الصفحة الفكرية

انتظـار الفرج أمل وعمل

4041 14:33:00 2012-06-12

إنَّ أبرز شعارات المهدوية هو تحقيق العدالة. فعندما نبدأ في دعاء الندبة ـ مثلا ـ ببيان وسرد صفاته (عجل الله فرجه الشريف) بعد نسبته إلى آبائه العظام وآله الطاهرين فإنَّ أوَّل جملة نذكرها هي «أين المعدّ لقطع دابر الظَّلمة، أين المنتظَر لإقامة الأمْت والعِوَج، أين المرتجى لإزالة الجور والعدوان»[1]. أي إنَّ أفئدة البشرية تظلّ تخفق إلى أن يأتي ذلك المنقذ ليقطع دابر الجور ويحطّم بناء الظلم الذي كان قائماً على مرّ التاريخ البشري منذ سالف الأزمنة وما زال قائماً حتى يومنا بكل قسوة، ويوقف الظالمين عند حدودهم. وهذا أوَّل ما ينشده المنتظرون للمهدي الموعود حين ظهوره، أو حينما يتذكّرون مناقبه، فإنَّ أبرزها هي (الذي يملأ الدنيا ـ وليس بقعة معينة ـ قسطاً وعدلا)[2]، وهذا هو المفهوم الذي تحمله الروايات المتواترة بشأنه (عجل الله فرجه الشريف).‏

العدالة أمل الشعوب‏وبناء على هذا فإنَّ انتظار المنتظرين للمهدي الموعود إنَّما هو انتظار لاستتباب العدل، ففقدان العدالة أكبر همّ تعانيه البشرية اليوم إذ مارست أنظمة الظلم والجور في أرجاء العالم الإجحاف بشتّى صوره بحق الإنسانية، وأرهقت البشرية بضغوطها وسلبتها حقوقها الطبيعية. بيد أنَّ الأمر تفاقم اليوم أكثر ممَّا مضى من التاريخ. والإنسان إنَّما ينشد إزالة هذا الواقع وينتظره من ظهور المهدي الموعود. فالقضية هي طلب للعدالة. وإنَّ أوَّل درس نستقيه من هذا الموضوع هو تدمير صرح الظلم على المستوى العالمي، وهو ليس ممكن فحسب بل حتمي. وإنَّه لأمر في غاية الأهمية أن لا تتصوَّر الأجيال البشريَّة المعاصرة استحالة فعل شيء في مواجهة الظلم العالمي، إذ إننا حينما نتحدَّث الآن مع الشخصيات السياسية في العالم حول الظلم الذي تمارسه مراكز القدرة في العالم والنظام الدولي الجائر-الذي يسود العالم بأسره ويتزعمه الاستكبار-نراهم يقولون: نعم، صحيح ما تقولون، وإنَّ هؤلاء يمارسون الظلم حقاً، ولكن من المتعذَّر فعل شيء. أي إنَّ طائفةً كبيرةً من الشخصيات السياسية التي تمسك أيضاً بزمام الأمور على المستوى العالمي قد استحوذ عليها اليأس والقنوط، وبدورهم يفرضون على شعوبهم هذا اليأس والقنوط ويبدِّدون آمالهم في القدرة على تغيير الخارطة الشيطانية الظالمة لعالم اليوم. ومن الطبيعي أنَّ اليائسين يعجزون عن القيام بأية حركة في طريق الإصلاح، فما يدفع البشر نحو العمل والحركة هو النور وقوَّة الأمل.‏

إمكانية وحتمية زوال الظلم‏إن الإيمان بالمهدي الموعود يملأ القلوب بنور الأمل. ولا معنى لليأس الذي يستحوذ على الكثير من النخب في هذا العالم. بالنسبة لنا نحن المؤمنين بالظهور الحتمي للمهدي الموعود (عجل الله فرجه الشريف) في المستقبل، لا نشك بإمكانيَّة تغيير الخارطة السياسية للعالم، ولا بإمكانية مقارعة الظلم ومراكز القوة. وهذا المعنى ليس ممكناً فقط في المستقبل بل هو حتمي. وإذا ما آمن شعب بإمكانية تغيير الخارطة الشيطانية الظالمة القائمة اليوم في العالم تملّكته الشجاعة والشعور بأنَّ يد القضاء لم تكتب بشكل محتوم هيمنة الظالمين إلى الأبد، ولدى بني الإنسان القدرة على السعي لرفع راية العدل ولو في ربوع بقعة محدودة. انظروا ما الذي سيحدث في العالم وكيف سيعمّ الوعي الشعوب فيما لو غرست شعوب العالم ـ الرازحة الآن تحت نير الظلم والجور ـ في قلوبها الأمل بإمكانية مقارعة الظلم.‏

إنَّ إمامنا العظيم الإمام الخميني (قدس سره) وببركة التعاليم الإسلامية بدّد هذا اليأس عن القلوب ومنح الجماهير الأمل والشجاعة، فكانت النتيجة أن هبّ الشعب ونهض مقتحماً الشدائد وخاض الكفاح باذلاً المهج واستطاع مقارعة عناصر الظلم ونظام الجور والشيطنة في هذه البقعة من العالم ومن ثم إسقاطه واقتلاعه.‏

إنَّ أجهزة الإعلام التابعة للدوائر الاستكبارية العالمية والمثقفين الدائرين في فلكها يروّجون اليوم لاستحالة أي تحرك لمواجهة النظام الظالم القائم حالياً، وإنهم يحاربون الفكر الثوري والمبدئي، محاولين دفع الشعب للتأقلم مع الوضع المعاصر في العالم الذي يسوده الظلم، وعدم إبداء أي ردّ فعل تجاهه، فيما تمثل فكرة الاعتقاد بالمهدي (عجل الله فرجه الشريف) النقطة المعاكسة لهذه الدعايات الخاطئة الظالمة.‏

العدالة لا تتحقّق إلّا بالقوّة‏الدرس الآخر الذي ينبغي أن يعلّمنا إيّاه الاعتقاد بالمهدوية هو أنَّ العدالة التي ننتظرها ـ عدالة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) التي تشمل العالم بأسره ـ لا تتأتَّى عبر الموعظة والنصيحة، أي إن المهدي (عجل الله فرجه الشريف) موعود الأمم لا يأتي ليقدِّم النصح للظلمة في العالم ليكفّوا عن ظلمهم وأطماعهم وسلطويتهم واستغلالهم، فالعدالة لا تتحقق في أية بقعة من العالم عن طريق لغة النصح، وإنَّما إقرار العدل على ربوع المعمورة ـ بالنحو الذي سيرسيه وارث الأنبياء ـ أو في أيّ من بقاع العالم، يحتاج إلى أن يمسك العادلون والصالحون ودعاة العدل من الناس بالقوة ويخاطبون الجبابرة بلغة القوة. فلا يصح الحديث بلغة النصح مع الذين أسكرتهم قوَّتهم الغاشمة، بل يجب مخاطبتهم بلغة القوة، فلقد ابتدأ الأنبياء دعوتهم بلغة النصح، غير أنَّهم لما استطاعوا استجماع وتجهيز أنصارهم، أخذوا يخاطبون أعداء التوحيد وأعداء البشريَّة بلغة القوة.‏

لاحظوا هذه الآية القرآنية التي تتحدَّث عن القسط وتقول إنَّ الله سبحانه وتعالى بعث النبيين ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾، فإنها تقول مباشرة ﴿وَأَنـزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾، أي إنَّ الأنبياء بالإضافة إلى دعوتهم باللسان فإنَّهم يواجهون الأقوياء والعتاة المدجّجين بالسلاح والمتغطرسين والسلطويين الفاسدين ويقارعونهم.‏

يتحدَّث بعضهم دون وعي عن فصل الدين عن السياسة، بمعنى دفعهم الدين إلى أقبية الانعزال وأن يكتفي المتدِّين بالنصيحة فقط. إنَّ النصيحة هنا لا تقوى على فعل شيء، وإن ما يقوى على كبح جماح القوى الكبرى وتهديدها ومقاومة الظلم والفساد واستئصالها أو زعزعتها هو القدرة الإلهية والإسلامية، وما يتمتَّع به الحاكم الإسلامي من اقتدار سياسي وإمام الزمان (أرواحنا فداه) ـ وبفضل ما يتمتع به من اقتدار وقوَّة ومنعة يرفده بها إيمانه السامي وإيمان أتباعه وأنصاره ـ يتوجّه نحو الظالمين الدوليين ليقضي عليهم ويحطم قصور الجور.‏

تكليفنا الاستعداد لظهوره‏ومن الدروس الأخرى المستقاة من الإيمان بالمهدي هو أنَّه بالرغم من أنَّ الإيمان بالمهدي (أرواحنا فداه) يمثِّل غاية سامية لا يتطرق إليها الشك، ولكن يجب أن لا تنتهي القضية عند حدود التمنّي فيها ـ أي تبقى طموحاً قلبياً أو تتخذ طابعاً احتفالياً أو تتردد على اللسان على أحسن تقدير ـ كلا، فهي أمنية لا بدَّ أن يردفها العمل، فالانتظار الذي تحدثَّوا عنه ليس الجلوس وذرف الدموع، بل الانتظار إنَّما يعني وجوب إعداد أنفسنا جنوداً لإمام الزمان، فالجندية عند إمام الزمان ليست بالأمر الهيّن، بل الجندية عند منقذ عظيم يصبو لمقارعة دوائر الهيمنة والفساد الدوليين كافة تحتاج إلى بناء ذات ووعي وبصيرة. وبعضهم يتَّخذ هذا المعتقد وسيلة لتخدير أنفسهم أو الآخرين، وإنَّه لخطأ، فينبغي أن لا يراودنا التصور أنَّه بما أنَّ إمام الزمان سيأتي ويملأ الدنيا عدلاً وقسطاً فلا تكليف علينا الآن. كلا، بل العكس، إذ إننا مكلفون الآن بالتحرك باتجاه الاستعداد لظهوره (عجل الله فرجه الشريف).‏

إنَّ الإيمان بإمام الزمان لا يعني الانـزواء، كامتناع المرء عن إيقاد السراج في الليل المظلم بحجة أن الشمس ستشرق في غد على الدنيا ويحلّ النهار ويضيء الكون. فإذا ما شاهدنا الظلم والإجحاف والتمييز والعنجهية تسود أرجاء الدنيا في الوقت الحاضر فذلك مما يظهر إمام الزمان لمكافحته. وإذا كنا جنوداً لصاحب الزمان فعلينا الاستعداد لمكافحته. وإن أعظم واجب يتحمله المنتظرون لإمام الزمان هو الاستعداد من الناحية المعنوية والأخلاقية والعملية ومن حيث ترسيخهم للأواصر الدينية والعقائدية والعاطفية مع المؤمنين، وكذلك منابذة الجبابرة.‏

الذين ينهارون وترتعد فرائصهم في مواجهة الخطر والانحراف ومفاتن الدنيا وحلاوتها، والذين ليسوا على استعداد للقيام بأية حركة من شأنها تعريض مطامعهم للخطر، أنّى لهم أن يكونوا في عدا المنتظرين لصاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف)؟!‏

فالمنتظر لذلك المصلح العظيم يتعيّن عليه إعداد مقومات الصلاح في نفسه ويعمل ما يمكّنه من الثبات لتحقّق الصلاح.‏

حكومة المهدي (عجل الله فرجه الشريف) حكومة شعبية‏وثمّة درس مهم آخر وهو أن الحكومة المستقبليّة للمهدي الموعود (أرواحنا فداه) حكومة شعبية بكل معنى الكلمة تعتمد على إيمان الجماهير وإرادتها وسواعدها. والفارق بين هذه الحكومة الشعبيّة والحكومات التي تدّعي الشعبيّة والديمقراطيّة في عالمنا المعاصر كالبعد ما بين الأرض والسماء، فما يسمّونه اليوم على المستوى العالمي بالديمقراطية وحاكمية الشعب هو عين تلك الدكتاتورية القديمة لكنها ارتدت ثوباً جديداً.‏

إن الديمقراطيات السائدة في عالمنا المعاصر تقوم على الإعلام المزيّف الماكر وخداع الأبصار والقلوب.‏

ــــــــــــــــــ

[1] دعاء الندبة، إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج1، ص 508.‏

[2] الجواهر السنية، الحر العاملي، ص 285.

 

27/5/612

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
جاسم المعموري
2012-06-20
اعتبر ما قرأته الان تصريح واضح بقرب ظهوره عليه سلام الله تعالى ورسله وملائكته واعتبره مما يوجب الاستعداد الفعلي منذ هذه اللحظة واساله تبارك وتعالى ان يصلي على محمد وال محمد وان يجعلني ممن ينتظره حق الانتظار ويقاتل بين يديه قتال المؤمنين الابرار وان يستشهد في سبيل خالقه وفي سبيل علة ظهوره شهادة الاخيار الاطهار انه سميع مجيب وهو ارحم الراحمين
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك