناقشات هادئة لافكار يمكن وصفها بالساخنة، لانها ترتبط بواقع فيه الكثير من الحراك والصخب والضجيج والفوضى، ليس الواقع الاعلامي العراقي فحسب، بل الواقع العام في العراق، والاعلامي جزء لايتجزأ منه، وربما هو المراة العاكسة له، او هكذا يفترض ان يكون.عندما نتحدث في العراق-او حتى في اي مكان اخر-عن الاعلام، فهذا يجر تلقائيا الى الحديث عن السياسة والاقتصاد والامن والخدمات وامور اخرى، ولم لا اذا كانت مهمة الاعلام -المرئي والمسموع والمقروء والالكتروني على السواء-تتلخص في نقل المعلومة، وفي الرقابة، وفي تشخيص الاخطاء والسلبيات وتقويم مساراتها، وبالتالي خلق وعي عام. ومن بين ماطرح في تلك الامسية وتوقف عنده السيد عبد المهدي، الذي حرص على رفع الحواجز البروتوكولية واظفاء جو اخوي في الكثير من البساطة والعفوية، هو سلبيات مرحلة مابعد التغيير، اي مرحلة النظام الديمقراطي، ومقارنتها بسلبيات بحقبة النظام الديكتاتوري الاستبدادي، وقد تساءل البعض مستنكرا عن مايقال انه تغيير نحو الافضل .ولعل هذه النقطة من بين اكثر النقاط الاثارة للجدل والسجال الذي يبدأ من اروقة السياسة والفكر والثقافة في العراق ولا ينتهي الا في ابعد واصغر زوايا المجتمع، بحيث اننا نسمع بأستمرار من هذا السياسي او ذاك حديثا يريد ان ينتهي به ويقنع سامعيه بأن ديكتاتورية الامس افضل من ديمقراطية اليوم، ويسوق لترسيخ فكرته او افكاره بأمثلة ومصاديق قد لاتصمد كثيرا امام التحليل المنطقي والواقعي والموضوعي للوقائع والاحداث. وفي ذات الوقت نسمع من اناس عاديين لم يجنوا من حقبة النظام الديكتاتوري الا التهميش والتغييب والفقر والحرمان والحروب والسجون، يقولون حينما يواجهون ظروفا حياتية ضاغطة، او يعيشون اوضاعا سياسية او امنية مرتبكة ومضطربة، لو بقينا على الحال السابق لكان افضل لنا"!، وهذه فعلا مفارقة لاتبتعد في خلفياتها عن القراءات والتقييمات الانفعالية والعاطفية لبعض -او ربما كثير من-افراد المجتمع، سواء من النخب السياسية والثفافية والفكرية او من عموم الناس.ومن الخطأ حينما يراد تقييم الواقع الحالي، وفي ظل تجربة ديمقراطية حديثة العهد، ولم تتعد بعد مرحلة الحلم، ومازالت تواجه الكثير من التحديات والمخاطر، من خلال النظر والاطلالة عليه من زاوية واحدة فقط، لان ذلك لن يتيح رسم وبلورة الصورة الكلية الحقيقية بكل الوانها وخطوطها ومعالمها وملامحها وتجلياتها، وبالتالي سيصار الى نقل صورة مجتزئة ومشوهه للواقع، وتكرارها يفضي الى تضليل الرأي العام وتسطيح الوعي. للاسف فأن هذا ما هو حاصل بالنسبة للتجربة الديمقراطية العراقية، وقد لعبت وسائل اعلام ومنابر ثقافية وسياسية وفكرية عربية وعراقية -عن قصد او من غير قصد-ومازالت دورا كبيرا وخطيرا في هذا المجال، ويكفي لاثبات هذا الامر كيفية تناول الشأن العراقي اليومي في عشرات من وسائل وقنوات صناعة وتوجيه الرأي العام.ولعل السيد عبد المهدي كان واضحا الى حد كبيرا في وقفته عند هذه النقطة، حينما تساءل ليصل الى استنتاج منطقي، "من الافضل ..نظام ديكتاتوري استبدادي يمسك بقبضته كل مفاصل الدولة والمجتمع، ام نظام ديمقراطي هش وضعيف، يمكن له ان يتطور ويتعزز ويتقوى بأستمرار؟". وقد اجاب على هذا التساؤل بطريقة علمية وواقعية ومقنعة، وقد لانحتاج نحن العراقيون حينما نريد ان نقارن ونتأمل الى الذهاب بعيدا لنبحث عن امثلة مصاديق لاثبات مساويء وموبقات وكوارث النظام الديكتاتوري الاستبدادي، ولسنا بحاجة الى تقليب صفحات التأريخ القديم والوسيط، لنستيقن من حقيقة ان واقعنا الحالي بكل سلبياته ومساوئه واخطائه لايمكن ان يقارن بالحقبة الديكتاتورية السوداء، لاسباب عديدة من بينها ان عملية الاصلاح والترميم والتصحيح في ظل النظام الديمقراطي الهش ممكنة ومتاحة، بينما في ظل النظام الديكتاتوري الاستبدادي قد تكون ضربا من الخيال، وخصوصا اذا شكلت تهديدا لاستمرار وبقاء ذلك النظام.النظام الديكتاتوري يبدو في ظاهره قويا ومتماسكا، بيد انه من الناحية الواقعية يتاكل ويضعف من داخله، ليكون سقوطه وانهياره مفاجئا ومدويا في معظم الاحيان ومخلفا لكم كبير من المشاكل والازمات، كما هو الحال مع انهيار دول المنظومة الاشتراكية-الشيوعية قبل عقدين، وكما هو الحال مع سقوط نظام صدام قبل سبعة اعوام ونصف. بينما يتميز النظام الديمقراطي الناشيء بالهشاشة والضعف وعدم القدرة على التعاطي بمرونة مع مختلف التحديات والمخاطر، لكن فرص واحتمالات انهياره وتفككه تنحسر وتتلاشى في ذات الوقت الذي تسير حركة الاصلاح والترميم بأتجاهات صحيحة وان كانت بطيئة ومتعثرة.وقد تناولنا هذه الفكرة بشيء من التفصيل في بحثنا المعنون (افاق وتحديات بناء الدولة العراقية المعاصرة) المنشور في العدد 12 من مجلة الملتقى الفصلية.ولاشك ان مثل هذه الفكرة تحتاج بأستمرار الى المزيد من البحث والنقاش الهاديء والموضوعي، لتشخيص مواطن الضعف والخلل والقصور، لانها يمكن ان تساعد في الحفاظ على التجربة الديمقراطية، واكثر من ذلك تعزيزها وتقويتها وترسيخها.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك