( بقلم : هلال آل فخر الدين )
فالملاحظة الواضحة والسمة الغالبة على شعب وادي الرافدين وما وثقة التاريخ وكان شاهدا عليه اولا : في اطار ضخامة تراث وادي الرافدين وتعدد حضاراته وتنوع ثقافته واشعاعها على الامم الاخرى وثانيا : ومن خلال كثرة الانقلابات الفكرية والحركات الاجتماعية والثورات التحررية والتجديدية التي انطلقة منه وثالثا :ما شهدته ارض العراق من حوادث وغارات وهجمات وحملات عسكرية غازية مختلفة حيث كانت مسرحا لها وتتمازج على ظهره وتنصهر في محيطه ان بلاد الرافدين كانت رحما لكل تلك الانقلابات الفكرية والتقلبات السياسية وارضه ساحة للحملات العسكرية والانتفاظات التحررية المختلفة ..لكنه بقى متسامحا ..متوحدا.. صامدا..متحديا رغم كل عودي الزمن وتقلبات الدهر ..
الا ما كانت ورائه سياسة الارهاب الاموي زمن معاوية من شن الغارات على المدن والحواضر الاسلامية عامة وبالخصوص مدن العراق الامنة واشاعت الرعب والهلع والارهاب فيها او من خلال سياسة التطرف التى تقود الى الارهاب وتدفع باتجاهه قوى الضلام والجهالة والتقهقر وهذا ما حدث لفترة وجيزة فقط في فتنة مسألة القول (بخلق القران) في زمن الخليفة (المامون) العباسي وكان وراها علماء التعصب والتطرف وهمج ورعاع التحجر .. وكذلك ما قم به طغام الحنابلة وغوغاء السلفيون في عهد الخليفة (المتوكل) العباسي –الذي عرف بالجهل والتشدد والعنف -الذي مكنهم من التعدي على العلماء و التطاول على المسلمين وحرق دورهم واسواقهم في الفتنة المعروفة بفتنة (الحنابلة) في بغداد التي لم ينجوا منها حتى مسجد(براثا) من الاعتداء والحرق وتدمير وحرق الكرخ باكملة في طخيتهم الهوجاء العمياء تلك التي راح ضحايها الالوف في عهد السلاجقة.. وهذا ما تناولته في بحث مفصل لاحقا.
و يبقى شعب العراق كما اسلفنا سابقا في منا عنها متعاضدا متماسكا متسامحا متوحدا حضاريا وتاريخيا فلم يحصل فيه حتى سوء تفاهم رغم عوادي الايام وتقلب الاحوال وظهورالحركات والثورات السياسية والانقلابات الفكرية والعقائدية والدينية والمذهبية وحتى انطلاق بدع السلفية منه
كبدعة (الفرقة الناجية) التلمودية الاصل وتلبيسها ببهارج الدين والصاقها بالعقيدة كمفرة حقيقية ثابته لايمكن نقاشها والمساس بها ..!!ولانطلاق منها ليس فقط التكفيره فحسب بل وذبحه واستباحة حرماته وجعلها مقبولة سهلة هينة مثاب عليها ومأجور فاعلها !!!
يقول فولتير :(ماذا ترد على شخص يقول لك أنه يفضل طاعة الله على إطاعة البشر وأنه بناء على ذلك متأكد من انه يستحق مكانا في الجنة إذا ذبحك)وياليت هذا الرأي كان ينطبق على شخص بعنه بل اصبح تيارا ثقافيا سلفيا جارفا ومذهبا وهابيا ضالا وشرعا جاهليا يتعبد به !!
وفي هذا الصدد يحضرني القول المأثور عن العلامة الشيخ أمين الخولي :ان الافكار حين تجد في العقل خواء وتصادف في الدماغ خلاء تعشعش وتستقر حتى ليصعب إخراجها وانتزاعها من العقل مهما كانت درجة زيفها وتزداد حدة استقرارالافكار في العقول والادمغة عن طريق التكرار المستمر لها والترديد الدائم الذي يحول (موضوع ) الفكرة الى ما يشبه (العقيدة) الثابتة التي لايجوز مناقشتها او الاقتراب بمنهج التحليل النقدي من حدودها .وكثيرة في تاريخ ثقافتنا العربية الاسلامية هي الافكار التي أنتجتها عقول بشرية ولكنها تحولت بفضل التكرار والترديد الذي من شأنه أن يخفي غيرها من الافكار ولو بالتشويه إلى (عقائد) لايمكن المساس بها
لذلك ذهب العلامة الخولي الى ان منهج التجديد لايستقيم ولايصح إلا بعد (قتل القديم بحثا) لان (التجديد) –دون فحص القديم فحصا نقديا – من شأنه ان يضيف افكارا الى افكار فتتجاور الافكار القديمة والافكار الحديثة دون ان يزحزح الجديد القديم ويحل محله .ومن هنا يصح لنا أن نفهم عبارة (قتل القديم بحثا ) على اساس ان البحث النقدي التحليلي للافكار والمسميات القديمة من شأنه ان يكشف عن جذور هذه الافكار ويفصح عن دلالتها في سياق تكونها التاريخي الاجتماعي وبذلك يردها إلى أصولها بوصفها (فكرة) وليست (عقيدة)وهذا النمط من البحث النقدي التفكيكي يزيل عن الافكار القداسة التي تراكمت حولها جراء التكرار والترديد ومن جراء الطعن لعقائد والتشويه للافكار الاخرى التي تخالفها وتدحضها .وفي عملية إزالة القداسة تلك نوع من (التفكيك)المعنوي الذي لايغتال الافكار ولكنه يكتفي بردها الى سيقاها الذي يسمح للافكار (الجديدة) بالقدرة على مناقشتها ومساجلتها على ارض (الفكر) وليس على ارض( العقيدة) .وإذا تصارعت الافكار صراعا صحيا هنا لابد للجديد ان يزحزح القديم ويغيره ويتجاوزه أما تجاوز (القديم) الذي احاطته القداسة بالتكرار والترديد والجديد الذي لايزعم لنفسه اية قداسة فامر يفضي دائما الى تمكين (القديم) من إزاحة (الجديد) بل وقتله قتلا نهائيا ناهيك باغتيال المفكر المستنير المجدد وبالخصوص اذا نقل الصراع من ميدان (الفكر )الى ميدان( الدين) عنذلك يصبح من السهل على انصار القديم ممارسة ديماغوجية وعظية تؤلب العوام وتدفع بهم طرفا في الخصومة بالاضافة الى دعاوى اتباع القديم من مزاعم الدفاع عن الدين وتاليب كثير من المؤسسات الاجتماعية والتعليمية فضلا عن المؤسسات الدينية دفاعا عن اسس الكيان الاجتماعي والاصل الديني والمذهبي المهدد بتلك الافكار الوافدة الجديدة (الشيعية) او (العلمانية) او (الصفوية) ..الخ تلك الاوصاف والنعوت
وهكذا يصبح (الجديد) دائما في حالة دفاع عن النفس ويكون مطلوبا منه دائما ان يثبت ويؤكد ان افكاره لاتمس (الموروث) حتى وان كان غثا سقيما خرافيا ولا تطال قداسة (العقائد) وان كانت فاسدة بالية دخيلة !!ومن شأن هذا الموقف الدفاعي السجالي ان يدخل الجديد في دهاليز الديماغوجيه الوعظية التي تخاطب العوام بلغتهم وعلى قدر افهامهم فينخرط المفكر في انتاج خطاب متمحل ركيك سقيم ينطوي على (تراجع) و(استسلام)
البدعة
لقد اتخذ هؤلاء سلاح(البدعة ) يشهرونه في وجه خصومهم ومن يسفه ويفند اساطيرهم واكاذيبهم وسقيم افكارهم وطامات معتقداتهم التي كلها تجسيم صريح
ذلك نلاحظهم يسعون لنتشر الذعر الفكري عند العامة في المجتمع الاسلامي لان العامي وغير الواعي عندما يسمع كلامهم ويستمع الى فكرة الفرقة الناجية يخشى ان يكون هو خارجا عن الفرقة الناجية ولغياب الفكر الاخر في اغلب الساحات الاسلامية يضطر العامي ان يوافقهم في افكارهم خوفا وطمعا ممايزينوه ويخلطوه ببعض الاحاديث التي لا دلالة فيها على الموضوع والتي تخالف احاديث اخرى ايضا .!حيث يعتقدون ان جميع المذاهب والفرق الاسلامية في النار الا فرقتهم ! وانهم وحدهم المتبعون للسنة دون سواهم ! والمراد بالسنة عندهم (خمسين حديثا) او اكثر او اقل في مسائل الصفات مما يفيد عندهم إثبات عقيدة التشبيه والتجسيم ! وان ترك هذه الاحاديث حسب مايزعمون (مبتدع)خروجا عن ربقة الدين ومجانبة لشريعة رب العالمين ..!!وكانهم اوصياء الله على عباده ونوابه في الارض
فهذه البدعة الضالة التي فرقة جمع الامة المتمسكة بهدى المصطفى والاخذة بالاف الاحاديث النبوية الشريفة الصحيحة ..لكون دعواهم تقول ان عدم الاخذ بتلك -(خمسين حديثا) – التي هي من اساطير الاحبار وخرافات الرهبان تاركة للسنة المحمدية وصحيح الاسلام بنظرهم حتى يذعنوا لهم ويأخذوا بتلك الاحاديث المتعلقة بالصفات والتشبيه والتجسيم والمتنازع عليها عند علماء مذاهب الامة أصلا .! وهذا نابع من عنجهية فكرهم الارهابي المريض المتحجر فجميع تلك الفرق والمذاهب ليست من الفرقة الناجية لانها لم تأخذ بتلك الخزعبلات والتخرصات المنافية لعقيدة للتوحيد والمخالفة للسنة النبوية الصحيحة والمرفوضة من منطق العقل وحجة البرهان والباري سبحانه يقول في كتابه الكريم :(ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)..وترفض ان يكون أئمتها اولئك المشبة المجسمة امثال ابن تيمية او السجزي او ابن باز او التويجري !
وحديث الفرق أن النبي (ص) قال (ستفترق امتى على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة ) صحيح الترمذي ج5 ص26 وج1 ص264 وبلفظ اخر (كل على الضلالة إلا السواد الاعظم) كما في الاعتصام للشاطبي ص363 فلهذا الحديث شأن وهو مشكوك في صحة نسبتهإلى النبي (ص)على اجماله بدون بيان وهذا مما يوجب اغراء الامة بعضها ببعض وتحامل الناس بعضهم على بعض ..
فهم داخلون بزعمهم في الحديث الذي فيه :(كلهم في النار الاواحدة)..فان اعظم ما يشيعه الوهابية اليوم في سبيل تمكين النزاع بين المسلمين ويحاولون ان ينشروه ويغرسوه في نفوس المسلمين لزيادة الفجوة بين المسلمين وخاصة عند محاولات التقريب بين مذاهب المسلمين وفرقهم وافكارهم حديث الافتراق على ان جميع فرق الاسلام في النار الا هم وحدهم لاغير (سلفية وهابيه)! وتتوهم انها تحتكر الهدى وتسيطر على الحق دون غيرها وهذا يحدث رد فعل عند الطوائف والمذاهب الاخرى فيرد الاتهام على الطائفة بنفس الاسلوب..
وتمسكهم بهذه الفكرة والغلواء بها واشاعتها وبث نشرها مما يسهل ويزين في الاسراع وانتهاز الفرصة في فناء الاخرين ..وابادة الاخرين ..وارهاب الاخرين..!! التي تطمع وتخيف البسطاء من العامة واشباههم واغواء الرعاع بها ويقولون لهم : انكم اذا لم توافقونا فيما نقول لم تكونوا من الفرقة الناجية المتبعة للكتاب والسنة ! وكان مدار الشريعة مناط بهم ومقاليد الامور متبعتا لاهوائهم ومعيار الصح والخطاء بيدهم ! وهذه الفكرة ايضا سببت ابتعاد المسلمين بعضهم عن بعض لخوف القرب من الفرقة (الهالكة في النار)حسب ما يبرذعونه من القول المقذع وبما يشنعونه على الاخرين ! وهم يأمرو المسلمين بتقليدهم في ارائهم التي انفردوا بها مع التعصب لها ! مع محاربة كل من يخالفها ! وتتوهم انها تحتكر الهدى وتسيطر على الحق دون غيرها وهذا يحدث رد فعل عند الطائفة الاخرى فيرد الاتهام على الطائفة بنفس الاسلوب
وفي رسالة احمد بن حنبل أو عتقاده الذي رواه عنه (أحمد بن جعفر الاصطخري) والتي يقول في أولها :هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الاثر –إلى ان يقول-: فمن خالف شيئا من هذا المذهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو (مبتدع) خارج عن الجماعة ثم يعدد العقائد أولا مما ينطبق على ماتذهب إليه الحنابلة فقط ويذكر الاقوال ثم يعدد الفرق المبتدعة منهم المرجئة والخوارج والمعتزلة إلى خر ماورد في الرسالة من امور خطيرة سير اعلام النبلاء للذهبي ج9ص512
وإذا وقفنا وقفة المتامل بعين فاحصة في عبارات امام الحنابلة ابن حنبل في هذه الرسالة او الوثيقة او المرسوم –اشرة لها في المحور الثاني (البدعة)الذي تعتمده الحنبلية-الذي اتخذه الحنابلة دستورا ومنهجا ومعيارا يسيرون عليه ويقتدون به في معاملة المسلمين وبيان منزلتهم الدينية يبدو لنا جليا انه لم يسلم احد من جميع الامة الاسلامية من الضلالة وارتكاب البدعة ..!! أو بعبارة أوضح لم تسلم فرقة او طائفة من المسلمين من ذلك إلا الحنابلة أنفسهم فهم المسلمون ولهم الاسلام وحدهم دون سواهم كما يحلوا لهم ويدعون ويصرحون بذلك ..!! فهذا الشيخ عبد الغني المقدسي الحنبلي من اشهر علماء الحنابلة ذكر شيئا من العقائد انكرها عليه بقية علماء المذاهب فعقدوا له مجلسا وأصر على راية فقال له الامير برغش :كل هؤلاء ضلال وانت وحدك على الحق ؟! قال:نعم فغضب الامير وامر بنفيه من البلد وكسر منبر الحنابلة ...وقال المؤرخ ابن كثير في البداية والنهاية ج13 ص2 :وجرت خبطة شديدة نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ..
ويؤيد فكرة الاصطفاء تلك تصريح شيوخهم بأن غير الحنابلة (مبتدعة) ومن لا يرى أمامة ابن حنبل فهو كذلك (مبتدع)يقول (قتيبة بن سعيد):(أحمد بن حنبل امام ومن لايرضى بإمامته فهو مبتدع ضال )...! طبقات الحنابلة ج1 ص15 وقال أحمد الدورقي :(من سمعتموه يذكر أحمد ن حنبل بسوء فاتهموه على الاسلام )طبقات الحنابلة ج1 ص136
وقالوا:(أحمد بن حنبل إمام المسلمين وسيد المؤمنين وبه نحيا ونموت وبه نبعث فمن قال غير هذا فهو من الجاهلين ) ذيل طبقات الحنابلة ج1 ص136
( وجعلوا بغضه كفرا وحبه سنة )
وقالوا:(إذا رأيت الرجل يحب أحمد بن حنبل فاعلم انه صاحب سنة وجماعة ) الجرح والتعديل ج1 ص308 وقد بلغ الاغراق في المدح حد الغلوا من قبل اتباع ائمة المذاهب ما خرجوا به عن طريق المعقول وتجاوزوا فيه الحدود
وبلغ الحد بالحنابلة الى القول في علمائهم: (إذا رأيت البغدادي يحب أبا الحسن بن بشار وأبا محمد البربهارى –وهما من شيوخ الحنابلة المجسمة المشبهة –فاعلم أنه صاحب (سنة)) مناقب احمد لابن الجوزي ص514
وهنا استعرض ثلة من الامثلة والنماذج التي ساقها علماءالجمهور التي تبرز تعصب وجهالة دعاة السلفية وانغلاقهم واتحجرهم وغلوهم وتطرفهم الشديد وطعن الاخر بالبدعة والكفرومصادرة الدين
فقد ضاقةالامة بهم ذرعا لشديد ممارساتهم الغليظة واساليبهم الفظة وبما ارتكبوه من جنايات شنيعة بحق العلماء وما بتلوا به من حماقاتهم ومنكرات افكارهم وبدع ظلالاتهم
ان اختلاف العلماء وتباين وجهات نظر المفسرين ظاهرة طبيعية ومنهج منطقيا حسب ما وصل اليه كل فريق علمه وقاده اجتهاده . علما ان السمة البارزة للحضارة الاسلامية وما تميزة به عن غيرها من الثقافات والحضارات هو حرية النقاش وسماحة التناظر وفتح باب الاجتهاد والحوار العلمي و قرع الحجة بالحجة والدليل بالدليل وليس باثارة فتن (البدع والتكفير)والتحريض على الارهاب
فقد اثاروا كثيرا من الفتن بين الناس بسبب عدم اخذ العلماء بشطحاتهم والاقراربصحتها لكونها مبنية على الشرك والتجسيم ..!!فالملاحظة انه بدلا من أن تعقد مجالس النقاش وندوات الحوار لرفع الالتباس وإزالة الخلاف أصبحت مثار فتن في الاستقواء بالسلطة في قمع الناس وسببا لتدخل الغوغاء واصحاب الاهواء الفاسدة المندسين في صفوف المسلمين
وقد حدث أن اختلف الحنابلة وغيرهم من السنة في تفسير قوله تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) فقالت الحنابلة ان المقصود من هذه الاية ان يقعد الله نبيه على عرشه ..وقال غيرهم :ان المقصود هو الشفاعة ..واحتدم الصراع واتسع النزاع بسبب ذلك الخلاف واقتتل الحنابلة مع خصومهم انظر تاريخ الخلفاء للسيوطي ص154 إذ كانت القوة في بغداد للحنابلة لدعم ومساندة السلطة لهم والتفت العامة حولهم وانضمام كثير من الجند ليهم وقتل منهم قتى كثيرة وكانت جماعة الشيخ الحنبلي ابي بكر المروزي ابطال هذه الفتنة الهوجاء واعتمدوا على القوة انظر الكامل لابن الثير ج8 ص132
واستمرو مدت من الزمن يشنون الحرب الضروس ضد مخالفيهم ويرهبون قلوب الناس ويتعرضون بالشر لغيرهم من الطوائف وإغراء بعضهم ببعض وثيرون الشغب ويحدثون الخلل في الامن والنظام..
:التعصب الجاهلي العنيد
الاسلام لايمانع من ان يحب الانسان قومه او جماعته او طائفته او وطنه لكن بشرط ان لايخرجه الحب او الولاء لحد التطرف العنصري او الولاء الجاهلي او التكفير المذهبي ومجانبة حصن المسلم في الشهادتين و عدم الاعتداء من غير سبب وان يرعوي للحق ويستجيب الى الهدى ومنطق العقل وان لايغلب على عقله الهوى ولا على شعوره العزة بالاثم من باب انتصر لاخيك ظالما او مظلوما على نمط الجاهلية الاولى وهذا مما يزري بالانسان ويقبح بالمسلم ان يكون مقلدا وعبدا تابعا فلابد له ان يطلع على الحقائق ويوازن بروح موضوعية وباسلوب شفاف لان الحقيقة ضالة المؤمن لا ان يتبع هواه فيخرجه عن الحقيقة ويتجنب الصواب بالتماس الاعذار ولوي عنق النصوص لاجل التبرير المشين والاعذار السخيف كمن جحدها واستيقنتها نفسه ... يقول العلامة الشيخ رشيد رضا في مقدمة المغنى لابن قدامة ج1ص12=1 (حتى أن من اتباعهم من قدمهم على الانبياء عند تعارض كلامهم مع الحديث الصحيح فانهم يردون كلام النبي المعصوم مع اعتقاد صحة سنده –بقول نقل عن امامهم ويتعللون باحتمالات ضعيفة)
التعصب الطائفي المقيت
ان البحث في مناهج وعوامل التعصب الطائفي واسباب الخلاف المذهبي كمشكلة تاريخية سببت الفرقة بين المسلمين وفككت وحدتهم وباعدت بينهم الى اقصى ما يكون التباعد وغلبة نزعة العداء على جوهر المبادىء حتى ادى ظاهر الالتزام بها الى الخروج عن ميزان الشرع حتى اصبح النص الوارد في الكتاب عند بعضهم لايعمل به إن خالفه رئيس المذهب الذي اصبحت اقوله سنة ومخالفته بدعة وعدم اتباعه كفرا حتى قالوا أن كتاب الله تنسخه مخالفة أقوال علماء المذهب يقول عبيد الله بن الحسن الكرخي (الاصل ان كل اية تخالف قول اصحابنا فانها محمولة على النسخ او على الترجيح والاولى على التاويل من جهة التوفيق .الاصل ان كل خبر يجيىء بخلاف قول اصحابنا فانه يحمل على النسخ او يحمل على انه معارض بمثله ثم صار الى دليل اخر او ترجيح فيه بما يحتج به اصحابنا من وجوه الترجيح او يحمل على التوفيق )الدكتور مصطفى سعيد الجن نقلا عن اصول الكرخي ص84 القاهرة 1972
يبين لنا هذا النص مدى الارتباط بالمذهبية والالاتزام باقوال علماء المذهب حتى وان خالفت النصوص وهم يتمحلون ويخضعون الكتاب لموافقة اقوالهم وغذا امتنع النص القراني فانهم ينسخونه ويعملون بما جاء عن اصحاب المذهب ..يقول الدكتور مصطفى سعيد في اثر الخلاف في قواعد الاصول ص9 ((فهم مدفوعون وراء المذهبية تعصبا ويطرحون الدليل ويأولونه تاويلا بعيدا لا يتفق مع الحقيقة فهذه هي المذهبية التي يبغضها الله ورسوله )..!!فالوهابية تسعى ان تجعل من رسالة الاسلام العقلية الانسانية السمحة الموكبة للفطرة تابعة لاهواهم ووفق بدعهم وحسب منطقهم ومنقادة لمنطلقاتهم ويديرونه ما دارت مصالحهم ...!!
فقد امتازت الحنبلية من بين فرق المسلمين جميعا بالتعصب العنيد الذي يخرج الانسان عن دائرة الهدى والطرق القويم الى الانحراف المشين والغي العنيف والتطرف البغيض ..صحيح كان بين فرق المسلمين تعصبا كل واحدا لمذهبه ولكن الحنابلة فجروا الصراع واخرجوه من دائرة النقاش والحوار والاحتجاج الى فوضى التقاذف ونهش لفرق المسلمين وطوائفهم ولاصحاب الطرق والمتصوفة ورميهم جميعا بالكفر والظلال والفسق واستحلال الدماء والاعراض
فنفرط عقد الامة واصبحوا فرقا متصارعة متناحرة وكانهم اهل ملتين مختلفتين بعضهم يجيز ذبح بعض واستحلال دمه وعرضه وسلب ماله مخالفين قوله سبحانه في الاعتصام بحبله والتمسك بهديه ونابذين للسنة الشريفة التي امرة بالاخوة والمحبة وحرمت عليهم ان يرجعوا كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض .
الغلوا في التعصب المذهبي
وتأصلت روح العداء والجهل حدا تعصب معه اصحاب كل مذهب الى حد الغلوا والافراط في التطرف والدعاوى فيقول الحنبلي :
سبرت شرائع العلماء طرا فلم أركا عتقاد الحنبلي
فكن من أهله سرا وجهرا تكن أبدا على النهج السوى
ويقول اخر:
أنا حنبلي ما حييت وإن أمت فوصيتي للناس أن يتحنبلوا
والحنابلة يقولون: (أحمد بن حنبل إمامنا فمن لم يرضى فهو مبتدع ) فقد بالغ الغلوا حدا مرعبا بان يكون أحمد معيرا وميزانا وفيصلا بين الحق والباطل اذن فما اكثر المبتدعة في نظرهم على هذه القاعدة !
وكذلك يقولون:إنه ماقام بامر الاسلام أحدا بعد رسول الله (ص)ماقام به احمد ابن حنبل ولا أبو بكر الصديق مثله وإن الله جل وعلا كان يزور قبره ..!!!!!إلى اخرماهنالك من مناقب وفضائل مبعثها الجهل والتعصب والغلوا ..!!
التعصب الحنبلي واضطهاد العلماء ...
نشط الحنابلة في شذوذهم هذا حدا خطيرا حتى انهم في هذا الصدد بزوا من كان قبلهم وسهلوا الطريق بفتح الابواب لمن يبغي بعدهم ..فلم نسمع ان المغول حجروا او حبسوا العلماء ومنعوهم من مواصلة الدرس والتدريس والافتاء وغيرها فالمعروف انهم استفادوا من حملة العلم والحكماء ولكن الحنابلة ابوا الا بمقابلة علماء الامة وحملة الفكر بالعنف وعاملوهم بالغلظة وحتى حجبوهم عن الاتصال بالمجتمع ..!
وهذا الامام الحافظ العلامة (ابو نعيم ) صاحب حلية الاولياء المتوفى سنة 430 هجرية تعصب عليه الحنابلة فاعتزل الناس ولم يخرج خوفا من همجيتهم ..
السكاكين المشحوذة في ذبح علماء الامة ..
ان كل ما متوصل اليه الفكرالحنبلي هو ابداع وابتكارفي التطرف والتشدد والعدوان لم يضارعهم فيه احد لا ممن مضى ولا ممن هو اتي مستقبلا لنهم في هذا المجال لهم باع وخبرة لاتدانى حتى اصبح التعصب والعداء والعدوان عند الحنابلة حدا لايتصور ومظرب المثل حيث ملء الدنيا وشغل الناس ..
قال الشيخ (محمد بن عبد الجبار) :حضرة مجلس العلامة أبي بكر بن علي المعدل وكان بين الاشعرية والحنابلة تعصب زائد فقام إلى ذلك الرجل أصحاب الحديث –الحنابلة- بسكاكين الاقلام وكاد ان يقتل انظر تذكرة الحفاظ ج3 ص277
الحنابلة ورجم العلماء بالحجارة ..
بما ان شنيع فضائع الحنابلة التي طغت على الامة ردحا طويلا من الزمن وعانة من شديد وطأتها وفضيع كابوسها فلم يسلم منها حتى اكابر العلماءامثال ابا الفرج الاسفراييني الواعظ المتبحر الذي رجموه بالحجارة وفي الاسواق علنا عدة مرات وأظهروا لعنه وسبه لانه لم يكن منهم انظر البداية والنهاية لابن كثير ج12 ص244 ..!! فلا نعجب الان ان تطاول هولاء الهمج على مقامات اهل البيت والاولياء والصالحين والعلماء وسبوا الابرار والشرفاء ولعنوا المفكرين والمصلحين والاخيار ونبذوا العلم والحكمة وفضائل الاخلاق فهذا لهم ديدن نهجوه وسبيلا فطموا عليه ...!
الوان التعصب السلفي ...
فقد تعصب الحنابلة على الفقيه (جعفر بن محمد) الشافعي الموصلي فحسدوه وكتبوا محضرا نسبوه لكل قبيح فنفي عن الموصل سنة 323 هجرية
ولقي المؤرخ الحافظ (ابن عساكر) الشافعي الشامي من الحنابلة أذى كثيرا تعصبا عليه وتحديا له وحسدا لمقامه وكان الشيخ ابن عساكر يتجنب المرور بالقرب من الحنابلة خشية إيقاع المكروه به منهم ...وكان ابن قدامة عالم الحنابلة بدمشق يذهب الى عدم (إسلام)ابن عساكر لانه يقول بالكلام النفسي فلايرد عليه السلام .طبقات الشافعية ج5 ص69 فاذا كان عالمهم هذا منهجه وهذه سيرته وخلقه مع العلماء فما نقول بالهمج الرعاع والمتعصبين الغبياء ...
وكذلك كان موقف الحنابلة مع الحافظ (الخطيب البغدادي) صاحب التصانيف القيمة الكثيرة كتاريخ بغداد فقد تحامل عليه الحنابلة واتهموه بالميل إلى المبتدعة ويقصدون بالمبتدعة المتكلمين والاشاعرة وقد حملهم التعصب فقالوا:ان الكتب التي تنسب اليه ليست له وإنها للصولى فسرقها ونسبها اليه ..انظر تجارب الامم لابن مسكويه ج1 ص322
( وكانت هذه الهجمة الرعناء والطخية العمياء التي قادها المتلبسون بالدين زيفا مصدر بلاء على الاسلام والمسلمين )
انذار الخلافة للطغام ..!
بعد ان طغى موج الرعاع وستفحل دور الطغام في اشعال نيران الفتن واغراق الامصار بالدماء وفوضى الدمار فاستفاقة الخلافة الاسلامية على ماطفح به السيل واستشرى فيه البلاء في كل امصار الخلافة واركان البلاد من جراء اطلالقهم العنان للجهل والتحجر والاجرام من العيث في الارض الفساد واغراق البلاد بسيول الدماء واستباحة العباد وحرق المساجد والاسواق والدور والمحال ..استفاقة الخلافة بعد ان تمكن التعصب من النفوس واشتد امر الحنابلة وكان منهجهم يتسم بالعنف ومصادرة الفكر ومنع الحريات والتعدى على كل من خالفهم الرأي ..استفاقت الخلافة ولكن بعد خراب البصرة كما يقول المثل العراقي فعمت الفوضى واتسع الخرق .. استفاقت الخلافة على النكبة التي عصفت بالاسلام وحلت بالمسلمين زمن طويل ..!!
فاستفاقت الخلافة من غيبوبتها واصدرت الاوامر المشددة بقطع دابر تلك الفتن الهوجاء وتعداد مساوء الحنابلة وما جنوه من فضائع ويهددهم بالعقاب والنكال وجاءفي المنشور الذي وجهه إليهم الخليفة قوله :
وقد تأمل أمير المؤمنين امر جماعتكم وكشف له الخبرة عن مذهب صاحبكم زين لحزبه المحضور ويدلى لهم حبل الغرور فمن ذلك تشاغلكم بالكلام في (رب العزة)-أي القول بالتشبيه والتجسيم- تباركت أسماؤه وفي نبيه والعرش والكرسي وطعنكم على خيار الامة ونسبتكم شيعة اهل بيت رسول الله إلى الكفر والضلال وإرصادكم في الطرقات والمحال ثم استدعاؤكم المسلمين إلى التدين بالبدعة الظاهرة والمذاهب الفاجرة التي لايشهد بها القران .إلى اخر ما يتضمنه المنشور من تعداد موبقات وجنايات وجرائم عصابات الحنابلة الاشقياء والتهديد لهم بالعقوبة الزاجرة ..! انظر الطرائف لابن طاووس ص356
بعد طفح السيل الخلافة تستعيد وعيها..
وبلغ السيل الزبى وطفح الكيل وعجت الامة من عظيم وطأتهم وأسراف غدرهم وسدورهم في غيهم وانتشار فسادهم وعموم بلوتهم وارتكابهم للفضائع من دون تردد
مما حمل الخليفة (الراضى) على اصدار منشور من ردعهم بالقصاص وبالقتل إن لم يرجعوا عن غيهم ويفيئو الى امر الله /تجارب الامم لابن مسكويه ج1ص322 ومن الملاحظ أن هذا المنشور قد اوقف استفحال غيهم وانتشار فتنتهم والوقيعة بغيرهم وخفف عن الناس بعض شرورهم تلك التي لحقتهم بفعل التعصب العقائدي في التجسيم واراء واهية مشبهة تجعل الله كما لمخلوقات والمحدثات ..ومن نيل لمقامات الاولياء ومظاهر الاحتفال بسيرهم ..وكان الخليفة الراضي صريحا في اعلانه وشديدا في بيانه وصارما في مجازاته فنقطع دابرهم وسكنت فتنتهم ..ومما جاء في منشور الخليفة (ثم استدعاؤكم المسلمين الى الدين بالبدع الظاهرة والمذاهب الفاجرة التي لايشهد بها القران وانكاركم زيارة قبور الائمة وتشنيعكم على زوارها بالابتداع وانتم مع ذلك تجتمعون على زيارة قبر رجل من العوام ...) ومضمون البيان يعبر عن عودة إلى اصول الحق وقواعد التفكير السليم ..
ولنا بحث في هذا الصدد نفند فيه اكاذيب وشطحات هؤلاء
هلال آل فخرالدين
https://telegram.me/buratha