كنا في المرحلة المتوسطة وعلى ما أتذكر في الصف الثالث ندرس في مادة الأدب والنصوص قصيدة للشاعر أحمد شوقي وهي رغم بساطتها وسلاستها واسلوبها التهكمي الا انها ذات دلالات رائعة حيث يقول في بعض ابياتها :
خرج الثعلب يهدي ويسب الماكرينا
ويقول الحمد لله اله العالمينا
اطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا
فأتى الديك رسولا عن امام الناسكينا
عن ذوي التيجان ممن دخلوا البطن اللعينا
( مخطئ من ظن يوما ان للثعلب دينا )
وفي الحقيقة لم اكن في وقتها افهم المغزى الحقيقي من تلك القصيدة رغم اعجابي الكبير بها ، ولكنني اليوم اجد فيها بل وفي البيت الأخير منها تلخيصا رائعا لحالة الكثير من السياسيين العراقيين الذين رفعوا الدين شعارا واتخذوا منهم غطاءا من أجل مآرب أخرى وقد نجحوا الى حد كبير في خداع الناس الذين يثقون كل الثقة بالدين لعلمهم بأنه معدن الصدق والأمانة وهم محقون في ذلك اضافة الى انهم احوج ما يكون في هذه المرحلة الحرجة الى رجال صادقين وامناء يتحملون المسؤولية ويكونون اهلا لها لينهضوا ببلد بقى لسنوات طويلة يأخذ وضع "الأنبطاح" وأصبح مطية تركبها النطيحة والمتردية من جيران السوء ومن الأعراب واجلاف البادية .
وبعد المخاض العسير الذي لم ينتهي الى اليوم ولم تتم ولادة الحكومة الجديدة ولا حتى بعملية قيصرية أصبحت العملية السياسية ( الأم ) التي تقف قاب قوسين أو أدنى من الألتحاق بالرفيق الأعلى أعانها الله على هذا الطلق العجيب والغريب . ولكن وبرغم مرارة هذه المرحلة وصعوبتها وتداعياتها الا انها كانت مهمة ومفيدة وكما يقول المثل العربي المعروف ( رب ضارة نافعة ) فلو أن الحكومة تشكلت في يوم وليلة بعد الأنتخابات لما تمكن الناس من التعرف على الرجال المخلصين لوطنهم والصادقين بأقوالهم والأمناء بأفعالهم من جهة ، وعلى الثعالب التي ارتدت ثوب الانسان ورفعت من الدين شعارا وقضمت مال الله ( قضم الناقة لنبتة الربيع ) من أجل الوصول الى غاياتها التي تبدأ من التسلط على رقاب الناس ولا تنتهي الا بدكتاتورية بغيظة لا تختلف عن سابقتها الا بالشكل وعلى طريقة ( الفيترجية ) عندما يأتون بسيارات المرسيدس ويضعون بدلا من محركها محرك سيارة " بطة " فظاهرها مرسيدس وجوهرها " بطة " ، يعني بأختصار تحوير وفق متطلبات المصلحة ولكن هيهات هيهات فلقد عرف الشعب الى اين يتجه في المستقبل وكيف يقيم الرجال من خلال ميزان العقل والمنطق والعمل والأخلاص ، وقد تدارك الأئتلاف الوطني الوضع بترشيح الدكتور عادل عبد المهدي وأفشل مخططات تجسيد فكرة القائد الضرورة فجزاه الله خير الجزاء ونتمنى ان تمضي الأمور على خير الى نهاية المشوار .
ومع اننا نقترب من تجاوز المرحلة الا انني اقترح ان تلحن قصيدة احمد شوقي لتكون نشيدا وطنيا للعراقيين لتبقى الحقيقة شاخصة امامهم دائما ولكي لا يقعوا في نفس الحفرة اللعينة في المستقبل لأنه وبصراحة شديدة " مو كل مرة تسلم الجرة ".
https://telegram.me/buratha