دراسات

"الإسلام السياسي" مصطلح متهافت ومخادع

1834 2021-03-23

 

د. علي المؤمن ||

 

   "الإسلام السياسي" هو الترجمة العربية لمصطلح "Political Islam"، الذي اخترعه الباحث الأمريكي "غودرون كارمر" في العام 2004، في دراسته المنشورة في نيويورك الأمريكية ( العدد 6 من موسوعة ” In Encyclopedia of Islam and the Muslim World"، تحرير: ريشارد مارتن). وهذا المصطلح يعني وجود إسلامات متنوعة ومختلفة: إسلام سياسي وإسلام اقتصادي وإسلام ديني وإسلام فني وإسلام رياضي وإسلام عسكري وإسلام ثقافي. وهو خطأ منهجي وعلمي واصطلاحي، لأن الإسلام دين متكامل في أصوله وفروعه.. لاتتجزأ فيه العبادة عن السياسية، ولا العقود عن الاقتصاد، ولا المعاملات عن الأخلاق، ولا العقيدة عن السلوك .  

   فلا وجود لشيء اسمه "الإسلام السياسي"، ولاتصح نسبة الموضوعات والاختصاصات للإسلام، بل تصح النسبة للمسلمين وجماعاتهم؛ فيمكن القول أن هذا مسلم متخصص في الاقتصاد الإسلامي وهذا مسلم فقيه، وهؤلاء مسلمون مجاهدون وهذه حركة إسلامية سياسية أو حركة مقاومة إسلامية أو جماعة إسلامية حقوقية أو جمعية اسلامية ثقافية أو جمعية خيرية إسلامية أو مجمع علمي إسلامي أو جامعة أكاديمية اسلامية أو مركز إسلامي بحثي أو مصرف إسلامي.

   أما اختراع المطابخ الفكرية الغربية لمصطلح "الإسلام السياسي" أو حركات الإسلام السياسي ( Political Islam movements )؛ فإنه جاء لأهداف منهجية وفكرية وسياسية ومخابراتية، في مقدمتها تفكيك فروع المنظومة الإسلامية العقدية الفقهية الواحدة، وعزل الفروع العبادية عن السياسية والاقتصادية والجهادية، والقول بأن الإسلام دين عبادة واخلاق فقط، وأن الحركات الإسلامية التي تمارس العمل السياسي، إنما هي إسلام آخر لاعلاقة له بالإسلام العبادي، وبالتالي؛ فهي حركات غير شرعية؛ لأنها تجتزئ السياسة من الإسلام، وتعمل بهذه الجزئية، وهو توصيف لايمت بأية صلة للإسلام وللحركات الإسلامية التي يعنونها. 

   والملفت أن الغربيين لايخفون أهدافهم ولا يخجلون من إعلانها، لأنهم يعتقدون أن المسلمين لن يلتفتوا الى الأهداف والمضامين الايديولوجية والسياسية لهذا المصطلح وغيره، بل سيتلقفونه بسرعة ويترجمونه، ويقومون بترديده بكل فخر وتبختر، وهو ما يحصل دائماً. 

    والمصطلحات الغربية الخاصة بتوصيف الإسلام والواقع الإسلامي، كــ "الأصولية الإسلامية"(Islamic Fundamentalism) و "الإسلام الأصولي"(Fundamentalist Islam) و"الإسلام التقدمي" ( Progressive Islam )  و"الإسلام المعتدل"أو "الحداثوي" ( moderate Islam ) و"الإسلام الليبرالي" (liberal Islam) و"الإسلاموية" (Islamism)، و آخرها الديانة "الإيراهيمية"(Abrahamic religion)، ليست مصطلحات منهجية علمية محايدة، كمصطلحات الطب والهندسة والرياضيات وغيرها من العلوم التجريبية والتطبيقية والبحتة، أو كثير من مصطلحات العلوم الإنسانية والاجتماعية الأخرى؛ بل هي مصطلحات مسيسة ومؤدلجة، ومفصلة على مقاسات الفهم الغربي المركب (العلماني المسيحي اليهودي)، بل هي ــ غالباً ــ أسلحة موجّهة ضد الإسلام والمسلمين، بغطاء محاربة الحركات الإسلامية المتطرفة.

   وإذا كان من الطبيعي أن يستخدم الباحث الغربي أو غير المسلم هذه المصطلحات، ومنها مصطلح "الإسلام السياسي"، انسجاماً مع منظومته الفكريةالمنهجية (الدينية ــ العلمانية)، أو يتلقفها العلماني الشيوعي والقومي والليبرالي في منطقتنا العربية والإسلامية؛ ليحارب بها الحركات الإسلامية؛ لكن المفارقة أن يستخدمها الكاتب والمدون والمثقف والأكاديمي المسلم المتدين، عن معرفة ودراية بمضامينها الآيديولوجية والدينية والسياسية. بل نرى أن بعض المثقفين الإسلاميين أو ذوي الأصول الإسلامية يصر على استخدام هذه المصطلحات، أما جهلاً بمداليلها السياسية والدينية والايديولوجية، ليظهر نفسه بمظهر "الإسلامي المعتدل" و"المثقف التقدمي" و"الليبرالي الصاعد"، عبر إضفاء ديكورات تقدمية على كتاباته والتشدق بنقد فكر الحركات الإسلامية بقسوة وبأسلوب تخريبي، وهي حالة نفسية تجسد لوناً من الإحساس بالدونية والانتقام من ماضيه الإسلامي. 

   وهكذا؛ تظل ساحتنا الفكرية مختبراً لتجارب واختراعات المفكرين الغربيين، ولعبة تحركها منظومة الفكر الغربي العلماني ــ الديني، ومصطلحاتها ومفاهيمها، ويكون بعض مثقفينا مجرد صدى لما يصطنعه المفكرون الغربيون ويصيغوه من توصيفات لواقعنا.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك