المقالات

مهازل الديمقراطية في المنقطة

946 18:26:00 2010-09-05

* بقلم خليل الفائزي

شاءت الأقدار ان يكون العراق و بعد حقبة مديدة من القمع و الكبت والاستبداد نموذجاً للديمقراطية و حرية الرأي و إجراء انتخابات ليست نادرة في الدول العربية و ما تسمى بدول العالم الثالث بل وغير مسبوقة أيضا في جميع هذه الدول حيث و خلافاً لانحسار الانتخابات في دول المنطقة على مرشح واحد او تزوير الانتخابات بالكامل ومعروفة النتائج مسبقا، فان الانتخابات في العراق جرت في أجواء شبه ديمقراطية حتى وان كانت تحت رزح الاحتلال الأمريكي و أعطت صورة ناصعة عن حقيقة التنافس السياسي و مشاركة اكثر الناخبين فيها، و لكن من المؤسف جداً انه و بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات و بدلاً من تنازل هذا الطرف الى منافسه السياسي او القبول بالمشاركة معا في إدارة الحكم و تقاسم السلطة واستمرار نظام المحاصصة السياسي و الطائفي الذي فرضه الاحتلال على الشعب العراقي دون إرادته، فان الأوضاع التي أوجدها السياسيون الحاليون في الساحة والتمسك بمقاعد السلطة و المال و الاقتدار جعل العراقيين يتأسفون بحق عن مشاركتهم في الانتخابات و ضياع ساعات من وقتهم في طوابير الاقتراع و يسخرون من مهزلة الديمقراطية و احتكار السلطة من قبل فئة خاصة او حزب سياسي يتصور ان السلطة تلك حكرا له و لا شريك له فيها و يتعامل مع إرادة المواطنين أسوء من تعامل الأنظمة الديكتاتورية و المستبدة مع الرعاع و الخدم ، والأكثر خطورة في احتكار السلطة تهديد بعض الفئات والأحزاب من انها ستشعل فتيل نار الحرب الطائفية و الأهلية في حالة عدم حصولها على مطالبها و حصصها في السلطة و المال و الحكم، في حين ان شعوب العالم عامة و العراقيين خاصة كانوا يتصورون بل و يعتقدون من ان البرلمان باعتباره أعلى سلطة تشريعية وفقاً للدستور كان من اللازم ان يمارس حقه القانوني بفرض إرادته على السلطة التنفيذية من خلال اختيار رئيس الوزراء الجديد حتى و لو كان التصويت بفارق صوت واحد لانهاء الأزمة الراهنة التي تقود البلاد الى المزيد من الصراعات الأمنية و المزالق السياسية، و لكن عجز و هوان الأحزاب و فقدان إرادة البرلمان اثبت للجميع مهزلة الديمقراطية و خواء حرية الرأي و زيف حق الاختيار في العراق الجديد و ان الوجود الأمريكي كرس في الواقع المزيد من الاستبداد و أكد بصورة عملية ان الاحتلال هدفه الأول و الأخير نهب نفط العراق و إذلال شعبه و انه لا يستطيع حتى فرض الديمقراطية الغربية على الأحزاب السياسية بل وانه يشاغل الرأي العام بمهزلة الانتخابات و الديمقراطية والتنافس السياسي المزعوم لتبرير جرائمه و التغطية على انتكاساته و تكريس وجوده غير المرغوب به من جانب غالبية العراقيين.

فشل تجربة الديمقراطية في العراق أنعش بدوره حالات الاستبداد و احتكار السلطة في دول المنطقة او على الأقل أنهى تطلعات الجماهير في المنطقة لتغيير و إصلاح سياسة الحكومات و دساتيرها بشأن الانتخابات و حرية اختيار الحكام و المسئولين فترات أطول بعد انتهاء او انحسار مسرحيات الانقلابات العسكرية التي جاءت بالكثير من أنظمة المنطقة منذ خمسينيات القرن الماضي و لا تزال هذه الأنظمة تحكم و بكل استبداد و تفرد في شمال أفريقيا و بلاد الشام تحت يافطة النزول عند رغبة الجماهير و التمسك بالرئيس او الملك الخالد إلى مالا نهاية او على الأقل إلى مدى حياة زعماء هذه الأنظمة و إلى ان يفتكرهم خالقهم.

و الأكثر سخافة و مهزلة و سخرية في هذا المجال هو ما نشهده في دولة مصر التي يدعي نظامها انه الأكثر ديمقراطية و حرية من بين الدول العربية و انه سمح للأحزاب المعارضة بالنشاط السياسي و الإعلامي وانه يطبق ما يسمى النظام الجمهوري اي نظام سلطة الجماهير و الانتخابات النزيهة و حرية اختيار المسئولين.النظام الحاكم في مصر و في موقف لم تطبقه حتى اعتى الأنظمة استبداداً و احتكاراً للسلطة يصر على نظام توريث الحكم من خلال نقل "رئاسة الجمهورية" من الأب حسني مبارك الى الابن جمال حسني مبارك لا لشيء سوى احتكار السلطة و نهب الأموال و توريث الحكم أسوة بالأنظمة الملكية و فرض رئاسة الجمهورية على رأي و اختيار غالبية الشعب، و كل ذلك جرى و يجري تحت شعار البلاد المرفوع عاليا في سماء البلاد "جمهورية مصر العربية"!، الا ان هذا الشعار يناقض بالكامل كل الحقائق التي نراها و نلمسها و نسمعها حتى من المسئولين الرسميين في النظام المصري.

فقد قضى هذا النظام عملاً على جمهورية النظام و حرية الانتخاب و حق الاختيار للشعب من خلال اصطحاب مبارك لنجله جمال لجولة شملت أوروبا وأمريكا ليس بهدف تعريف جمال للرؤساء و الغربيين و أسياد النظام المصري فحسب بل و لكسب رضاء اللوبي الصهيوني في أوروبا وأمريكا و الدفاع عن "الرئيس الجديد و المفروض قسرا" جمال الابن بعد وفاة والده المفاجئ و القريب خاصة و ان التقارير الطبية الرسمية أكدت إصابته بمرض السرطان الذي لولاه لما تنحى اي رئيس عربي عن منصبه للابد كما حدث في الأعوام الماضية في دول عديدة مثل سوريا و الأردن.

و اسقط النظام المصري القومية منه عندما اصطحب مبارك وريثه جمال الى واشنطن للقاء الزعماء الصهاينة و ليتعرفوا عليه شخصيا و يرضوا عنه و ليستمعوا منه مباشرة ان هذا النظام سوف يواصل انبطاحه لسياسة الاحتلال و الظلم الصهيونية و انه لن يسمح لاي مقاومة او معارضة ضد "إسرائيل" وانه سيستمر بخنق أهالي غزة العزل و لابقاء مصر قاعدة لإسرائيل و لأمريكا و تهديداً مستمراً لسائر الدول و الأحزاب المعارضة للاستسلام لسلطة أمريكا و الرافضة لوجود الكيان الصهيوني الغاصب في المنطقة.

احتكار السلطة و تحقير النظام الجمهوري قد نفذه و طبقه النظام السوري قبل نظام حسني مبارك حيث عرض العسكريون الحاكمون في دمشق على أنفسهم و ليس على الشعب اختيار أحد أنجال حافظ الأسد بعد وفاته، و وقع الاختيار على "بشار" دون انتخابات و لا موافقة الشعب و لا قرار البرلمان و طبق نظام التوريث في سوريا و كأن هذا البلد دولة ملكية او جمهورية موز لا دستور ولا برلمان و لا شعب فيها له حق الاختيار.

حتى الأنظمة الملكية في المنطقة مارست هي الأخرى احتكار السلطة و إضاعة حق "الوريث" الأساسي بالحكم كما حدث في الأردن حيث كان "النظام الوراثي الملكي" ينص توريث الحكم للأمير حسن بن طلال شقيق الملك الحسين لكن هذا الحاكم التاريخي و المغوار! و انطلاقاً من مبدأ احتكار السلطة و مصادرة حقوق الآخرين سلب الوراثة من شقيقه و نقلها بالقوة و التزوير الى نجله عبد الله لانه الأوفى و الأكثر حرصاً على مصالح أمريكا و الغرب و إسرائيل في المنطقة.

و يستمر مسلسل مهازل الديمقراطية في دول المنطقة و ما نراه اليوم من ضياع لدولة القانون في لبنان و هو البلد الذي لازال يزعم انه الأبرز في إشاعة الديمقراطية و انه اكثر البلدان العربية تحرراً و مشاركة لأحزاب السلطة والمعارضة، لكن ما نراه اليوم من تنافس عدواني و احتقان طائفي و وضع غير مقبول للحكم و المعارضة في هذا البلد و اندلاع القتال الدموي بمختلف الأسلحة العسكرية بين العديد من الطوائف لمجرد حدوث نزاع طفلين او تلاسن شخصين عاديين ينتمي أحدهما للطائفة السنية و آخر للطائفة الشيعية او بين مسلم و مسيحي ، يؤكد للجميع مهزلة هذه الديمقراطية و سخافة حقيقة الحريات السياسية في لبنان لاسيما و ان من أوجد و كرس النظام الطائفي و قسم السلطات على أساس مذهبي و ديني هي الدول الغربية التي طبقت و نفذت هذا النظام الطائفي البشع و غير المنطقي في العراق بعد احتلاله.

و اذا تطرقنا لمهازل الديمقراطية و انتهاك حقوق الإنسان و مصادرة آراء أكثرية المواطنين في الدول العربية النفطية فان ذلك يتطلب الحديث عنه دهراً من الزمن و لا يمكن اختزاله في صفحات او سطور لما فيه من مساوئ للإنسانية و خروج سلطة الحكام عن الشرع و الدين و تأليه بعضهم و تقديس آخرين و التعامل معهم كأنهم اكثر قداسة من الآلهة اليونانيين و اكثر منزلة حتى من عبادة الأبقار عند الهندوس!.

ففي بلاد نجد و الحجاز او ما يعرف الان بالسعودية لا وجود للمؤسسات المدنية مطلقا و لا يوجد برلمان او مجلس شورى مختار بشكل واقعي من جانب الشعب و لا تجري انتخابات و لا يسأل الناس عن أمورهم بالرغم من تعليق يافطات "الأمر شورى بينهم" في كل الوزارات و المؤسسات الحكومية ، و يتناحر دوما الأمراء و كبار الحكام على السلطة و المال و الجاه و النساء والغلمان و كان آخر هذا التناحر الدموي و القبلي بين أفراد العائلة المالكية بعد وفاة الملك فهد و ما يقال حاليا عن قرب وفاة خلفه الملك عبد الله.

و في دولة قطر و في إطار مهزلة الصراع على الحكم قاد أمير قطر الحالي حمد آل ثاني ما سمي بالانقلاب الأبيض ضد والده الشيخ خليفة أثناء زيارة علاجية للخارج بالتآمر مع بعض من الأسرة الحاكمة و الدول الغربية، و من السخرية ان حاكم قطر الحالي يشرف الان على مؤسسات و قنوات إعلامية مشهورة مثل (الجزيرة) التي تدعو صبحاً و عشياً لتطبيق النظام الديمقراطي و تدين الانقلابات و مصادرة الحكم و السلطة بالقوة في الدول العربية!.

اما في دولة الإمارات السبع فقد نهب آل نهبان (نهيان) السلطة و الحكم من كافة الشيوخ الآخرين الذين لا حول و لا سلطة لهم ، و في غضون عدة اشهر راح العديد من الأمراء و حكام الإمارات ضحية الصراع على السلطة و تمت تصفية حاكم دبي مكتوم بن راشد في ظروف غامضة في استراليا من قبل آل نهيان او كما قيل بالتآمر مع حاكم دبي الحالي محمد بن راشد في إطار الصراع على السلطة و المال خاصة و ان الشيخ مكتوم كان يطالب بتوليه دستوريا رئاسة دولة الإمارات بعد وفاة الشيخ زايد آل نهيان تطبيقاً للتوافق الذي وضعته بريطانيا لحكام لإمارات السبع بان يكون الحكم بشكل مداورة لجميع حكام الإمارات السبع و ليس حكراً على آل نهيان الذين يوصفهم إعلامهم الرسمي انهم قادة تاريخيون و نموذجاً بارزاً لحرية الاختيار و الحكم العادل!.

* كاتب و إعلامي مستقل ـ السويد

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك