الشيخ اكرم الاسدي
قد يوحي للكثيرين بان ثمة فرقاً بين التفاني والايثار لنجاح العملية السياسية والتفريط بمصالحه الخاصة والتنازل عن بعض حقوقه واستحقاقاته من اجل تحقيق الهدف الوطني الكبير في استقرار العراق، فليس ثمة تقاطع او تناف بين التضحية من اجل الوطن والتفريط ببعض مصالحه او التنازل عن بعض حقوقه لاعتقاده الراسخ بان الاصرار على الحقوق الخاصة والمصالح الفئوية على حساب المصالح العليا يفوت المصلحتين فلا يتحقق ما يصبو اليه من مصالح خاصة لتعلقها بالمصالح العليا كما لا تتحقق المصالح الوطنية للاصرار على المصالح الفئوية الضيقة والتمسك بها.وهذا التفكير قد يعرض المجلس الاعلى احياناً الى عتب وغضب من بعض افراده وعناصره ممن لا يحيطون بكل زوايا القضية المراد اتخاذها فيتوهمون بان هذه التضحية والايثار والتفاني هي تفريط بمصالح المجلس الاعلى الخاصة وتضييع لحقوقه واستحقاقاته الطبيعية.رؤية المجلس الاعلى للخيارات المتاحة في المستجدات السياسية ومتغيراتها تنطلق من مبدأ تقديم الاهم على المهم او تقديم الاقل مفسدة على الاكثر او اختيار اقل الضررين وخير الشرين وهو ما نطلق عليه عندنا في فقه الاصول مبدأ (التزاحم) او ما يطلق عليه فقه الاولويات كما هو في فقه الاصول عند السنة.وهذا المبدأ باختصار شديد ومبسط هو تقديم الاهم على المهم او تقديم الاقل مفسدة على الاكثر مفسدة اثناء تزاحم ادائين وامثتالين للحكم الشرعي كمن يتناول المحرم لانقاذ النفس المحترمة من الهلاك الحتمي باعتبار ان ارتكاب المحرم مفسدة وهلاك النفس مفسدة اكبر، او من ينقذ غريقاً بارتكابه حرمة الغصبية والمرور في بيت او بستان يؤدي الى النهر.وفي العمل السياسي نحتاج بشكل اشد واقوى الى هذا المبدأ والسياسة كما في بعض معانيها هي فن الممكن وقد يواجه السياسيون دائماً خيارات متعددة ومصالح ومفاسد متفاوتة.وفي كثير من الخيارات التي تواجهنا نختار الافضل اوالاقل ضرراً وليس من العقل والحكمة ان نختار اصعب الخيارات واكثرها ضرراً وهو ما يميز العقلاء عن السفهاء.ولا ننكر ان قانون الانتخابات لم يكن قانوناً يحقق كل المصالح والمقاصد ولم يكن قانوناً خالياً من الفجوات والثغرات والتحفظات ولكنه في نهاية المطاف افضل الحلول واحسن الخيارات.وان وجود ثغرة معينة لا يعني ان نلغي القانون اساساً وان وجود تحفظات في القانون لا تقودنا الى قيادة العراق وعمليته السياسية الى حافة الهاوية وهذا يعني اننا لا نريد الخير لبلادنا ونقدم مصالحنا وانانياتنا على مصالح الوطن العليا.قد يكون من الصحيح ان القانون لم يكن مثالياً وشاملاً وكاملاً ونعترف ان فيه بعض النواقص والعيوب ولكن ايقافه ونقضه يؤدي الى فراغ دستوري ويضع البلاد والعباد امام ازمات جديدة ويزيد من تفاهم الامور وهو ما يخالف المنطق العقلائي الذي يدرك المصالح من المفاسد بل يميز المصالح الاهم من المصالح المهمة.نأمل ان نتعاطى مع الملفات القادمة بنفس الثقافة السياسية والفقهية التي يتميز بها المجلس الاعلى الاسلامي العراقي وبنفس الروح الوطنية التضحوية والتمييز العقلائي بين الشر وخير الشرين وبين الضرر واقل الضررين لكي نقود البلاد الى شواطىء الاستقرار والازدهار.وثمة قول معبر وبليغ لامير المؤمنين (عليه السلام) في هذا السياق هو : ليس العاقل من يعرف الخير من الشر ولكن العاقل من يعرف خير الشرين.
https://telegram.me/buratha