خرجت مساء أمس بعد الأفطار مع عائلتي الى السوق لشراء ملابس للعيد بما تبقى لي من الراتب المبارك لأرى علائم السعادة ترتسم على وجوه أطفالي وكنت سعيدا جدا بالتجوال معهم وهم يحاولون انتقاء ما يريدون شراءه وفي الحقيقة كنت اراوغ واحاول التملص بطريقة ذكية لأبعادهم عن البضائع المرتفعة الثمن والتي تفوق امكانيتي .
وفي احد المحال التجارية بينما كنا نتفحص البضاعة المعروضة ونستفهم عن الأسعار لفتت انتباهي امرأة ومعها ولد وبنت لا تتجاوز اعمارهما الست سنوات وقد اختارت ابنتها ثوبا جميلا وتمسكت به بقوة ولكن امها كانت تحاول انتزاعه منها وهي تقول لها ( يابنتي هذا الثوب غالي وماعندي فلوس تكفي لك ولأخوك ) ، فأفلتت الطفلة الثوب من يدها مجبرة ورأيت عليها الأنكسار والتذمر في آن واحد ونزلت دموعها بصمت على وجنتيها ثم قالت لأمها ( من مات ابوية لليوم ما اشترينة هدوم زينة ) .
وهنا احسست بأن الدنيا قد أظلمت في عيني وترقرقت الدموع في عيني ولكنني تشجعت وأخفيت تأثري بالموقف وبادرت الى سؤال المرأة عن سبب وفاة زوجها وهل له راتب تقاعدي وهل ان هناك من يعيلها ؟ ، فأجابت وقد احنت رأسها خجلا وقالت ( خوية زوجي استشهد في إنفجار محافظة بغداد وهو كاسب وما عدنة لا راتب تقاعدي ولا معيل ) . عندها قررت ان اشتري ذلك الثوب لأبنتها ولكن الذي حصل انها رفضت رفضا قاطعا وخرجت مسرعة من المحل وغابت مع طفليها في زحام السوق .
عند ذلك رحت بيني وبين نفسي أخاطب الكثير من قادة البلد الذين تحولوا من حفاة الى " مليارديرية " في ليلة وضحاها ببركة دماء الشهداء وأشلاء الضحايا ودموع الأيتام وغصة الأرامل والثكالى وتعاملوا مع آلآم شعبهم على طريقة النعام فأدخلوا رؤسهم في حفرة اللامبالاة هربا من المسؤولية والمساءلة ونسوا انهم وصلوا الى ما وصلوا اليه بدماء وعرق هذا الشعب المحروم الذي كلما قال انها فرجت نزلت به نازلة أشد من سابقتها ، وفي غمرة هذه الهواجس وحديث الشجون مع الذات انتبهت الى نفسي والناس من حولي واقفون ينظرون إلي نظرة استغراب وأنا اردد بصوت مسموع ( سود الله وجوههم ) .
https://telegram.me/buratha