العميد الطيار محمد الخضري
في البداية وقبل الخوض في صلب الموضوع لابد من التطرق لأمور مهمة يجب أن تكون حاضرة في الفكر العراقي وخاصة السياسيين والمثقفين الذين طالما خاضوا ولا زالوا في الأمور العسكرية والأمنية دون الرجوع لذوي الحرفة والأختصاص وبدون شك فأن ضعف الأعلام العسكري والأمني هو أحد الأسباب المهمة في تفشي الجهل في هذا الجانب المهم .
وأهم هذه الأمور هو عدم وجود ربط بين مسألة تكامل جاهزية القوات ( وأعني بها القوات التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية وكل المؤسسات الأمنية الأخرى) وبين مسألة تمكن القوات من السيطرة على المجموعات الأرهابية المسلحة التي تقودها عصابة القاعدة أي بمعنى اخر أن المجموعات المسلحة الأرهابية بكافة تشكيلاتها وأهمها القاعدة تعتبربحكم الميته وقد خسرت الساحة العراقية وكتبت شهادة وفاتها بقيام صحوة أبناء الرمادي بقيادة الشهيد أبو ريشة وهي في حالة أحتضار وكل ما يحدث من عمليات دموية هي رفسات موت علينا أن نتوقعها بين الحين والاخر وقد تكون هناك رفسات مكلفة على الشعب العراقي لكن علينا أن ندرك ولا ننسى أن الحرية ثمنها باهض وأن الدول المحيطة بالعراق بل كل دول المنطقة تعمل حكومات وشعوب وبكل ماتملك من قدرات من أجل أفشال التجربة العراقية ناهيك عن قوى سياسية كثيرة داخل العملية السياسية تسعى لنفس الهدف وبكل تأكيد فأن ركاكة الأداء السياسي لكل القوى وبدون أستثناء هو عامل يضاف للعوامل السابقة ويجعل رفسات الموت هذه عديدة ومكلفة يدفع ثمنها الشعب العراقي وقواته على حد سواء لذا علينا عندما نتكلم بواقعية مهنية عن جاهزية القوات أن لا نصاب بالأحباط ونربط المدة المطلوبة لجاهزية هذه القوات بمسألة أستباب الأمن والأستقرار والقضاء على العصابات المسلحة لأن الأمران مختلفان ولايجوز الربط بين الأثنين.
الأدارة الأمريكية والقاعدة الأرهابية على حد سواء أدركت أنها أخطأت حينما أختارت الساحة العراقية كموقع لحسم الصراع بينهما فقد أيقن الأمريكان أن أختيارهم ليس في محله لعدم تجذر الثقافة الأرهابية في الفكر العراقي مما يتيح حاضنة وبؤرة واسعة لتجمع متخلفي القاعدة وغيرهم من الأرهابين كما أن الشعب العراقي أصر وكافح ودفع دماء طاهرة من أجل أفشال المشروع الطائفي الذي كانت تبني عليه القاعدة أملها في التجذر والتواجد في الواقع العراقي لذا كانت هذه العصابة مجبرة على أختيار ساحات أخرى وبالفعل جربت الساحة الأردنية واللبنانية والسورية وعادت لقواعدها الرئيسية في السعودية وأفغانستان وبلاد المغرب العربي كما أن أمريكا ساعدت أن يتسع وجود الأرهابيين بقوة على الساحة اليمنية والصومالية والباكستانية ليكون الحسم في القضاء على التخلف والأرهاب الذي يهدد الأمن والسلام العالمي .
سبع سنوات تعتبر مدة غير كافية لأعداد جيش قادر على حماية بلد بحجم العراق في الظروف العادية بل المثالية فكيف يكون الحال والجميع يدرك الظروف التي تحيط بالعراق بدءا من التغير من دكتاتورية قاسية الى ديمقراطية منفلته وحجم المؤامرة التي تريد أفشال الوضع العراقي مرورا بالمصالح والتدخلات الأقليمية والدولية ناهيك عن العبث الذي أحدثته القوى السياسية بالمؤسسة العسكرية من خلال أغداقها بالرتب والمناصب على أناس ليس لهم صلة بالعلم والمعرفة العسكرية
ومن الأخطاء الفادحة والخطرة التي ترسخت في الفكر العراقي هي فكرة سهولة تأسيس جيش في بلد مثل العراق يملك شعب متعسكر (على أعتبار أن أجيال عديدة قضت أحلى سنين عمرها في الخدمة العسكرية وفي حروب دموية علاوة على أن العراق كان يملك جيش مليوني قبل سقوط النظام السابق) وهذا أمر خاطيء ولا يقبل النقاش لأن تأهيل جيش منهك ومدمر يحتاج الى فترة زمنية وأمور فنية وأقتصادية أكبر وأكثر من تأسيس جيش جديد يواكب التطور الهائل في العلوم والتكنلوجيا العسكرية الحديثة.
نعود لموضوعة جاهزية القوات وهنا يجب أن نذكر في مسألة الفصل بين الجاهزية والقدرة الحالية على حفط الأمن .فأما الجاهزية( أي بمعنى أن تكون القوات مكتملة التجهيز والتدريب وقادرة على حماية الحدود العراقية البرية والبحرية والجوية وحماية الوطن والمواطن من أي تهديد خارجي أقليمي أو دولي ) فتتطلب منا أن نكون أقرب للواقع وأن لانجعل أي تأثير للعواطف والمشاعر وأن لا نكون تحت أي ضغط أعلامي أو سياسي فأمر الجاهزية يرتبط بعوامل عديدة منها العامل الأقتصادي وعامل الزمن في مسألة عقود التسليح فهناك عقود أبرمت قبل عامين وسيكون التجهيز بأول قطعة بعد ثلاث سنوات وعلينا أن لا ننسى أن هناك صنوف لم تؤسس لهذا الوقت وعوامل عديدة أخرى تجعلنا نؤكد أن الجاهزية تحتاج لسنين عديدة لاتقل بأي حال من الأحوال عن عشرة سنين وخلال هذه الفترة لابد من وجود دعم لوجستي على مستوى عال وهذا الأمر متوفر من خلال التواجد الأمريكي .
أما بالنسبة لقدرة القوات العراقية على فرض الأمن والأستقرار في كافة المدن العراقية وخاصة بعد الفراغ الذي سينتج نتيجة أنهاء القوات الأمريكية لمهامها القتالية فهناك عدة أمور مهمة تعطينا أنطباع أن هذه القوات قادرة تماما على هذا وبعيدا عن التضليل الأعلامي والمزايدات السياسية فساعة تجوال واحدة في قلب العراق بغداد أو في أي منطقة من التي كانت تعد ساخنة يستطيع الأنسان أن يتاكد أن هذه القوات وبأمكانياتها وقدراتها الحالية قادرة على العبور بالعراق وشعبه لضفاف الأمان وعامل الأطمئنان في الوضع الأمني وما تحقق هو الأنسان العراقي الذي أدرك بقدرة وتطور هذه القوات وبالتالي تفاعل بصورة أيجابية أنعكس هذا بدوره على القوات التي أرتقت بأدائها .
وهناك مشكلة أو محنة لأن كل سياسيي العراق يقعون تحت ضغط الأعلام المعادي الذي نجح باهرا بالتأثير على الشارع العراقي وهذا أمر طبيعي جدا لكن المصيبة أن يكون سياسيوا العراق مستسلمين للأعلام المعادي وبالتالي تكون تصريحاتهم وخاصة في الشأن العسكري والأمني تلامس المشاعر أكثر مما تقترب من الواقع في مسألة الجاهزية وهذه كارثة تنعكس سلبيا على الوضع العام وتسبب أشكاليات يدفع ثمنها الشعب العراقي وقواته المسلحة على حد سواء.
علينا أن نتذكر دائما أن العلاقة بين التقدم الأمني والعمليات الأرهابية علاقة طردية أي بمعنى أننا كلما حققنا خطوة أمنية علينا أن ندرك أن هناك أعمال وحشية قذرة ستكون على أرضنا الطاهرة لكن العراق وشعبه وقواته لهم بالمرصاد .
https://telegram.me/buratha