حافظ آل بشارة
ليست مصادفة حسنة ان تأتي الازمة السياسية متزامنة مع شهر رمضان ، في هذا الشهر يكثر حديث الناس عن الدين والاخلاق والطاعات وعمل الخير والمصالحة مع الذات ومع الله ومع الناس ، وبعد العيد يعودون الى اوضاعهم الطبيعية ، العراقيون قبل رمضان وبعده يبحثون دائما عن متهم لكي يهاجموه ويفرغوا مافي صدورهم من شحنة الغضب والتوتر الدائم وليتخلصوا من الشتائم التي يحملونها باحثين عن أحد ينثرونها فوق رأسه ، وقد هيأ لهم القدر حكومة من هذا النوع بما كسبت ايديهم فهم يصبون عليها نيران غيضهم الملتهب وشتائمهم المتناثرة ، وهي بدورها تلوذ بالصمت متفرجة على الصيف البدائي الذي يجعل الافاق جحيما وهي تفور ، يقبعون هادئين تحت مكيفاتهم النافخة بالنسيم المثلج . لحظات المعاناة الشعبية التي لا تنتهي تشجع على اعادة طرح الاسئلة الكبرى للمرة الالف : لماذا نعيش كل هذه الشدائد ونحن من دول العالم الغنية ؟ نفتقد مصادر العيش والكرامة ، ويأتي الجواب : لأن النخبة منشغلة بالصراع لاجل تحقيق مكاسبها الذاتية ، وعندما يكون الحديث عن النخبة يعتقد العراقيون لاسباب معروفة أن الاسلاميين هم الذين قادوا التغيير واشعلوا نار الثورة من قبل وهم الذين اسرجوا والجموا وتنقبوا لاسقاط النظام السابق ، و في الذاكرة ثوابت للوعي تؤكد ان الاسلاميين هم الحوزة العلمية وهم المرجعية العليا وهم الحركة الاسلامية وهم السادة والعلماء وهم الشهداء والمجاهدون ، والمواطن العراقي يشعر جديا بأنه في العراق الجديد خرج من تحت سياط القمع ليدخل تحت عباءة المرجعية بكل ما ترمز اليه من عدل ورحمة وابوية وتسامح وتفان في خدمة المستضعفين ، ولايمكن للعراقي ان يتخيل هؤلاء المنقذين وهم يتنازعون بينهم على الكراسي والمواقع الزائلة . واذا استمر هذا التصور الخطير فان اضراره لا تتوقف عند مرحلة فقدان الثقة بحزب معين أو شخصية معينة بل ستثار الشكوك والاسئلة والاحباطات حول تاريخ عريض من التضحيات وحول المرجعيات الدينية ودورها وجدواها ، فيقال : ما دامت المرجعيات المختلفة غير قادرة على تغيير مجرى الاحداث بالشكل الذي يخدم المستضعفين فان وجودها وعدمه سواء ، وان حضورها وغيابها لايفرقان ، وقد يسهم الجهل في رسم صور غير واقعية للعلاقة بين المرجعية والقوى الوطنية ، فبعض الناس يتصورون ان الوزير الفلاني أو المدير الكذائي لا يمكنه ان يتخذ أي قرار الا بموافقة المرجع الديني ، وان المراجع يحملون عصيهم ويلوحون لمسؤولي الدولة الاسلاميين بالعقاب على اخطائهم اليومية فيضطر المسؤولون الى التوسل وتقبيل ايدي المرجعيات لكي يفلتوا من العقوبة في الدنيا والاخرة ، انها تصورات ساذجة وغير واقعية . اجواء رمضان تشجع على استذكار القيم العليا والمقارنة بين تعهدات الحاكمين وبين ماحققوه حتى الآن اذ يعتقد البعض استمرار الاشكالية الكبرى التي تواجه الاسلاميين هو أنهم ملائكة في خندق المعارضة حتى اذا وصلوا السلطة صاروا شياطين .
https://telegram.me/buratha