دراسات

عاشوراء دروس وعِبر .. الدرس الثالث: الكفاءة والتقوى المعيار في المناصب


عباس الكتبي

بعد هلاك معاوية،أعلنت الشيعة في الكوفة رفضها لبيعة يزيد-عليه لعنة الله- والتبرئ منه ومواجهته، فعقدت مؤتمراً عاماً في بيت الزعيم الشيعي سليمان بن صرد الخزاعي، اجمعت فيه على الولاء والبيعة للامام الحسين عليه السلام.

ينقل المؤرخون:ان سليمان بن صرد الخزاعي، اعتلى منصة الخطابة وافتتح المؤتمر بهذا الخطاب:(إنّ معاوية قد هلك، وإن حسيناً قد قبض على القوم ببيعته، وقد خرج الى مكة وأنتم شيعته وشيعة ابيه، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدوا وعدوه فأكتبوا إليه، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه)،فتعالت أصواتهم من كل جانب وهم يقولون بحماس بالغ:لا ،بل نقاتل عدّوه، ونقتل أنفسنا دونه.

بعد المؤتمر، أوفدت الكوفة وفداً، وكتبوا الرسائل الى الامام الحسين عليه السلام، تحثه على القدوم إليهم، ليكون خليفة وقائداً على الأمة.

نماذج من هذه الرسائل:(ان الناس ينتظرونك ولا رأي لهم غيرك،فالعجل ثم العجل)،:(اما بعد، فقد أخضّر الجناب، وأينعت الثمار،وطمت الجمام، فأقدم على جند محندة)،:(إنا قد حبسنا أنفسنا عليك، ولسنا نحضر الصلاة مع الولاة، فأقدم علينا فنحن في مأئة سيف، فقد فشا فينا الجور…)،:(إنا معك، ومعنا مائة الف سيف)،:(عجّل القدوم يا بن رسول الله،فإن لك بالكوفة مائة ألف سيف فلا تتأخر).

يقول الشيخ القرشي"طاب ثراه":يقول المؤرخون:إنّه أجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب، ووردت إليه قائمة فيها مائة وأربعون ألف اسم يعربون عن نصرتهم له، حال ما يصل الى الكوفة، كما وردت عليه في يوم واحد ستمائة كتاب، ان الامام الحسين عليه السلام، بعدما وافته هذه الرسائل عزم على ان يلبّي نداءات أهل الكوفة، ويوفد إليهم ممثله العظيم مسلم بن عقيل عليه السلام.

تذكر كتب التاريخ، ان الكوفة لم تكن عربية خالصة،بل كانت أُمميّة استوطنتها عناصر مختلفة ومتباينة في اللغة،والعادات،والتقاليد، والطبائع :(كالعرب،والفرس،والأنباط،والسريان)، بالاضافة الى انها كانت تضم عدة اتجاهات دينية:الاسلام:(الحزب الاموي-الحزب العلوي-الخوارج)، والنصارى، واليهود.

يستنتح الشيخ باقر القرشي-رحمه الله-من مصادر الكتب التاريخية، ان المجتمع الكوفي يتفرد بظواهر اجتماعية دون بقية الشعوب،فهي:

(التناقض في السلوك-الغدر والتذبذب- التمرد على الولاة-الأنهزامية- مساوئ الأخلاق-الجشع والطمع-التأثر بالدعايات ).

لا شك،ان الامام الحسين عليه السلام، عارف بالتنوع السكاني الكوفي، واتصافه بتلك الظواهر، وتعدد الديانات والمذاهب الموجودة فيه، فحين جاءه وفد الكوفة،ووردت إليه الكتب من زعمائها،تطالبه بالقدوم إليهم، أختار سفير له يمثله، ليطلعه على حقيقة وأحوال اهل الكوفة، ومعرفة صدق نواياهم، فأرسل ابن عمه وثقته، وكبير اهل بيته والمفضل فيهم،مسلم بن عقيل عليه السلام، لهذه المهمة،وهو من اشجع الناس، ومن أمهر السياسيين،واكثرهم قابلية، على مواجهة الظروف والصمود امام الأحداث.

يكفي في معرفة شخصية مسلم، هو أختياره من قبل الامام السبط سفيراً له، وفي الاعراف السياسية الحالية، السفير يمثل سياسة دولة،فسلم بن عقيل مثّل سياسة الحسين عليه السلام في الكوفة، ومَن غير مسلم يرفض قتل الطاغية بن زياد غدراً؟! عندما سأل شريك مسلم،ما منعك من قتل ابن زياد؟ قال:((قول رسول الله(ص):(الأيمان قيد الفتك)ولا يفتك المؤمن))، فالسياسة عدل وتقوى، وإلتزام بالعهود والمواثيق،ومبادئ وأخلاق، ومن يرى غير ذلك فهو مخطئ جداً، وليس هي مراوغة وخداع ومكر،ونكث للعهود،ونقض للمواثيق، ففشل مسلم في مهمته كان بسبب تقواه وعدالته،وبسبب الصفات السلبية للمجتمع الكوفي. 

أستولى معاوية في حربه مع الامام علي عليه السلام على الماء،فمنع جيش الامام ان يشرب منه، وحين هزمهم امير المؤمنين واستولى عليه،لم يمنع جيش معاوية من الشرب منه، فمسلم بن عقيل على سياسة عمه عليّ عليهما السلام.

المرجعية الدينية العليا،في أكثر من مرة أكدت على ان يكون المرشح للمنصب،ذو كفاءة ونزاهة وقدرة، وكذلك موقف شهيد المحراب"محمد باقر الحكيم"قدس سره، من الوزارة والوزراء،ففي خطبة الجمعة الحادية عشرة، أكد على اعتماد الكفاءة العالية والجدية في العمل الوزاري،من دون التركيز على الأنتماءات السياسية، اتصاف الوزراء بالصلاح، وحسن السيرة، والماضي النزيه.

 

هذه هي الشروط التي يجب ان تتوفر بالمسؤول،لتجنب الظلم والفساد، وتحقيق العدالة والمساواة بين الناس، وإلا فأختيار المسؤول الفاسد كيزيد بن معاوية،وعبيدالله بن زياد، عليهما لعنة الله، سيؤدي هذا الأختيار الى خراب المدن،وظلم العباد،وقتل الصلحاء من الناس.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك